أجمع المشاركون في ندوة "قيم العدالة والنظم الديمقراطية"،ضمن فعاليات "منتدى أصيلة" ال45، التي نظمت في اليومين الأخيرين ، على انتقاد الغرب الرسمي، وازدواجية معاييره، بخصوص عدد من الأحداث التي هزت وتهز العالم، مركزين على أحداث غزة.
وقال محمد أوجار، وزير العدل وحقوق الإنسان سابقا ، إن "العدالة الكونية مرتبكة في استقدام الذين ينتجون الآن الهمجية على أرضنا العربية، في غزة ولبنان"، وتساءل "كيف يستقيم أن نتحدث عن القيم الكونية وعن العدالة في ظل هذا الصمت العربي المريب، وهذا التواطؤ الغربي العلني وغير العلني". وتحدث أوجار عن "الإحباط والمذلة الكونية"، و"وصول العدوان إلى أشد أشكال الهمجية"، قبل يتحدث عن "أمل جديد يولد"، وأضاف: "هناك شيء ما سينهض من هذه الفاجعة، وشيء ما سيحيي هذه القيم في أبهى تجلياتها".
وحرص المشاركون على توجيه التحية للغرب "الشعبي"، الذي بدأ "ينتعش"، مشيرين إلى "أمل أن نراه يتمظهر اليوم في مظاهرات واحتجاجات طلبة وشباب الجامعات الأميركية والأوروبية".
وحرص المشاركون على توظيف مفردات قاسية، في معرض انتقادهم للغرب، متحدثين عن "الكيل بمكيالين"، و"الانفصام الأخلاقي" و"النفاق السياسي"، و"الانحطاط الأخلاقي"،وشددوا على أن ازدواجية معايير الغرب حرمت العلاقات الدولية من لحمة المساواة والعدالة، ومثلت أسوء طعنة وجهت للنظام العالمي.
وتوزعت الندوةَ ثلاث جلسات، على مدى يومين، تحت عناوين"الديمقراطية والكونية الإنسانية"، و"مكونات البنية القانونية الجديدة للعدالة" والدبلوماسية الدولية الجديدة والعدالة الكونية"، واختتمت الأحد، بمشاركة وزراء سابقين وحاليين من مناطق متفرقة من العالم، وباحثين ومفكرين.
وقال محمد بن عيسى، الأمين العام بمؤسسة منتدى أصيلة، إن"الازدواجية المتناقضة" التي تقوم على قاعدة "الكيل بمكيالين"، تعكس مظهرا من مظاهر الانفصام الأخلاقي، في السلوك الحقوقي للغرب ومواقفه السياسية، إزاء ما حدث ويحدث من مظالم ومآس، وما نراه اليوم من أعمال عدوانية وتوسعية، في مناطق مختلفة من العالم، وفي طليعتها المنطقة العربية؛ وهو ما يفسر تفاقم الأوضاع المأساوية في مناطق بأفريقيا وآسيا، وتصاعد التصرفات العنصرية في أوساط المجتمعات الغربية.
دعوة لليقظة
من جهته، قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، إن الارتباط الوثيق بين النموذجين الديمقراطي والعدالة لا يفيد القول إن أحدهما يمكن أن يغني عن الآخر، بل إنه ارتباط يدعونا لليقظة والحذر أمام التأويلات المفرطة لهذا النموذج أو ذاك من أجل الاستغناء عن الديمقراطية باسم العدالة أو الاستغناء عن العدالة باسم الديمقراطية. وخلص وهبي إلى أن الشطط في استعمال السلطة ليس قدرا محتوما، شريطة أن يتسلح النظام الديمقراطي بمؤسسة قيم العدالة.
حزن ازاء ما يجري في فلسطين
وقال سيرجيو بيطار، وزير التعليم السابق بتشيلي، إن العالم يشعر بالحزن إزاء ما يجري في فلسطين. وأضاف: "نرى بألم العجز والتواطؤ لعدة دول غربية التي تتحدث عن الديمقراطية لكنها تضع العراقيل لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين". ورأى أن "هذا السلوك الغربي يمثل انحطاطا أخلاقيا وسياسيا بادعاء شيء وفعل شيء مخالف له".
الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ؟!
وانتقد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ما جرى ويجري في غزة وما يحدث للفلسطينيين، حيث "الدموية والدمار والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية تطبق بواسطة من وصفت بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة". وأضاف أن من توصف من طرف الغربيين بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، إنما "تحميها الديمقراطيات العالمية أو التي تدعي بأنها ديمقراطية تحمي الحقوق وتطالب بالمساواة والعدالة، وهو ما لا يحدث مطلقا وفيه تزوير كبير".
وانتقد موسى استغلال الديمقراطية الغربية للفيتو، مشددا على صعوبة تعديل النظام الدولي القائم، داعيا إلى تغيير شامل للأسس التي يقوم عليها التعاون الدولي وتسير عليه العلاقات الدولية.
ورأى عمرو موسى أن السياسات القائمة على ازدواجية المعايير التي تنبع عن فكر وممارسة الديموقراطيات الغربية تبقى أكبر عدو للاستقرار العالمي ولمستقبل العالم.
وأقر ميغل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ووزير الخارجية الإسباني السابق، بالأزمة التي تمر منها الديمقراطية على المستوى الدولي، مع دعوته إلى بناء قيم جديدة للديمقراطية والعدالة، وإلى تحرك جماعي لتطبيق هذه القيم بشكل صحيح.
الهوى والمصالح
ورأى نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، أن المبادئ الديمقراطية تطبق وفق الهوى والمصالح، مشيرا إلى أن النظام الدولي يعيش على وقع الضبابية والتناقض وعدم الاستقرار، ليفقد مصداقيته، مذكرا، في هذا الصدد، بما يحدث في غزة.
وانتقدت سميرة رجب، وزيرة الإعلام السابقة والمبعوثة الخاصة للديوان الملكي البحريني، "التناقض الصريح بين محاولات فرض مفهوم الديموقراطية الليبرالية حول العالم، والتنكر الفاضح للعدالة الكونية المزعومة لباقي شعوب العالم".
ورأت أن اقتراح وتنفيذ القوانين الدولية والقرارات الأممية تبقى،في أغلب الأحيان، حبرا على ورق، وتُجسد قوانين وعدالة يحكمها الأقوياء، مبنية على مصالح الدول القوية ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بفلسفة العدالة الكونية المزعومة.
وتساءل الأستاذ الجامعي الإماراتي عبد الخالق عبد الله هل حققت الديمقراطية الغايات منها، ليجيب بنعم ولا، قبل أن يتوسع في حديث لا، بالإشارة إلى أن الشواهد كثيرة، أبرزها ما يحدث في غزة.
وانتقد الباحث والفكر العراقي حسين شعبان النكوص الغربي عن القيم الكونية، مشددا على أن ذلك يثير الكثير من الأسئلة. ورأى أن هذا النكوص لا يقتصر على القوى اليمينية العنصرية، وإنما يمتد إلى اليسار. وتساءل "ما العمل؟"، ليجيب بالأمل والعمل، في نفس الوقت، في سبيل المشترك الإنساني، مشددا على أن الغرب الرسمي حتى وإن تخلى عن تطبيق عادل لهذه القيم النبيلة، فهناك غرب شعبي بدأ ينتعش، أكدته موجات التضامن الأخيرة مع الفلسطينيين.
ورأى شعبان أن الجرائم الموصوفة ومكتملة الأركان، المادية والمعنوية، التي تحدث، ستلقي بثقلها على الغرب قبل غيره، وهو شيء أظهره ارتفاع الاحتجاجات الجارية وحملات التضامن مع الفلسطينيين، أخيرا.
الازدواجية في تطبيق قيم العدالة والإنسانية الغربية
وانتقد نبيل بن يعقوب الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، الازدواجية في تطبيق قيم العدالة والإنسانية الغربية تجاه القضايا العربية، وقال إن الأمر يتعلق بظاهرة تتجلى في كيفية تعامل الأنظمة الغربية مع الأزمات والصراعات في العالم العربي، حيث أنها تتبنى معايير مختلفة مقارنة بقضايا أخرى، إذ غالباً ما يتم تجاهل مبادئ حقوق الإنسان في بعض المناطق في الوقت الذي يتم فيه توجيه انتقادات حادة إلى الدول العربية.
وخلص الحمر إلى أن الازدواجية في تطبيق العدالة تمثل "تحدياً كبيراً للقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية"، إذ "بينما تسعى الأنظمة الغربية إلى تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو مطلب إنساني، يجب عليها أن تلتزم بمبادئ العدالة والمساواة في جميع حالاتها بين شعوبها والشعوب الأخرى، وإلا فقدت هذه القيم معانيها ورسالتها".
زيف ادعاءات الغرب
وتساءل مصطفى نعمان، وكيل وزارة الخارجية اليمنية السابق والسفير السابق في إسبانيا والهند والبحرين ، كيف لعاقل أن يقبل حديث الغرب عن قيم كونية وعدالة كونية، بعد أن فضحت حرب الإبادة في فلسطين زيف ادعاءات هذا الغرب حول كرامة الإنسان.
ورأى نعمان أنه يبقى من العبث والسخرية أن يستمر الغرب في إعطاء دروس حول الديمقراطية والعدالة والحريات، وغيرها من القيم النبيلة. ثم حذر من "الخطر القادم"، الذي يتمثل في أن ما يحدث سيخلق جيلا متطرفا، يريد الانتقام لمن قُتل، في وقت يواصل فيه الغرب محاضراته حول العدالة والديمقراطية.
وانتقد عبد الله سليمان الشيخ سيديا، وزير المالية الموريتاني السابق، ازدواجية هذه المعايير، مع دعوته إلى العمل على تخطيها، للوصول إلى عدالة يستوي فيها القوي والضعيف. وشدد على أن هذا المبتغى ليس سهلا، من منطلق أن الضمير البشري لا يكفي وحده لتحقيق ذلك، وأنه لابد من قوة ضغط داعمة، من المجتمع المدني والرأي العام.
وانتقد محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس وعضو أكاديمية المملكة المغربية، الاستكانة على مستوى العربي، وردود الفعل المتواطئة غربيا، مع ما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط.
وتطرق الحسيني إلى ميثاق الأمم المتحدة، وقال إن حق الفيتو هو "مقلب حقيقي"، وأنه حق يمكن أن يحتفظ به عن طريق فيتو جديد من أي طرف.
تزعزع الثقة في الحوار
وفيما ركز الدكتور محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين المغربي، على الدبلوماسية الدولية، التي أصبحت لها أهمية استراتيجية، لا يمكن أن تكون لها من دون عدالة كونية؛ قال محمد المعزوز، الروائي والأستاذ الباحث المغربي، إن الثقة في الحوار تزعزعت، إذ لم يعد له أي دور لإقناع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بوقف العدوان. ورأى أن التعنت أسقط دور الدبلوماسية.
وتساءل عبد الله ولد باه، الكاتب والأستاذ الجامعي الموريتاني،هل ما زالت لعالم اليوم أدوات قانونية ومعيارية وإجرائية تكفل السلم العالمي؛ ليشير إلى أن الدول الكبرى سقطت في ورطة كبرى، لأنها أعطت الضوء الأخضر للعدوان والصلف الإسرائيلي،ولما يجري من اعتداءات خطيرة على حقوق الإنسان؛ وسكتت عن كل ما يحدث، تحت مبرر الحرب المشروعة، إما لمواجهة الإرهاب أو الدفاع عن النفس !