وكان قائد الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، حذّر في أيار (مايو) الماضي، خلال لقاء جمعه بالقيادات العسكرية في منطقة بشار جنوب غربي الجزائر، من "المحاولات الخسيسة المتمثلة بإغراق بلدنا بالمخدرات، التي تستعمل سلاحاً خطيراً ضد بلدنا وشعبنا، بغرض إفشال عزائمهم والنيل من إرادتهم".
"البريغابالين" الأكثر انتشاراً
تكشفُ حصيلة الشرطة الجزائرية عن ضبط 169 كلغ كوكايين، وأكثر من 7 ملايين قرص للهلوسة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بينما حجزت قيادة الدرك 13.29 كلغ من المخدرات الصلبة أغلبها من الكوكايين، بموازاة تفكيك 106 شبكات تهريب واتجار بالمخدرات والمهلوسات، وتوقيف أكثر من 14458 شخصاً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023.
وبحسب تقارير إعلامية محلية، فإن المحجوزات بلغت 19.618 طناً من حشيشة الكيف المعالجة، و 30308 أقراص من حبوب الهلوسة، وكميات كبيرة من "البريغابالين"، وأقلّ منها من مخدر "إكستازي".
وبالنظر إلى التطورات التي تشهدها الجرائم المُرتبطة بالمخدرات واتساع رقعتها، راجعت الحكومة الجزائرية منذ عام تقريباً التشريعات الخاصة بالمخدرات، ومن أهم النقاط التي تضمنها القانون الجديد إدراج "البريغابالين"، أو ما يُعرفُ وسط المدمنين بـ"الصاروخ"، الذي ينقلهم إلى عالم الأوهام ويفصلهم عن الواقع المُعاش لساعات طويلة قد تنتهي بهم إلى الجنون أو إلى وضع حد لحياتهم، ضمن المؤثرات العقلية التي يُعاقب عليها القانون. وقد تضمن القانون الجديد موادّ تسمح للقاضي بتحفيف عقوبات مُتعاطي هذه السموم إذا اتّبع خطوات العلاج من الإدمان.
فتيات تحت رحمة الإدمان
هل حققت التعديلات الجديدة على القانون الهدف المنشود، وهو تقليص كميات المخدرات المروّجة في الجزائر، والتي أصبحت تستهدف مختلف الفئات العمرية، حتى الإناث؟
تُؤكد المُحامية فريدة سي عبدالله ، في حديث إلى "النهار"، أن "الجزائر تخوض منذ مدة حرباً حدودية بسبب شحنات المخدرات، التي تدخلها يومياً على أيدي الجماعات الإجرامية المنظمة، التي تحاول ضرب أمن الجزائر واستقرارها باستهداف شبابها، فيُحبط عناصر الأمن ـ بشكل يومي ـ محاولات إدخال شحنات بكثرة من دول الجوار إلى مُدن تمنراست ووادي سوف ومدن أخرى في الغرب الجزائري، بحسب التقارير الأمنية".
وبحسب ما رصدته المحامية الجزائرية إثر معالجتها اليومية لهذه القضايا، فإن "حبوب الهلوسة هي الأكثر انتشارا في أوساط الشباب، وهي في الأصل عبارة عن حُبوب مُسكنة مثل ترامادول، ليريكا، سيبتيكس، بريغابالين، لكنها أعطيت في أوساط الشباب مسمّيات غير التي تعرف بها طبياً، مثل الصاروخ، التاكسي، الزرقاء، الحمراء. لكن حبوب البريغابالين أكثر المخدرات انتشاراً بين الشباب. أما المخدرات الصلبة (الهيرويين، والكوكايين) فهي تقتصر على فئة قليلة من الطبقة الغنية".
واللافت للنظر ، بحسب عبدالله، أن "المخدرات أصبحت هاجساً يُرعب الأسر الجزائرية، التي تعاني اليوم من تعاطي أكثر من ابن واحد للمخدرات، وهو ما يشهد عليه المحامون يومياً في قاعات الجلسات أو حتى في الملفات التي تدخل المكاتب؛ والإدمان أصبح لا يقتصر على الذكور فقط بل يشمل الفتيات اللواتي يقعن ضحيّة له".
هل حقق القانون الجديد الأهداف المنشودة؟
تصفُ المحامية عبدالله القوانين بـ"الردعية" لأنها تفرض عقوبات مشددة تصلُ إلى 20 سنة سجناً لكل من قام بطريقة غير مشروعة بإنتاج مواد مخدّرة ومؤثرات عقلية، أو بيعها أو حيازتها أو عرضها أو نقلها عن طريق العبور. وتصل العقوبة إلى 30 سنة، إذا كان الفاعل موظفاً حكومياً سهّلت له وظيفته ارتكاب الجريمة، أو من مهنيي الصحة أو الصيدلة أو الصناعة الصيدلانية، أو من مستخدمي مؤسسة متخصصة في معالجة الإدمان، أو كان عضواً في جمعية تنشط في مجال الوقاية من الاستعمال والاتجار غير المشروعين بالمخدرات والمؤثرات العقلية. وتصل عقوبة المستهلكين إلى سنة حبس نافذ.
ومنحت التعديلات القانونية الجديدة كذلك "اهتماماً كبيراً بالمستهلكين، وخصّصت لهم فصلاً سُمي بالتدابير العلاجية، إذ لا تمارس الدعوى العمومية ضدهم إذا ثبت خضوعهم لعلاج مُزيل للتسمم، أو كانوا تحت المتابعة الطبية منذ حدوث الوقائع المنسوبة إليهم. كذلك، أجاز قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية للقضاة إخضاع الأحداث والأشخاص المتهمين لعلاج مزيل للتسمم، تصاحبه كل تدابير المراقبة الطبية وإعادة التكييف لحالتهم، إذا ثبت بواسطة خبرة طبية متخصصة أن حالتهم الصحية تستوجب علاجاً طبياً. وأبعد من هذا، أجاز القانون للجهة القضائية أن تأمر المُتهم بإجراء تكوين حول مخاطر المخدرات والمؤثرات العقلية في مؤسسة متخصصة بمعالجة الإدمان أو في جمعية تنشط في هذا المجال"، وفقاً لعبدالله.
لكن ما يلاحظ من خلال الممارسة الميدانية عدم اللجوء إلى التدابير العلاجية. وتقول المحامية الجزائرية إن "الفصل في قضايا المستهلكين يكون بعقوبات تصل إلى العام حبساً نافذاً مع فرض غرامات مالية، ناهيك بفرض عقوبات ثقيلة تتراوح ما بين 10 و20 و30 عاماً سجناً".
وتشير عبدالله إلى أنّ المطلوب اليوم هو "تفعيل العلاج على مستوى المصحات ومراكز علاج الإدمان، الذي يعتبر حالة تبعية نفسانية أو تبعية نفسية جسمانية تجاه مخدّر أو مؤثر عقلي، مما يتطلب توفير المزيد من مراكز العلاج على المستوى الوطني، وتوعية الأسر ومراقبة المدارس، خصوصا أن الظاهرة طالت أخيراً حتى تلاميذ المدارس، وتفعيل دور المؤسسات التربوية والمساجد والمراكز الثقافية والرياضية مع برمجة حملات تحذير واسعة النطاق من خطر تناول المخدرات وتنظيم أيام مفتوحة عبر التلفزيون والإذاعة".