الرباط: كريم السعدي
"بالنسبة لفرنسا فإن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية"، بهذه العبارة تحدث الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، أمام البرلمان المغربي صبيحة الثلاثاء الماضي ، معلنا عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب. وأضاف "هذا كتاب جديد صفحاته بيضاء سنكتبها معا من أجل الأجيال المقبلة".
تلخص هذه العبارات مدلول وأبعاد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس ماكرون رفقة زوجته بريجيت إلى المغرب.
ألقى ماكرون خطابا دام 47 دقيقة في البرلمان المغربي، بحضور أعضاء الغرفتين (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، حث فيه "الفاعلين الاقتصاديين والشركاء على مواكبة التنمية هذه الصحراء، عبر استثمارات ومبادرات مستدامة وتضامنية لصالح الساكنة". ولم ينس أن يبعث رسالة إلى الجارة الجزائر الغاضبة من توجه نحو المغرب. ودون ذكرها بالإسم قال "هذا الموقف ليس عدائيا ضد أي كان، وسيتيح فتح صفحة جديدة بيننا وبين كل من يريد أن يتعامل في إطار إقليمي متوسطي ومع الدول المجاورة للمغرب والاتحاد الأوروبي ".
وفي كلمة ألقاها أمام منتدى رجال الأعمال الفرنسيين والمغاربة في الجامعة الدولية بالرباط، اعتبر ماكرون أن عدم استثمار القطاع الفرنسي الخاص والمؤسساتي في إفريقيا والصحراء "خطأ كبير"، مضيفا أن الدول الغربية وضعت معايير تعيق الاستثمار الاقتصادي والمالي في الصحراء، داعيا إلى مراجعة هذه المعايير. وتوجه ماكرون إلى المقاولين الفرنسيين قائلا "المغرب هو الشريك الأول لفرنسا في إفريقيا، ويجب الاستثمار في الصحراء".
وشكل تحول الموقف الفرنسي من قضية الصحراء مسألة مهمة بالنسبة للمغرب الذي يخوض معارك ديبلوماسية لصالح هذه القضية منذ استرجاعه الصحراء سنة 1975، من الاستعمار الإسباني. ففرنسا بماضيها الاستعماري في المغرب، أكثر معرفة بهذا الملف، كما أن وضعيتها كدولةعضو في مجلس الأمن، يعطي لموقفها أثرا كبيرا في الساحة الدولية.
وجاءت زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب بعد الرسالة التي وجهها إلى الملك محمد السادس، في 30 تموز ( يوليو)2024 بمناسبة عيد العرش، والتي أعلن له فيها عن الموقف الفرنسي الجديد لصالح سيادة المغرب على صحرائه، ما مهد الطريق لطي صفحة من العلاقات الباردة، والمتوترة أحيانا، والتي دامت حوالي ثلاث سنوات، كان من أبرز مظاهرها قرار السلطات الفرنسية تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة لولوج التراب الفرنسي. وكان أول رد فعل للعاهل المغربي على تحول الموقف الفرنسي من قضية الصحراء هو تخصيصه حيزا مهما من خطابه خلال افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر لتحية الرئيس الفرنسي على موقفه.
دامت زيارة الرئيس الفرنسي ثلاثة أيام من الإثنين إلى الأربعاء الماضيين ، حضي خلالها باستقبال استثنائي، حيث حرص العاهل المغربي على استقبال الرئيس الفرنسي شخصيا عند سلم الطائرة التي نقلته من باريس إلى مطار الرباط، وكان العاهل المغربي مرفوقا بولي عهده، الأمير مولاي الحسن وابنته الأميرة للاخديجة، وشقيقه الأمير مولاي رشيد، وشقيقته الأميرة للامريم.
ويرى مراقبون أن هذا النوع من الاستقبال استثنائي. فنادرا ما يستقبل الملك شخصية في المطار رفقة الأمراء. وحج الآلاف من المواطنين لتحية الضيف الفرنسي على طول الشوارع التي مر منها من المطار إلى القصر الملكي وسط العاصمة. وعند دخول القصر، رافق الموكب فرق من الخيالة الملكية، وهي فرقة عسكرية عريقة تتكون من أكثر من 100 فارس، يعزفون موسيقى عسكرية.
ورافق الرئيس الفرنسي حوالي 140 شخصية منهم تسع وزراء أبرزهم وزراء الداخلية، والاقتصاد، والتربية الوطنية، والثقافة، فضلا عن العديد من رجال الأعمال والشخصيات من عالم الثقافة والفن، والرياضة والصحافيين.
ومباشرة بعد حفل الاستقبال الكبير عقد كل من الملك محمد السادس والرئيس ماكرون، جلسة ثنائية، وحسب بيان للديوان الملكي فقد تناولت المحادثات مرحلة جديدة من العلاقات القوية بين المغرب وفرنسا، في إطار شراكة استثنائية متجددة وخارطة طريق استراتيجية للسنوات المقبلة" وأعلن الطرفان أنهما قررا تدشين مرحلة جديدة من التاريخ الطويل المشترك من خلال الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى مستوى شراكة استثنائية وطيدة".
وأشار البيان إلى "الرغبة في تمكين العلاقات الفرنسية-المغربية من إطار استراتيجي شامل ومستقر ودائم، من خلال شراكة متينة تتطلع إلى المستقبل"
وعبر الجانبان عن رغبتهما في "تمكين المغرب وفرنسا من رفع جميع التحديات التي يواجهها البلدان على شكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي".
وترجمة لهذه الرغبة تم توقيع اتفاقيات بقيمة تناهز 10 مليار يورو بين المغرب وفرنسا تتعلق بعقود واتفاقات استثمار، خلال حفل ترأسه الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
وجرى توقيع 22 اتفاقية تشمل: السكك الحديدية والهيدروجين الأخضر، والتعليم العالي، والتنمية المستدامة، والتحول الطاقي، والبحث العلمي، إضافة إلى قطاعات الماء والفلاحة والاستثمار والثقافة وصناعات الألعاب والإبداع.
وتعتبر فرنسا ثاني مستثمر في المغرب بعد إسبانيا وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين الرباط وباريس نحو 14.1 مليار يورو في عام 2023، بزيادة قدرها 5 في المائة عن 2022. كما يعتبر المغرب الشريك التجاري الأول لفرنسا في شمال إفريقيا.
ومساء يوم الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن وزارة الخارجية الفرنسية قررت تعديل صورة خريطة المغرب في موقعها الرسمي. وفعلا بدت الخريطة من دون حدود بين "المغرب" و"الصحراء الغربية"، كما أعلن الوزير عن تمديد النشاط القنصلي الفرنسي ليشمل الصحراء المغربية.
وتوجد في المغرب 6 قنصليات فرنسية بكل من أغادير، والدار البيضاء والرباط، وفاس ومراكش وطنجة، إضافة إلى سفارة فرنسا بالرباط. وتعد الجالية المغربية في فرنسا، الأكبر ضمن جاليات الدول العربية، ب2 مليون مغربي كما يتابع حوالي 50 الف طالب مغربي دراستهم العليا بفرنسا، منهم 6000 آلاف طالب مهندس مغربي في المدارس الفرنسية.
وحين كان الوزير الفرنسي يغادر قاعة الندوات في فندق بالعاصمة رفقة ناصر بوريطة وزير الخارجية، سأله صحافي مغربي بشكل عفوي "متى ستفتحون قنصلية في العيون، سكت الوزير الفرنسي، لكن وزير الخارجية المغربي رد : "في المرة القادمة..".