خلصت ندوة "الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟"، التي نظمت على مدى اليومين الأخيرين في إطار فعاليات "منتدى أصيلة" الخامس والأربعين، إلى أن صيغة السؤال التي جاء بها عنوان هذه الندوة، التي تواصلت على مدى يومين، تترجم حالة الشك وعدم اليقين التي تمخضت عن التحولات المتسارعة والأحداث المقلقة التي عاشت وتعيش على إيقاعها ووقعها المنطقة العربية. وتناولت الجلسات الثلاث، التي تميزت بمشاركة وزراء سابقين وباحثين متخصصين، صعود وانحسار أحزاب الإسلام السياسي، والأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية للراديكالية الدينية العنيفة، وآفاق الصراع الفكري والنقدي في الحقل الديني.
وشدد المتدخلون على أن مشاركة التيارات الإسلامية في الحكم، بعدد من البلدان العربية، أظهرت أن مشاكل الواقع شيء والشعارات شيء آخر. واعتبروا أن التجربة أظهرت أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية لديها نوع من التضخم والفائض النظري. ودعا متدخلون إلى تجاوز الأزمات لضمان الاستقرار وتحقيق التنمية. وشددوا على أنه كلما ازدادت الدولة نجاحًا كلما قل خطر الإسلام السياسي، الذي ينمو في الأزمات.
ورأى محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة "منتدى أصيلة"، في جلسة افتتاح هذه الندوة، أن حركات الإسلام السياسي والتيارات المتشددة المؤدلجة استطاعت الاستفادة من حركية التغيير الجارف التي عرفها العالم العربي في العقد الماضي.
وتحدث محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية والوزير المغربي السابق، عن التجربة المغربية في التعاطي مع التيارات الإسلامية، وقال: "إننا يمكن أن نعتبر أنها كانت تجربة متفردة، يتعين الوقوف عند أهم إيجابياتها، لتوسيعها، ربما، إلى فضاءات عربية أخرى".
أما عبد الرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي السابق، فدعا إلى تكريس الدولة الوطنية الديمقراطية، التي يسود فيها القانون ويتم فيها الاهتمام بالتعليم، مع إيلاء البحث العلمي المكانة اللائقة.
واستحضر، في هذا الصدد، عددًا من التجارب الحديثة، ليبرز مكانة العلم في بناء وتطور الدول والمجتمعات، وقال إن "ألمانيا تطورت بالعلم وليس بهتلر". وتوقف مهند مبيضين، مدير عام مركز التوثيق الملكي الأردني الهامشي ووزير الاتصال الحكومي سابقًا، عند تجربة بلاده في التعاطي مع حركات الإسلام السياسي، وقال إنهم تخلوا عن شعار "الإسلام هو الحل"، وأن هذا الأمر كان مهمًا، مشيرًا إلى أن رفعه كان يعني أقصى حالات التوتر في علاقتهم بالدولة الوطنية.
وقال سمير الحباشنة، الأمين العام لمجموعة السلام العربية ووزير الداخلية الأردني السابق، إن تجارب عدد من الدول العربية، في سياق ما سمي بـ"الربيع العربي"، أظهرت أن التنمية هي الحل وليس الشعارات.
ورأى أن الإسلام السياسي سيبقى حاضرا في الحياة العربية، وأن الحل يتمثل في القبول المتبادل ما بين الدولة والحركات الإسلامية.
وتطرق المفكر اللبناني رضوان السيد إلى ظاهرة جديدة، سماها "الإسلام الشيعي"، قال عنها إنها لا تتطور مع نظام الحكم، وإنما تمشي بالفتوى. وشدد السيد على أن أحسن فرصة لتجاوز الوضع، تتمثل في تجاوز الأزمات لإحداث الاستقرار وتحقيق التنمية.
وأضاف أنه كلما ازدادت الدولة، في المشرق، نجاحًا كلما قل خطر الإسلام السياسي. ورأى أن الأزمات الداخلية إذا استمرت، وتواصلت قضية فلسطين بغير حل، فإن الإسلام السياسي سيظل مكمنا للأزمات، ولا يمكن ضبطه ولا انضباطه.
وقال أحمد المسلماني، الكاتب الصحفي والمستشار السابق للرئيس المصري، إن الإسلام السياسي وُلِد ليبقى، وأنه لا يجب أن تكون المعادلة "وُلِد ليحكم". فالبقاء شيء والحكم شيء آخر.
وخلص المسلماني إلى أن هناك حالة من الإحباط واليأس والشعور بالهزيمة في العالم العربي. ودعا إلى تجديد الثقة في النفس، وأضاف: "اليائسون لا ينتصرون، والمهزومون نفسيًا لن يصعدوا لا علميًا ولا بحثيا ولا اقتصاديا. هذا وقت صناعة الأمل".
وتحدث سعيد بنسعيد العلوي، الروائي والعميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، عن حالة التنافي بين الإسلام السياسي، من جهة، والحزب السياسي وفكرة الدولة، من جهة ثانية. ورأى أنه لا يمكن لحزب سياسي أن يعمل إلا داخل دولة تمارس السيادة ضمن رقعة جغرافية معلومة، ولها مواطنون.
وقال إن الإسلام السياسي لا يعترف بالحدود بين الدول ويوظف مفهوم "مسلم" بدل "مواطن"، ولا يعترف بالسيادة كما تتحدد في إطار مفهوم الدولة الحديثة. وتكرر الحديث عن عملية "طوفان الأقصى"، في سياق الخوض في التحولات التي تشهدها المنطقة، والتساؤل عن مدى استثمار حركات الإسلام السياسي، خصوصا الراديكالية منها، في هذا الحدث، حيث تم الحديث عن "توظيف سياسي مفرط".
وعلى علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي، رأت آراء أن الهزائم أمام إسرائيل ظلت تعيد إنتاج الجماعات الإسلامية. كما جرى التوقف عند ما سمي "انتفاضة رقمية"، جاءت نتاجًا لإغلاق المجال السياسي العام أو للقيود المفروضة عليه، حيث تم التشديد على أن السوشيال ميديا توظف خطاباتها للقدح في الحكام والأنظمة السياسية الحاكمة، وخاصة على مستوى الدول التي لديها علاقات مع دولة إسرائيل.
واستحضر المشاركون نماذج من تعامل عدد من الأنظمة العربية مع الحركات الإسلامية على مستوى المشاركة السياسية، وميزوا، في سياق ذلك، بين التجربة المغربية والتجربتين التونسية والمصرية، مشددين على أن دخول وإخراج الإسلاميين جرى بشكل سلس في المغرب، بينما جرى ذلك بشكل متوتر في البلدين الآخرين.
ورأى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية السابق، في سياق حديثه عن التجربة المغربية أن العلاقة بين الديني والسياسي، بدل أن ينظر إليها كمشكلة، يمكن أن تكون حلاً. واستحضر، في هذا السياق، تجربة حزب "العدالة والتنمية" المغربي، مع تشديده على أن إرادة الاستيعاب والسعي إلى الاندماج وتبني خيار المشاركة هي عملية مزدوجة بين النخبة والمجتمع وبين الدولة والحركات الإسلامية.
وقال نبيل عبد الفتاح، الباحث المصري في الإسلام السياسي، إن الحديث عن صعود وانحسار تيارات الإسلام السياسي في عدد من البلدان العربية هو أقرب إلى الخطاب الإعلامي الموجه منه إلى الحقائق الموضوعية في كل حالة من الحالات، وذلك تبعًا للتمايزات بينها على مستويات متعددة، وتبعًا للمشتركات الناتجة عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو على مستوى الجماعات الراديكالية التي مارست العنف والإرهاب في المنطقة منذ فترة طويلة.
ورأى الكاتب الصحفي المصري علاء عبد الهادي أن الأمة العربية، منذ الحملة الفرنسية على مصر إلى اليوم، لم تستطع أن تجد مشروعًا بمرجعية إسلامية أو علمانية، يقودها إلى المستقبل ويحدد لها رؤية مستقبلية.
وشدد على أن كل المشاريع التي طرحت كانت فاشلة. من جهته، شدد نصر عارف، مستشار رئيس مجلس المجتمعات المسلمة في أبو ظبي، على أن كثيرين يخلطون بين الإسلام وجماعات الإسلام السياسي، داعيًا إلى التمييز بين "المؤسسات الطبيعية" التي تؤسس طبقًا لاحتياجات المجتمع، و"المؤسسات المصطنعة" التي يؤسسها بعض الأفراد طبقًا لأفكار واحتياجات خاصة.
ورأى عارف أن جماعات التوظيف السياسي للإسلام هي جماعات حداثية غربية في سياق إسلامي، وأنها لم تكن جزءًا من الثقافة الإسلامية، من منطلق أنها تتبنى مفهوم السياسة بالمفهوم الغربي، بمعاني القوة والسلطة والهيمنة والتحكم والدولة، وليس بالمعنى الإسلامي الذي تم التعبير عنه قديما عند علماء المسلمين بأنها أي فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يفعله الرسول (ص) ولم يرد فيه وحي.
وتحدث رشيد الخيون، الكاتب العراقي المتخصص في التراث، عن العراق، وقال إن خطر الإسلام السياسي مضاعف هناك، بوجود الشيعة والسنة. وتوقف الخيون عند أوضاع العراق، في سياق الصحوة الدينية التي عمت المنطقة، والثورة الإيرانية التي فرخت أحزابًا دينية، وصولًا إلى الحرب العراقية - الإيرانية، ثم 2003 وما بعدها، حيث تناسلت الميليشيات، مشيرًا إلى أن عددها يناهز، اليوم، 70، وأن 67 منها تابعة للولي الفقيه الإيراني.