أصيلة: كريم السعدي
جاءت جلسة افتتاح ندوة "النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن"، مساء الخميس، ضمن فعاليات منتدى أصيلة ال45، لتؤكد أن موضوع الهجرة، في عمومه، شائك ومتشعب،وازداد تعقيدا بعد الأحداث والتحولات التي شهدها العالم أخيرا، وما تمخض عنها، في بلدان المهجر، من صعود لليمين المتطرف وتوسع لهامش النزعات الشعبوية.
وبقدر ما أظهرت مضامين بعض المداخلات تباينا بين بعض المشاركين في مقاربتهم لقضايا الهجرة، بشكل عام، أكدت أن الهجرة العربية، سواء من حيث جوانبها الإيجابية أو أوجه النقص والقصور، تطرح تحديين أساسيين بالنسبة للنخب العربية، وذلك على مستوى علاقتهم بالبلدان المحتضنة، من جهة، وببلدانهم الأصلية من جهة ثانية، الشيء الذي يجعل من الهجرة رهانا كبيرا للدول العربية ولدول الاستقبال، على حد سواء.
وتحدث محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، عن التطور الذي شهدته الهجرة العربية، مشيرا إلى تمكن أبناء مهاجرين،من الجيل الرابع أو الخامس، من الوصول إلى مناصب رفيعة.وتساءل عن مدى انعكاس وجود نخب عربية في المهجر علىمستقبل الجاليات العربية، مشددا على أن هذا الأمر مهم، في ظل التحديات والقوانين التي تحول دون تقدم هذه النخب كما يجب.
ورأى رئيس الجلسة، الباحث وأستاذ التعليم العالي المغربي أحمد زنيبر، أنه صار لزاما على النخب العربية أن تعيد النظر في مفهوم الهجرة، مادام أن وجودها يقابله خطاب متشدد، متطرف وإقصائي أحيانا. وتساءل: "هل نجحت النخب العربية في تحقيق ذلك؟، وما البدائل التي اقترحتها؟ وكيف تنظر إلى ماضيها وحاضرها ومستقبلها، في ظل ما تشهده الساحة العالمية من تطورات؟".
وتوقفت اللبنانية كاتيا غصن، الناقدة والأستاذة في جامعة باريس الثامنة، عند كلمة "العرب"، في علاقة بقضايا الهجرة، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بكلمة عامة وجامعة، تنطوي على ثقافات متجذرة ومتنوعة تجعل من الصعب الحديث عن ثقافة عربية متجانسة، ما دام أن لكل بلد عربي خصوصياته وتاريخه وهويته ولغاته وفنونه وإرثه الحضاري وتوجهاته.
وتحدثت غصن عن النخب العربية في المهجر بإيجابية أكبر، مشيرة إلى أنها تبقى أكثر من غيرها في الأوساط المالية والسياسية وإدارة الأعمال، هي التي تُعرف أكثر ببلدانها الأصلية، وتساهم بشكل كبير في الإنتاج المعرفي حولها.
واشارت غصن إلى ارتفاع منسوب اندماج النخب العربية في بلدان المهجر، مقارنة بستينيات القرن الماضي، ما جعلها تلعب دورا محوريا في الإشعاع الحضاري للبلدان العربية، وذلك على نطاق يتعدى الوسط الأكاديمي، عبر تقريب الجمهور الواسع من الثقافات العربية.
ورغم هذا المعطى الإيجابي، رأت غصن أن إشعاع هذه النخب محدودا وهامشيا، وغير فاعل في النسيج المجتمعي الغربي، بشكل عام.
كما تحدثت غصن عن الهيمنة التي تفرضها، بشكل مباشر أو غير مباشر، التوجهات السياسية الثقافية للبلدان المحتضنة، ومحاولتها تطويع ما يتناقض معها بالسيطرة عليها، مع إشارتها إلى أن النفَس الديمقراطي الذي فتح مجالات أمام النخب للتعبير عن ثقافات وتطلعات بلدانها الأصلية صار يشهد تضييقا لهوامش تحركها، خصوصا بعض الأحداث الأخيرةالتي رسخت صورة سلبية ونمطية عن العربي والمسلم، قالت عنها إنها انعكست سلبا على درجة الإقبال على الرواية العربية، كما ساهمت في تراجع الإقبال على دراسة اللغة العربية في الجامعات الفرنسية، وعلى الدراسات العربية من طرف الطلبة الفرنسيين.
واستعرض محمد الهادي الدايري، وزير الخارجية الليبي الأسبق، أرقاما ومعطيات حول أعداد الجاليات العربية وتوزيعها الجغرافي عبر العالم؛ وقال إن الهجرات العربية عرفت تطورات، وأنه بقدر ما تطرح فئات منها إسهامات واضحة، تعاني أخرى من تحديات لا يستهان بها؛ قبل أن يستعرض معطيات حول إيجابيات الجاليات العربية، مركزا على حجم التحويلات والاستثمار والسياحة، مركزا على إسهامات مهاجري المغرب ومصر ولبنان في تنمية اقتصاديات هذه البلدان. كما تحدث عن نجاح جاليات عربية في الاندماج في نسيج بلدان أميركا اللاتينية.
وخلص الدايري إلى التساؤل عن مدى إمكانية تعميم النجاحات الفردية في الاندماج بالبلدان المحتضنة، ومدى إمكانية تحويلها إلى عملية إدماج للمجموعات الأقل قدرة على الاندماج، مع تطرقه إلى ما سماه ازدواجية الهوية وضبابيتها التي قد لا تقتصر على المهاجر العادي.
وتوقف الكاتب والروائي والناقد المغربي أحمد المديني عندالحالة الفرنسية، ليتحدث عن "الهجرة المضادة"، التي قال عنها إنها تحدث وتتنامى في صمت، ولا تكاد ترى أو يسمع عنها في خضم الأحداث الاجتماعية والمعضلات الاقتصادية والتحولات الإيديولوجية التي يعرفها هذا البلد، والتي اهتزت معها بقوة مبادئ المساواة وقيم التسامح واستقبال الأجنبي، لينتشر فيها التعصب مع صعود اليمين المتطرف وتصاعد للنزعة العنصرية، الشيء الذي دفع قسما من الجالية العربية إلى التخلي مكرهة عن بلد تحبه.
وبعد أن أشار إلى الذين يتركون فرنسا بحثا عن الطمأنينة، مع أن لديهم تكوينا رفيعا مع دخل جيد، تساءل المديني عن الأسباب التي تجعل من يحبون فرنسا يغادرونها على مضض، مع إشارته إلى أن هذه ال"مضض" ذات طبيعة عقيدية وعرقية وسيكولوجية، بقدر ما هي تعبير عن أزمات كامنة في المجتمع الفرنسي، تتعلق بالتمييز والشعور بالدونية مقارنة بوضعية الفرنسيين من أصول فرنسية.
وقدم خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية بالمركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس، نفسه كمواطن فرنسي من أصول لبنانية، ليشدد على أن "الجالية" لم تعد كلمة تفي بالغرض عند الحديث عن المهاجرين، خصوصا حين يتعلق الأمر بمزدوجي الجنسية. كما تحدث عن غياب حوار عربي - عربي بين النخب العربية التي أصبحت مندمجة، وبين الجاليات بعضها بعضا، مع إشارته إلى وجود مشكلة تتعلق بنقل الخلافات البينية العربية إلى المهجر.
ودعا أبو دياب إلى عدم التعامل مع الجاليات العربية كمصدر للتحويلات المالية، فقط. وقال إن على النخب العربية أن تتحلى بالتواضع ، في تفاعلها مع قضايا بلدانها، مع نقل الحقائق، والإعلاء من صوت التجارب الصحيحة، وعدم تكرار التجارب الخاطئة.
وتساءل الكاتب المصري محمد سلماوي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "المصري اليوم": "هل يتحول العرب في الأميركيتين إلى جماعة ضغط مؤثرة؟". ورأى أنه على الرغم مما توفر من عوامل إيجابيةبالنسبة للجالية العربية في المهجر فقد ظلت قوة بدون فاعلية حقيقية، مقارنة ببعض الجاليات الأخرى، وعلى رأسها جماعات الضغط اليهودية.