جانب من بوستر فيلم ممر الألم
على مدار أشهر، خاض فريق إنتاج فيلم "ممر الألم" محاولات عدة في صمت لعرضه في عدد من الفعاليات والمهرجانات، إﻻ أن جهوده لم تنجح في عرض الفيلم التسجيلي الذي يروي تجارب شباب مصري مع الإلحاد، سوى في نقابة الصحافيين المصريين، وكان ذلك في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
مُنع "ممر الألم" من دون قرار رسمي معلن، وتواكب ذلك مع حظر عرض فيلمين آخرين، هما "الملحد" تأليف الكاتب والصحافي إبراهيم عيسى، والذي صدر حكم قضائي بإلغاء ترخيص عرضه، يوم الأربعاء، و"آخر المعجزات" المستوحى من قصة قصيرة من مجموعة "خمارة القط الأسود" للأديب المصري الحائز جائزة نوبل نجيب محفوظ، وعنوان القصة هو "معجزة".
الأمر المثير للدهشة، أن منتج "ممر الألم" "مؤسسة طابة"، وهي جهة بحثية دينية، تتخذ من أبو ظبي مقراً رئيسياً لها، ولها فروع في القاهرة ولندن، ومؤسسها هو الداعية الإسلامي المعروف الشيخ حبيب علي الجفري.
"برومو" الفيلم المتداول يتضمن عبارات صادمة من منظور المجتمع المصري، جاءت على لسان الشباب الذي يروي تجربته الشخصية مع الإلحاد. ومن تلك العبارات على سبيل المثال وصف "الإله الشرير" أو "غير الموجود"، أو "العاجز".
ورغم هذا الانطباع الأولي، والمنع الذي قوبل به "ممر الألم"، حاول فريق العمل، خصوصاً المخرجين هاني فريد وشيماء شرف الدين، معالجة القضية الشائكة بتوازن يسمح لهؤلاء الشباب بسرد قصصهم بشفافية من جهة، ومن جهةأخرى، بإيصال رسالة المؤسسة البحثية الدينية ومبادرتها "سؤال" المعنية بالإجابة عن الأسئلة الوجودية التي باتت تشغل فكر الكثير من الشباب.
وتقول المخرجة شرف الدين لـ"النهار": " شعرت بأن "طابة" لديها مساحة كبيرة من التسامح، ومن الأمور التي لا أنساها، أن بعض المشاركين قالوا لنا إنهم وللمرة الاولى يقابلون أشخاصاً يشعرون معهم بالارتياح، وهم يتحدثون بصراحة عن أفكارهم وتجاربهم. ومع الشفافية، كان علينا أيضاً أن نقدم معالجة لفكرة الفيلم توصل رسالة المؤسسة ومبادرتها".
عرض عام
ورغم جرأة الفيلم ورفض عرضه من جهات ومهرجانات عدة في مصر وخارجها، فإن نقابة الصحافيين المصريين فتحت أبوابها لعرضه، وحضر الفعالية عشرات المشاهدين الذين ينتمون الى أطياف فكرية ودينية متباينة، فكثير منهم محجبات ومنتقبات وملتحون.
وعن جرأة قرار تبنّي النقابة عرض الفيلم يقول رئيس اللجنة الثقافية والفنية محمود كامل لـ"النهار": "أولاً الفيلم لا يدعو الى الإلحاد، كما يبدو من عنوانه، أو مما نُشر عن مضمونه، وفي الوقت ذاته، فهذه هي نقابة الصحافيين المصريين، منبر لكل الآراء والأفكار، ومهما اختلفنا مع الفكر لا نسمح بمصادرته".
ويؤكّد كامل: "لم أتردد للحظة واحدة في الموافقة على عرض الفيلم، لأن عرض الأفكار ومناقشتها، ومواجهة الفكر بالفكر، هي من صميم دور مهنة الصحافة ونقابة الصحافيين".
تجارب متفاوتة
يتناول "ممر الألم" تجارب متنوعة لمجموعة من الشابات والشبان المصريين، الذين مروا خلال حياتهم بمراحل عاصفة من الشك في وجود خالق للكون، واصطدموا بما يطلق عليه بعض الكتاب والباحثين "معضلة الشر".
بمرور الوقت تشكّلت في عقول هؤلاء الشباب تساؤلات كالأعاصير، تقذف بعقولهم وأفئدتهم في اتجاهات متباينة، خلال محاولاتهم استكشاف حقيقة "الألم" و"المعاناة" التي يتعرضون لها أو يشاهدونها من حولهم في أماكن الحروب والكوارث الطبيعية، أو حتى في الطرق التي يسيرون فيها. تساؤلات عن أنفسهم، وعلاقتهم بخالق الكون، وما إذا كان حقاً موجوداً، ويطلع على كل ما يحدث في عالمنا؟ أم غير موجود؟ أم أنه موجود لكنه عاجز عن مواجهة كل الآلام والشرور التي يعاني منها خلقه؟
بعد لقاء القائمين على العمل عشرات الأشخاص، تمّ اختيار المشاركين في الفيلم، وهم: الممثلة جهاد حسام الدين (بطلة الفيلم)، الدكتورة رضوى رأفت (البطلة الثانية)، شاعر العامية المصرية والكاتب رامي يحيى، الصحافي سامح فايز، المطربة ليلي بهجت، الشابة (الصعيدية) رضوى علي، وسائق التاكسي "عم فيصل".
ويقول رامي يحيى لـ"النهار": "أنا سعيد بتجربة عرض الفيلم، لأنها مختلفة تماماً عمّا كان يحدث في السابق، الجمهور يستمع إلينا ويتابع، هذا غير ما عاشه مفكر مثل الدكتور فرج فودة على سبيل المثال عندما قال كلاماً أقل حدة مما ذكرناه في الفيلم، وكان الحضور يدبدبون بأرجلهم على الأرض للثورة على حديثه، لا شك في أن عرض الفيلم على جمهور يتجاوز المئة شخص، ومروره بإنصات وسلام، يشكل علامة فارقة".
وقد عزز مرور عرض الفيلم في النقابة بسلام، والانطباعات الجيدة التي تركها لدى نسبة غير قليلة من الجمهور، الأمل في فتح الأبواب له، إﻻ أنه ﻻ يزال محاصراً، ولم يتح عرضه في أي جهة أو مهرجان للأفلام في مصر والبلدان العربية الأخرى حتى كتابة هذه السطور.