النهار

قفزة في موازنة قطاع الصحة في الجزائر تحتاج الى إجراءات رديفة
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار
قفزة في موازنة قطاع الصحة في الجزائر تحتاج الى إجراءات رديفة
وزارة الصحة الجزائرية
A+   A-
على الرغم من أن حصة القطاع الصحي الجزائري عرفت، بحسب تصريحات وزير الصحة عبد الحق سايحي، قفزة غير مسبوقة، إذ تجاوزت 1004 مليار دينار، وهو رقم لم يسبق تسجيله من قبل، أثارت أرقامها تساؤلات حول ما إذا كانت ستؤدي فعلاً الى رفع الجودة الصحية، وتلبي حاجات الجسم الطبي والصحي، ومتطلبات السكان في الخدمات الملائمة.  

وكانت الحكومة قد أطلقت قبل عامين خطة تعتبر الأكثر طموحاً لإحداث تغيير جذري في المنظومة الصحية، وهو التطور الذي يترقبه القطاع بفارغ الصبر منذ سنوات على رغم وجود شكوك في نجاح المسعى بسبب صعوبته. 

ترتيب الأولويات 
القطاع الصحي في حاجة ماسة حالياً إلى ترتيب الأولويات وتقييم المهمات، ويدعو المختص في الصحة العمومية الدكتور سلامة كواش الى "تطوير أداء المستشفيات الجزائرية من خلال توفير الإمكانات المادية والبشرية، وذلك من خلال توفير الأجهزة الطبية الوقائية والتشخيصية والعلاجية المتطورة وتدعيم مختبرات التحاليل الطبية بأحدث الأجهزة المخبرية وضمان صيانتها بشكل دوري". 

وخلال النقاش العام للموازنات القطاعية المقترحة ضمن مشروع قانون الموازنة لعام 2025، تمحورت مداخلات نواب البرلمان حول نقص المعدات والتجهيزات في بعض المستشفيات مع تسجيل نقص حاد في عدد الأطباء المختصين في بعض المؤسسات الاستشفائية، والمطلوب اليوم بحسب الدكتور كواش "فتح تخصصات جديدة في الطب تسمح بتحقق الاكتفاء الذاتي المطلق، وفي حالة بلوغ هذه المرحلة ستتقلص فاتورة علاج الجزائريين في المؤسسات الاستشفائية الأجنبية"، ويدعو إلى تشجيع تقليص تكلفة علاج الجزائريين في الخارج بوضع دفتر شروط يحقق شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لتمكين الجزائري من الحصول على العلاج في بلاده من دون أن يحتاج للسفر إلى الخارج للتمتع بالحق في التداوي الذي يضمنه له الدستور.

وتبنت الجزائر هذا التوجه في العامين الماضيين، إذ استحدثت كلية مستقلة للصيدلة التي كانت تدرس سابقًا كتخصص ضمن كليات الطب، قبل أن تستقل عنها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، ووصف هذا القرار بـ "الجريء" ومن المؤشرات التي تدعو الى التفاؤل.

وتتمحور المطالب الأخرى التي يُنادي بها المنتسبون إلى القطاع حول ضرورة عصرنة القطاع عن طريق الرقمنة، ويقول كواش في هذا السياق إن "هذا العنصر من شأنه المساهمة في رفع الجودة الصحية والتكوين والارتقاء بالتسيير". 

رهانات الرقمنة 
يضيف كواش أن ما يجب القيام به هو "إحصاء عدد الأسرة في المستشفيات من أجل تسهيل عملية توزيع المرضى مركزيًا لإنهاء قوائم الانتظار وذلك لضمان حُصولهم على الخدمة الطبية بأقصى سرعة ممكنة". 

وهُناك نظام تعمل عليه الوكالة الجزائرية للرقمنة في الصحة يقضي باستفادة المريض من بطاقة صحية رقمية خاصة به تحمل رقمًا سريًا يُمكنه من الدخول إلى ملفه الطبي عبر بوابة خاصة، وبحسب المعلومات المتداولة، فإن النظام المعلوماتي الجديد يجمع بين رقمنة القطاع العام من خلال شبكة داخلية ورقمنة القطاع الخاص من خلال شبكة خارجية والجمع بينهما. 

ويعدد كواش الآثار الإيجابية للرقمنة على الأداء العام، فهي كما _يقول_ تُساعد في القضاء على أزمة ندرة الأدوية التي تظهر بين الحين والآخر، إذ تسمحُ بتوفير قاعدة بيانات دقيقة عن الأدوية الغائبة عن رفوف الصيدليات، وهي الظاهرة التي أرقت الجزائريين لسنوات خلت.

ولعلَ من أهم القرارات الواجب اتخاذها اليوم، بحسب كواش "تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأطباء العاملين في الجزائر" الأمر الذي سيحد من هجرة الأطباء وسيسمح لهم بأداء واجبهم على أحسن وجه. 

هجرة الأطباء
غالبًا ما تُثيرُ هجرة الأطباء إلى الخارج جدلا سياسياً في البلاد، وتُشكلُ مادة دسمة للإعلام. ففي شُباط (فبراير) 2022، نشرت وزارة الصحة الفرنسية بيانات تُؤكد نجاح أكثر من 1000 طبيب جزائري في امتحان المُناظرة ومُعادلة الشهادات الذي يُعتبرُ البوابة الرئيسية للعمل في فرنسا، ما يُتيح لها أو لغيرها من الدول الاستفادة مجاناً من الكوادر الطبية الجاهزة التي أنفقت عليها الجزائر الملايين لتكوينها، وهي الأرقام التي نفاها وزير الصحة الجزائري، جملة وتفصيلًا الأسبوع الماضي، تحت قبة البرلمان وتساءل قائلا: "هل الأرقام التي قدمتها السلطات الفرنسية صحيحة؟". 

ويشدد كواش أيضًا على ضرورة "إنشاء مجمعات صحية في المناطق الجنوبية من الوطن وهو ما سيقلل من رحلات البحث المضنية عن العلاج، لا سيما لمرضى السرطان الذين تتضاعف معاناتهم بسبب ألم الانتظار والمواعيد والإجراءات البيروقراطية، والحد أيضًا من الضغط الكبير الذي تشهدهُ المؤسسات الاستشفائية الكُبرى، كما ستفتح هذه المجمعات المجال للاستثمار الصحي أو ما يُعرف بالسياحة الصحية وجلب العملة الصعبة". 

والمطلوب أيضاً تطوير الطب الوقائي الذي يجبُ أن يشمل الصحة العامة ومكافحة الأوبئة والترصد الوبائي والأمراض المعدية بتأكيد أهمية التكوين المتواصل للأطباء وتوفير وسائل الوقاية والعلاج واللقاحات المُضادة للأمراض المتنقلة، وفقاً لكواش.

اقرأ في النهار Premium