وأصبحت هذه الصورة واحدة من أكثر الصور التي تجسد معاناة الفلسطينيين خلال القصف الإسرائيلي المستمر على غزة منذ عام والذي جاء رداً على هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
قُتلت سالي مع والدتها وشقيقتها الرضيعة وجديها وعدد من أقاربها. ومنذ ذلك الحين، فقدت إيناس أبو معمر (37 عاماً) شقيقتها أيضا، التي قُتلت مع أطفالها الأربعة في غارة جوية في شمال غزة.
نزحت إيناس أبو معمر ثلاث مرات لتجنب القصف الإسرائيلي، وفي إحدى المرات أمضت أربعة أشهر في خيمة. واليوم، عادت إلى منزلها في خان يونس بجنوب غزة. الشقوق في كل جزء من سقف المنزل وتغطي ستارة الحمام فتحة في الحائط بحجم نافذة.
وقالت إيناس أبو معمر وهي تجلس وسط الأنقاض في المقبرة الصغيرة بجوار منزل العائلة "لقد فقدنا الأمل في كل شيء"، وأضافت أن قبر سالي يوجد أسفل تلك الأنقاض.
وتابعت: "حتى القبر لم يسلم من القصف".
وأدى هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واحتجاز حوالي 250 شخصاً رهائن، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق على غزة كان هدفها المعلن القضاء على "حماس". وأدت هذه الحملة حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 41500 شخص، معظمهم من المدنيين، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنَّ حملته على غزة ضرورية لسحق "حماس"، التي يتهمها بالاندساس وسط السكان الفلسطينيين. وتنفي الحركة ذلك.
وتقول إسرائيل إنَّها تحاول الحد من الأذى الذي يلحق بالمدنيين.
غارة جوية
قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، كانت غزة تعاني من حصار إسرائيلي واسع النطاق في أعقاب سيطرة "حماس" على القطاع في عام 2007. وقالت إيناس أبو معمر إنَّ العمل كان قليلاً وكانت الواردات مقيدة بشدة لكن أسرتها كانت تنعم بالاستقرار.
كانت إيناس تعيش مع زوجها بالقرب من عائلة شقيقها رامز، مما أتاح لها قضاء الكثير من الوقت مع أبناء أخيها، أحمد وسالي وصبا.
ومع تكثيف القصف بالقرب من المنزل بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، لجأ رامز مع عائلته إلى منزل أصهاره على بعد حوالي كيلومتر واحد. وفي اليوم التالي تعرض المنزل لغارة جوية.
وعندما سمعت إيناس أبو معمر بالغارة، توجهت مباشرة إلى مستشفى ناصر في خان يونس. وهناك رأت أحمد، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 4 سنوات، وأمسكت بيده. ووجدت سالي جثة هامدة في المشرحة.
وقالت: "حاولت إيقاظها. لم أصدق أنها ماتت".
وهناك التقط مصور "رويترز" محمد سالم صورة لإيناس وهي تحتضن ابنة أخيها المتوفاة، وهي مُكفنة في ملاءة بيضاء. وحصلت الصورة على أفضل صورة صحفية عالمية لهذا العام وفازت بجائزة بوليتزر إلى جانب صور أخرى لرويترز لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والحرب في غزة.
نزوح
قالت إسرائيل إنَّها هاجمت 5000 هدف لـ"حماس" في غزة من السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حتى 17 تشرين الأول (أكتوبر) من الشهر ذاته، وهو يوم الغارة الجوية التي أودت بحياة الطفلة سالي. وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إنَّ نحو 3000 شخص قُتلوا بحلول ذلك التاريخ منهم 940 طفلا.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق على الغارة التي قتلت سالي.
وبعد ستة أيام من مقتلها، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في تعليق على مقتل عائلة أخرى في غارة جوية في خان يونس "حماس تندس وسط المدنيين في جميع أنحاء قطاع غزة. لذا أينما يظهر هدف لحماس، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي سيضربه من أجل إحباط القدرات الإرهابية للحركة، مع اتخاذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين الذين لا دخل لهم".
وبحلول شهر كانون الأول (ديسمبر)، ومع إعلان السلطات الفلسطينية أن عدد القتلى في غزة تجاوز 15 ألفاً واستعداد إسرائيل لتوسيع هجومها البري إلى جنوب غزة، انتقلت إيناس أبو معمر وأفراد آخرون من العائلة إلى المواصي، وهي منطقة شاطئية حيث لجأ النازحون إلى العيش في خيام. نزحوا مرتين أخريين بينما كانت القوات الإسرائيلية تخوض قتالاً ضد "حماس" في جميع أنحاء الجنوب حيث أمرت المدنيين أولا بالخروج من خان يونس ثم من مدينة رفح.
والآن وبعد عودتها إلى المنزل، تقول إيناس أبو معمر إنه لم يعد هناك جدوى من النزوح مجدداً. والتقطت الزي المفضل لدى سالي، وهو فستان أسود بالتطريز الفلسطيني التقليدي الأحمر، وألصقته بوجهها.
وقالت: "لا ننتظر سوى وقف حمام الدماء".