تتجه الجزائر نحو تبني أداة جديدة لزيادة تدفق الأموال إلى خزينة الدولة، من بينها الترخيص للخزينة العامة بإصدار أوراق مالية (صكوك سيادية)؛ وذلك ضمن الإجراءات المُقترح إقرارها في موازنة 2025 لـ"اصطياد" العملات الأجنبية واستقطاب مَن يبحثون عن الاستثمار بغطاء إسلامي، إذ يسمح إصدار الصكوك للأشخاص الطبيعيين والمعنويين بالمشاركة في تمويل المنشآت والتجهيزات العمومية ذات الطابع التجاري العائدة للدولة.
إلى ذلك، أقرّت الحكومة إجراءً آخر مرافقاً يتضمّن الإعفاء من الضريبة على الدخل الإجمالي، والضريبة على أرباح الشركات ومنتجات الصكوك السيادية الصادرة في سوق منظم، وكذا الإعفاء من رسوم التسجيل وتسجيل الأراضي والصكوك السيادية طوال مدة استحقاقها.
تنويع الأدوات التمويلية
وبالرغم من أن هذه الخطوة لا تزال في بدايتها، فإنها تحوّلت إلى مادة دسمة للإعلام الجزائري وخبراء الاقتصاد، الذين أجمعوا على أنها تستهدف شريحة جديدة من المستثمرين، لا سيما أولئك الذين يرغبون في استثمار أموالهم وفقاً للشريعة الإسلامية أو بغطاء شرعيّ يمنحهم الثقة بعدم الحصول على عوائد رَبويّة.
يأتي هذا الإجراء بعدما عرف التمويل الإسلامي نُموًا بوتيرة ثابتة على مدى العقد الماضي في العديد من البلدان، لا سيما البلدان ذات الأغلبية المسلمة، كدول الخليج وماليزيا، حيث تمّ تحصيل مئات مليارات الدولارات.
ويشرح الخبير في المالية والجباية البروفيسور محمد حمران، لـ"النهار "، خلفيات هذه الخطوة، فيقول إن "الرهان الأساسي بالنسبة إلى الحكومة يتمثّل بنقل الاقتصاد إلى مرحلة النمو في الأجل الطويل، وهذا من خلال تنويع الأدوات التمويلية بعيداً عن الطرق التقليدية المعمول بها كالضرائب والرسوم والعوائد من الاستثمارات".
ومما يُحفّز الجزائر على خوض هذه التجربة، وفق حمران، هو "النجاح الذي حققته البلاد في مجال الصيرفة الإسلامية بعد ثلاث سنوات فقط من إصدار الإطار التنظيمي الخاص بها؛ ففي غضون 30 شهراً فقط، أظهرت النتائج حصيلة إيجابية فاقت كلّ التوقعات، إذ بلغت قيمة ودائع الصيرفة الإسلامية في المصارف والمؤسسات المالية العمومية والخاصة 500 مليار دينار جزائري، أي ما يعادل 3.7 مليارات دولار منذ إطلاقها في نيسان (أبريل) 2020 إلى نهاية آب (أغسطس) 2022".
امتصاص أموال السوق الموازية
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر جمال الدين نوفل شريف أنّ هذه "الأدوات الاستثمارية تتيح للدولة الاعتماد على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في المساهمة في تمويل المشاريع، أي الاعتماد على تمويل داخلي من دون اللجوء إلى التمويل الخارجي، وهو ما يمنحها استقلالية مالية؛ ولذلك يمكن القول إن هذا الخيار يحمل بين طياته خلفيات سياسية وأبعاداً دولية".
وبحسب شريف، يُمكنُ أن تُمثّل الصكوك السيادية "أداة تمويل مهمة للحكومة الجزائرية من أجل تمويل مشاريع البنية التحتية مثل الطرقات، الموانئ، المدارس وأخيراً المستشفيات. وعادة، تحتاج هذه المشاريع إلى استثمارات ضخمة قد لا تكون متوافرة في موازنة الدولة. ولذلك تلجأ الحكومات إلى جمع الأموال من المستثمرين من أجل تنويع مصادر التمويل بدلاً من السياسات المعتمدة حالياً كالقروض أو فرض الضرائب".
ويُؤشر اتجاه الجزائر نحو هذه الأداة إلى "رغبتها في امتصاص الفائض النقدي الموجود في السوق الموازية، وضخّه في المؤسسات المصرفية الرسمية. ويُمهّدُ قانون الموازنة الجديد إلى توسيع الوعاء الضريبي، الذي سيدعم من خلال مجهودات إحصاء المجتمع الضريبي، من جهة، ومقترحات التحفيزات المالية والضريبية لتشجيع التبني التدريجي للسوق غير الرسمية، من جهة أخرى؛ وذلك عن طريق تعزيز تعبئة الموارد ومكافحة الغش والتهرّب الضريبيين وتبسيط الإجراءات في إطار مواصلة تحسين مناخ الأعمال والإصلاحات الضريبية"، يشرح شريف.
ويقدّر حجم الأموال المتداولة في السوق الموازية في الجزائر بـ 10 آلاف مليار دينار، أو ما يُعادل 90 مليار دولار.
والمتوقع، بحسب الباحث في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية الدكتور سليمان ناصر، "وضع أول نظام قانوني لإصدار الصكوك السيادية وتداولها في الجزائر". ويعتقد ناصر أن نجاح الخطوة "مرتبط بمدى قبول الجزائريين لها، وبوجود هيئة تُفتي بمدى مطابقتها للشريعة الإسلامية؛ فكثيرون يرفضون التعامل مع المصارف التقليدية لأنها تعتمد على فوائد لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية التي تُحرّم القرض بالفائدة والمضاربة والاستثمار في المحرمات، وتنصّ على تقاسم الخسائر والأرباح بين المصرف والزبون".