فبعد أخذ وردّ وتبادل للاتهامات بين مندوبي الدول الدائمة العضوية، فشل مجلس الأمن للمرّة الأولى، في تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمدة عام، مثلما جرت العادة منذ أحداث شباط (فبراير) ٢٠١١، مكتفياً بتمديد الولاية ثلاثة أشهر فقط، قبل ساعات من انتهاء تفويض البعثة في ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ونصّ القرار الذي تلته رئيسة مجلس الأمن الدولي خلال اجتماع عُقد الخميس الماضي في نيويورك، على أن تُمدّد ولاية البعثة "تلقائياً" لمدة 9 أشهر إضافية، شرط تعيين موفد أممي جديد، خلفاً للديبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي الذي استقال في نيسان (أبريل) الماضي .وشهدت الجلسة سجالاً بين ممثل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة روبرت وود الذي اتهم روسيا بـ"التعنت"، ما "منعنا من التمديد للبعثة الأممية لمدة عام"، مُقراً بأن "النظر في ولاية البعثة كل بضعة أشهر يُعرقل عملها، ونحن نعرف أسباب رغبة موسكو في عرقلة التمديد"، ونائبة الممثل الروسي لدى الأمم المتحدة أنا إيفستينييفا، التي ردّت على وود مشدّدة على أن "أي تأخير في تعيين رئيس للبعثة الأممية غير مقبول، ونتطلع إلى تسميته في أقرب الآجال".
ويأتي ذلك في وقت تعيش ليبيا على صفيح ساخن. فبينما كانت القائمة بأعمال الموفد الأممي ستيفاني خوري تستعد لطرح مبادرة جديدة لحلحلة الانسداد السياسي، جاء تحديد مجلس الأمن نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل لنهاية مهمتها وتعيين موفد جديد ليُهدّد بفشل المبادرة قبل أن تنطلق، وسط تصعيد متبادل من طرفي الصراع في غرب ليبيا وشرقها، وتلويح السلطة الحاكمة في العاصمة طرابلس باللجوء إلى استفتاء، ذهبت الترجيحات إلى أن الهدف منه إطاحة السلطة التشريعية بغرفتيها: مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، على أن تذهب سلطة إدارة مرحلة انتقالية بكاملها (تشريعية وتنفيذية) إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
ويبدو أن الانقسام الدولي سيشجع الأخير على الذهاب إلى هذا الاتجاة رغم تنازع الصلاحيات محلياً. وفي آب (أغسطس) الماضي أصدر المنفي قراراً بإنشاء مفوضية وطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، قبل أن يصدر قراراً آخر الشهر الماضي بتشكيل مجلس إدارتها، في خطوة رفضتها سلطة شرق ليبيا، والمفوضية العليا للانتخابات المعنية بتنظيم الاقتراعات في ليبيا، كما آثارت انقساماً داخل مكونات سلطة الغرب الليبي، وصل إلى حدّ وصفها نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي بـ"الباطلة ولا يترتب عليها أثر قانوني".
وكان قرار المنفي أوكل إلى المفوضية الجديدة مهمة "تنفيذ الاستفتاء والاستعلام الوطني، والإعداد له والإشراف عليه، وفرز نتائجه والإعلام عنها".
وفي التعليقات المحلية على قرار مجلس الأمن، انتقد الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم ثلاثة أشهر فقط، معتبراً أن القرار "يعكس غياب رؤية واضحة لحل الأزمة الليبية، ويؤكد استمرار حالة الترقب وعدم اليقين، ويؤثر سلباً على جهود تحقيق المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات".
وإذ دعا في بيان روسيا، إلى "عدم الاكتفاء بالاعتراض على القرارات الأممية، بل تقديم مقترحات عملية وبنّاءة تُسهم في حل الأزمة، وتجاوز دورها النقدي، لتتحمّل مسؤوليتها الدولية في دعم الاستقرار والسلام في ليبيا، حضّ الأطراف الليبية على "بذل قصارى الجهد لاستعادة القرار الوطني من خلال تبنّي مقاربة رصينة تجعل عموم الشعب الليبي شريكاً أساسياً، وتعالج أسباب الصراع وتداعياتها، وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة وشفافة في أقرب وقت ممكن، وفقًا لقوانين انتخابية متفق عليها".
الباحث الليبي في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد امطيريد، أكّد أن تمديد ولاية البعثة الأممية لثلاثة أشهر فقط مع اشتراط تعيين رئيس جديد للبعثة "جاء بعد تدخّل موسكو التي ترفض وجود موفد أممي يعرقل مصالحها في المنطقة"، موضحاً لـ"النهار"، أن واشنطن ومعها غالبية الدول الكبرى في مجلس الأمن "تعمل عبر القائمة بالأعمال الديبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري على برامج لمعالجة الصراع الليبي، وتمرير مبادرة جديدة لحوار موسع بين الأطراف الليبية، على غرار ما حصل مطلع 2021، لكن موسكو ترفض تكرار تلك التجربة التي فشلت في إنجاز الاستحقاقات السياسية، لذلك تضغط على الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش لتسمية موفد جديد يضمن المصالح المشتركة للجميع"، مشيراً إلى أن "هناك مرشحين لهذا المقعد الشاغر منذ شهور، أحدهما ديبلوماسي سوداني والآخر من مالطا، لكن واشنطن تتحفظ عنهما وتسعى إلى تمديد مهمّة خوري".
وإذ استبعد امطيريد أن تتمكن خوري من إنجاز عملية سياسية ينتج منها اتفاق خلال الفترة المحدودة المتبقية لمهمتها، توقع أن يستغل المجلس الرئاسي هذا الارتباك الدولي لإجراء استفتاء شعبي يُرسخ سلطاته رُغماً عن مجلسي النواب والأعلى للدولة، لافتاً إلى أن "المجلس الرئاسي قد يلجأ إلى الاستفتاء الإلكتروني للتغلب على عدم قدرته على فرض السيطرة المكانية إلّا على العاصمة طرابلس ومحيطها. وسيبقى السؤال في حال اتخاذ هذا القرار عن مدى ردّ فعل المجتمع الدولي واعترافه بتلك الخطوة".
أما رئيس الائتلاف الليبي - الأميركي في واشنطن فيصل الفيتوري فأكّد "انقسام المجتمع الدولي ومحاولة بعض الدول وعلى رأسها روسيا، تعزيز نفوذها في ليبيا، مستغلة انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية". لكنه لفت لـ"النهار" إلى أن واشنطن تراقب الوضع من كثب، متوقعاً أن "تتدخّل في الوقت المناسب لفرض الاستقرار خلال سنة 2025 على غرار تدخّلها في أزمة المصرف المركزي". واعتبر أن تمديد ولاية البعثة "خطوة إيجابية تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة في ليبيا على المدى القريب".
ووصف الفيتوري تلويح المجلس الرئاسي بإجراء استفتاء بـ"المناورات المحلية، بهدف قطع الطريق على تشكيل حكومة موحّدة"، مستبعداً أن "يحظى هذا المشروع باعتراف محلي شعبي أو دولي، خصوصاً من الجانب الأميركي، في غياب الثقة بالمؤسسات الحالية وافتقار هذا الاستفتاء إلى إشراف دولي محايد".