تتجه الحكومة الجزائرية إلى تبني خيار الردع من خلال إعداد قانون بيئي جديد لمعالجة مشاكل النفايات التي تتسبب في تشويه مشاهد المدن رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها السُلطات في كل المحافظات. وفيما يرى المسؤولون أن الثقافة البيئية المحدودة هي السبب الرئيسي لهذا الواقع، يوجه مهتمون بيئيون أصابع الاتهام إلى السلطات المحلية لأنها لا تتعامل بحزم وفعالية في مسألة النفايات المنزلية.
مشروع القانون الجديد المتعلق بإدارة النفايات ومراقبتها وإزالتها يتضمن جرعة مُشددة من الضوابط الجزائية في حق المخالفين الذين يرمون النفايات، سواء المنزلية أم الصناعية، منها غرامات مالية طائلة تتراوح بين 20 ألفاً و80 ألف دينار.
عقوبات تصل الى السجن كما ينص مشروع القانون على عقوبات بالسجن من 3 أشهر حتى 5 سنوات في حق الأشخاص الذين تثبت عليهم تهم إعادة استعمال مغلفات المواد الكيميائية لتعبئة مواد غذائية مباشرة، وفي حق كل من يقوم بخلط النفايات الخطرة مع النفايات الأخرى ومن يسلم نفايات خاصة خطرة بغرض معالجتها إلى شخص مستغل لمنشأة غير مرخص لها بمعالجة هذا الصنف من النفايات وضد كل من يقوم بإيداع النفايات الخاصة الخطرة أو رميها أو طمرها في مواقع غير مخصصة لهذا الغرض.
ويفتح توجه السُلطات المركزية نحو تطبيق قانون بيئي صارم المجال للتساؤل: "هل يكفي الردع وتطبيق القوانين الصارمة للقضاء على مشاكل النفايات وفي الوقت نفسه إدراج مبدأ الاقتصاد التدويري وتكييف المنشآت وإدارتها بما يتوافق مع المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الجديدة؟
رئيس جمعية "الدراجة الخضراء" (Green bike) عبد الحكيم لعشيشي، أطلق حملة مع مجموعة من الشباب في آب (أغسطس) 2022 بعنوان "ترمي تخلص" (المقصود بها من يرمي النفايات عشوائيا في الأماكن العامة سيدفع الثمن). يقول لـ "النهار" إن "لا مناص من العقاب لأن التعامل مع النفايات في الجزائر ما زال يتسم بالتجاهل وبأسلوب غير سليم تسبب في ظهور العديد من الآثار السلبية على البيئة والصحة البشرية".
تصور خاصويُقدم لعشيشي تصوره الخاص حول هذه النقطة قائلا إن "الدُول المتقدمة لم تكتف بالاعتماد على وعي شعوبها، بل فرضت قوانين صارمة لضمان النظافة، فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى ضوابط وقوانين تردعه، لذا فإن تجريم رمي النفايات يعتبرُ أمراً ضرورياً لا خياراً لضمان بيئة نظيفة وحياة كريمة للجميع".
الاستثمار في إعادة التدوير
ولا جدال في أن الاقتصاد الحالي أو ما يُعرفُ بالاقتصاد الخطي القائم على الاستخلاص، الإنتاج، الاستهلاك والرمي، يساهم بشكل كبير في استنفاد قاعدة الموارد الطبيعية بسرعة، ولن تكتمل حلقة الاقتصاد الدائري إلا إذا تم فرز النفايات بشكل صحيح وإعادة تدويرها ثم دمجها في منتجات جديدة مع ضمان أدائها وسلامتها.
ولهذا أقرت الحكومة الجزائرية ضمن مشروع قانون إدارة النفايات الجديد تعديلات تفضي إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال إدارة النفايات واستحداث فرص عمل، وهو ما لقي ترحيباً من الخبراء المختصين.
دائري وتدويريويشرح الأستاذ الباحث في البيئة في المدرسة العليا للغابات في محافظة خنشلة شناقر هشام لـ "النهار" أن "الوقت آن لندرك مفهوم الانتقال إلى الاقتصاد الدائري والتدويري والفرق بينهما على الصعيدين التطبيقي والقانوني، وعلينا أيضا التوعية والتحسيس بأهمية هذا النوع من الاستثمار في حماية البيئة وجدواه من الناحية الاقتصادية الربحية للمستثمر و لاقتصاد الدولة وخلق فرص عمل من الناحية الاجتماعية وكسلوك حضاري يدخل اليوم ضمن تصنيف المجتمعات المتحضرة ".
والمطلوب اليوم، بحسب هشام، "تسهيل الإجراءات الإدارية وفتح مجال الاستثمار للشباب، لاسيما لخريجي الجامعات في مجال التدوير، لا سيما النفايات البلاستيكية، ووضع قوانين خاصة بشعب التدوير حتى يسهل على المستثمرين وحاملي المشاريع العمل في هذا المجال، وبإمكان هذه المؤسسات أن تساهم بشكل كبير في خفض فاتورة استيراد هذه المواد، خصوصاً البلاستيكية".
وتكشف آخر الإحصائيات، وفق هشام، أن "الجزائر تستورد كل عام ما قيمته من 2 إلى 3,5 مليارات دولار من البلاستيك الخام، وهو ما يمثل 95 في المئة من الحاجات الوطنية، وقد تصل الواردات إلى حدود 2 مليون طن بحلول سنة 2023 فهي تعتبر ثاني أكبر مستورد لهذه المواد في إفريقيا والشرق الأوسط.