أصيلة: كريم السعدي
استعرض المتدخلون في الجلسات الثلاث لهذه الندوة المبرمجة في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ45، في دورته الخريفية، معطيات تهم حجم الإخفاق المسجل على مختلف الأصعدة، مميزين بين الحلم الذي رسمه الآباء المؤسسون والواقع الذي صعب من تحقيقه، مع انتقادهم عدم قدرة عدد من البلدان الإفريقية على التخلص من "الإرث الثوري"، مقابل انشغالها بـ"بيع الأوهام" و"المتاجرة بالشعارات"، فيما ذهبت وجهات نظر، في علاقة بتداعيات قرار منظمة الوحدة الإفريقية، عام 1964، باعتماد مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، إلى "محاكمة" طريقة تنزيله.
وبسط حسن أبو أيوب سفير المغرب لدى رومانيا، ووزير السياحة والزراعة والتجارة الخارجية السابق، معطيات وإحصائيات أظهرت أن نسبة 37 بالمئة من سكان القارة تعيش تحت عتبة الفقر، وأن ربع اللاجئين في العالم يوجدون في إفريقيا، التي لا تمثل سوى نسبة 1 بالمئة من الناتج الداخلي الخام العالمي، ونسبة 4 بالمئة من حجم التجارة العالمية، بينما لا تمثل التجارة البينية داخلها سوى 15 بالمئة، مقابل أكثر من 80 بالمئة في أوروبا و50 بالمئة في أميركا اللاتينية.
ودعا أبو أيوب إلى العمل على مستوى الاندماج الجهوي، والتحلي بالشجاعة لإيقاظ الضمائر، وتوجيه الجهود الجماعية لإعادة التفكير في الطريقة التي يتم بها بناء المستقبل.
واستحضر حاتم عطا الله، السفير التونسي السابق ومستشار العلاقات الدولية، السياق التاريخي لمسألة الحدود في إفريقيا، مشدداً على أن هذا السياق مهم، ما دام أن معظم الحدود الحالية رسمتها القوى الاستعمارية تبعاً لمؤتمر برلين، بشكل لم يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية، والثقافية، والاجتماعية والعرقية لكل منطقة.
وبسط عطا الله عدداً من عناصر التعاطي مع إشكالية الحدود الموروثة عن الفترة الاستعمارية، تشمل غياب الوضوح، بخصوص الأسس التي قام عليها هذا المبدأ، فضلاً عن غياب ترسيم مضبوط لهذه الحدود، التي لا يتجاوز المحدد منها الثلث على مستوى الترسيم، ليتساءل كيف يمكن الحديث عن حدود موروثة عن الاستعمار وأكثر من 67 ثلثيها غير محدد.
ورأى عبد الله محمدي، الكاتب الصحافي الموريتاني المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن من الفرص المهمة في إفريقيا كونها ورشة عمل مفتوحة، لا يتوقف فيها البناء والتشييد.
وقال محمدي إن مشروع أنبوب الغاز الذي يربط نيجيريا والمغرب، مروراً بدول غرب إفريقيا، يُعدّ فرصة كبيرة لكسر الكثير من القوالب الجامدة للتعاون الإفريقي، ورفع مستواه نحو التكامل والاندماج.وشدد على مفاهيم مهمة، مثل "التضامن الإفريقي"، حتى لا يتحول الاندماج إلى فرصة سانحة للأقوياء على حساب الدول ذات الاقتصاد الأضعف.
كما تحدث عن "معضلة الأمن"، التي تشكل حاليًا أكبر عائق أمام تحقيق التنمية. وتوقف، في هذا السياق، عند الأوضاع في منطقة الساحل. ورأى أن الصراعات ساهمت في إرباك العلاقات بين عدد من الدول الإفريقية، الشيء الذي يؤثر بشكل مباشر على مشروع الاندماج والتكامل الإفريقي، الشيء الذي اتضح في المشاكل التي تمر بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
وشدد محمدي على أن كل هذه التحديات لا يمكن أن تصادر حق الأفارقة في الحلم، وتحويل التحديات إلى فرص، وتفادي أن تتحول هذه الفرص إلى عوائق، الشيء الذي يستدعي التحلي بالكثير من التفاؤل العقلاني، وركوب التحدي والإيمان بالمصير الواحد والمشترك.
وقال الخبير المالي أغيبو ديارا، إنه قد مضى على اعتماد منظمة الوحدة الإفريقية للحدود الموروثة عن الاستعمار نحو ستة عقود، أظهرت مع الممارسة أن الأمر يتعلق بجرح تاريخي، بعد أن عملت 13 دولة أوروبية، في وقت سابق، على تمزيق إفريقيا.
وأشار أغيبو إلى أن النزاعات الحدودية بين الدول الإفريقية، بعد اعتماد القرار المتعلق بالحدود الموروثة عن الاستعمار، تناهز 22، رفعت 8 منها إلى محكمة العدل الدولية، دون الحديث عن النزاعات الانفصالية، فضلاً عن وجود 76 مجموعة مسلحة تنشط داخل إفريقيا. وتساءل: "ألم يحن الوقت للنظر مجددا في مسألة اعتماد مبدأ الحدود المورثة عن الاستعمار؟".
ورأى محمد لوليشكي السفير المغربي السابق لدى الامم المتحدة، والباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أنه كان يتعين ألا يقف اعتماد مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار عند حالة امتلاك ما تحوزه، ولكن الانتقال إلى مرحلة امتلاك ما تحوزه إلى أن تستقر الأمور، بحيث يمكن للأطراف المعنية تقديم الحجج لتسوية الوضع نهائياً. وتبعاً لذلك، رأى لوليشكي أن منظمة الوحدة الإفريقية، وقفت، عند اعتمادها هذا المبدأ، عند ويل للمصلين.
وأوضح محمد المدني الأزهري الأمين العام السابق لتجمع دول الساحل والصحراء (ليبيا)، أن هناك أمران يفسران اعتماد مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، يتعلقان بالحلم والواقع.
واستحضر، في هذا الصدد، مبررات من كانوا وراء اعتماد هذا المبدأ، ذاكرا يوليوس نيريري، الذي قال له إن إقرار عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار كان أحد أفضل الحلول. وأضاف الأزهري أن الآباء المؤسسين كانوا يرون أن مسألة الحدود ستختفي إذا تحققت الوحدة؛ غير أن "الواقع غير الحلم"، مشيراً إلى أن الظروف على أرض الواقع كانت أصعب وأقوى من حلمهم.
وقال خير الله خير الله، الكاتب الصحافي والمحلل السياسي اللبناني، إنّ هناك أنظمة إفريقية لم تستطع مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الاستعمار، من حيث تدابير الحكامة ورهانات التنمية، لتحدث عن نجاحات وإخفاقات وكوارث، في علاقة بما سماه "الإرث الثوري" الذي قال إنه لا زال يتحكم في بعض الدول والأحزاب الحاكمة.
وشدد، في هذا الصدد، على أن هذا "الإرث الثوري" لا علاقة له ببناء دولة مؤسسات حديثة، تستطيع التعاون مع محيطها، مع إشارته إلى أن الاستعمار بات عند البعض مبرراً للتهرب من الواقع وتحمل المسؤوليات. وتحدث خير الله، في هذا السياق، عن جنوب إفريقيا، التي قال إنها استطاعت أن تنتقل من دولة عنصرية إلى دولية طبيعية، غير أنها لم تستطع التخلص من "الإرث الثوري"، الشيء الذي جعلها تعجز عن لعب دور طبيعي وإيجابي على الصعيد القاري. ورأى أن هذه الدولة كانت قادرة على لعب هذا الدور بعيداً عن تأثير دول من داخل القارة السمراء مثل الجزائر، ومن خارجها مثل إيران، الشيء الذي جعلها عاجزة عن مواكبة الأحداث والتطورات في القارة والعالم، وبالتالي فشلت في أن تكون نموذجاً يحتذى.
ورأى خير الله أن معظم الدول الإفريقية فشلت في بناء دولة المؤسسات، فيما عمل بعضها على بيع الأوهام والمتاجرة بالشعارات.