درس مكتب البرلمان الجزائري مُقترح قانون جديد لحماية المسنين من سوء معاملة الأبناء، لأن التنظيم المعمول به حالياً لا يتضمن نصاً صريحاً يُجرّم إهمال المسنين أو إيداعهم دور العجزة، وما يصدر من أحكام قضائية في مثل هذه القضايا حالياً مبنيٌّ على اجتهاد القضاة.
وتزامنت هذه الخطوة مع شروع الحكومة الجزائرية، برئاسة نذير العرباوي، بدرس المشروع التمهيدي للقانون المعدّل والمتمم للقانون المتعلق بحماية الأشخاص المسنّين، والمُتضمن الأحكام الرامية إلى تعزيز الحماية الاجتماعية لهذه الفئة وتشجيع إدماجها وتنويع آليات التكفل بها بشكل يتماشى مع المسعى الدستوري ويتوافق مع الأطر والمرجعيات الدولية ذات الصلة، لا سيما أهداف التنمية المستدامة - آفاق 2023.
ويقترحُ مشروع القانون الذي حظي بدعم كبير من نواب الغُرفة الأولى للبرلمان الجزائري عُقوبات تصلُ إلى 3 سنوات حبساً للأبناء الذين يتخلّون عن آبائهم في دور المسنين، باعتبار أن الواجب الأخلاقي والديني يفرض على هؤلاء تحمّل مسؤولية أوليائهم.
فراغ قانوني
وكشفت صاحبة الاقتراح النائبة ليلي اليازيدي، لـ"النهار"، عن خلفياته، ومن بينها "الفراغ القانوني في القانون 10_12، الذي لم يتضمن صراحة أحكاماً تجرّم تخلّي الفروع (الأبناء) عن آبائهم المسنين والزج بهم في دور العجزة".
وتميط الأرقام والمعطيات الرسمية بشأن الهرم السُكاني في الجزائر اللثام عن ارتفاع عدد كبار السن، الذين فاق الـ12 مليون نسمة من مجموع السكان البالغ عددهم أكثر من 45 مليون نسمة، وفق ما أعلن الديوان الوطني للإحصائيات. وبحسب أرقام رسمية أخرى، كشفت عنها وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، تم تسجيل 1444 مُسناً مُقيماً في مؤسسات استقبال الأشخاص المُسنين.
وفُتحت دُور المسنين ومراكز الشيخوخة في ثمانينيات القرن الماضي على مستوى المدن الكبرى للبلاد، وكان الهدف الرئيسي منها إيواء كبار السن المشردين، غير أنها حادت عن هدفها الأصلي. وفي هذا الإطار ، قالت النائبة اليازيدي إن "هذه الدور أصبحت تُشكلُ ملاذاً للكثير من الأبناء، الذين يريدون التخلص من والديهم، وهو ما أصبح يُشكل عبئاً كبيراً على الدولة، وهذا القانون جاء من أجل تخفيف العبء، فبدلاً من الاعتماد بشكل كامل على الدعم الحكومي لرعاية المسنين، يمكنُ تخفيفه من خلال جعل الأبناء مسؤولين أكثر عن رعاية والديهم، ويشجع في الوقت نفسه القيم الأسرية من خلال فرض عقوبات صارمة على الأشخاص الذين يتخلون عن رعاية والديهم، كما يساهم في تشجيع القيم الأسرية ويعزز العلاقات الأسرية".
ومن شأن هذا المُقترح أيضاً أن يحدّ من الظلم الاجتماعي، لأن تخلّي الأبناء عن والديهم يؤدي إلى تفاقم العزلة لدى المسنين؛ ويمكن لفرض عقوبات قانونية على الأشخاص الذين يتخلون عن والديهم أن يؤدي إلى تقليل هذا الظلم وتحسين جودة حياة المسنين.
3 سنوات سجناً لمن يرمي والديه في دور العجزة
ويتضمن النص، الذي حصلت "النهار" على نسخة منه، عُقوبات تتدرج من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات سجناً. وتقول المادة 32 مكرر: "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة مالية من 50.000 دج إلى 300.000، عن كل إخلال من الفروع بواجب التكفل بالشخص المسن في الوسط الأسري أو مساكنهم، والتكفل بالشخص المسن في وسطه الأسري و/أو في مسكنه يضع حداً للمتابعة الجزائية".
وقوبل اقتراح القانون بترحيب من الحقوقيين، لأنه تضمن إجراءات ترمي إلى حماية المسنين وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية الكاملة لهم، في الوقت الذي يشددون فيه على ضرورة دراسة الحالات المعروضة على القضاء دراسة معمّقة قبل إصدار الأحكام القضائية. وتقول المحامية والناشطة الحقوقية نبيلة واضحي، لـ"النهار"، إن "هذا الاقتراح يسعى إلى تجسيد الالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية وتحقيق الحماية الاجتماعية اللازمة للمسنين".
وتعتبر واضحي أنّ "ما ورد في اقتراح القانون جاء ليكمل ما جاء به قانون الأسرة الجزائري، الذي فصل في مسألة نفقة الفروع والأصول في المادة 77"، التي تنص على أنه "تجب نفقة الأصول على الفروع والفروع على الأصول بحسب القدرة والاحتياج ودرجة القرابة في الإرث". وقد حُصرت النفقة في"الغذاء والكسوة والعلاج والسكن أو أجرته وما يُعتبر من الضروريات في العرف والعادة".
كذلك، عالج المشرع الجزائري جريمة تعدّي الفروع على الأصول، وفق المادة 267 من قانون العقوبات، والتي تنصّ على أنّ كل من أحدث عمداً جرحاً أو ضرباً بوالديه الشّرعيين أو غيرهما من أصوله الشرعية، يعاقب بالحبس الموقت من 5 إلى 10 سنوات، إذا لم ينشأ عن الجرح أو الضرب أي مرض أو عجز كلي عن العمل من الشكل الوارد في المادة 264 من قانون العقوبات.
وينص القانون على فرض الحد الأقصى للحبس من 5 إلى 10 سنوات، إذا نشأ عجز عن العمل لمدة تزيد عن 15 يوماً، ومن 10 إلى 20 سنة في حال تم فقد أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله.