النهار

انفتاح أميركي على معسكر شرق ليبيا … تغيير في التحالفات ام إدارة للصراع؟
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار
انفتاح أميركي على معسكر شرق ليبيا … تغيير في التحالفات ام إدارة للصراع؟
عقيلة صالح
A+   A-


سجلت تحركات أميركية مكثفة خلال الأيام الأخير تجاه شرق ليبيا وتركيبة حكمه أثارت علامات استفهام حول ما تحمله من ترتيبات لمستقبل البلاد. ورجح مراقبون فرضية التمهيد لمبادرة سياسية جديدة تقود إلى تنفيذ الاستحقاقات السياسية المعطلة منذ نهاية عام ٢٠٢١، فيما تحدث آخرون عن تغيير في النهج الأميركي نحو تحقيق توازن في العلاقة مع معسكري الشرق والغرب، ولمزاحمة النفوذ الروسي في الشرق.   

أما الفريق المتحفظ فقلص سقف التوقعات جازماً بأن تحرك واشنطن جاء لضبط الوضع وإستعادة الهدوء في المشهد الليبي في أعقاب انتهاء الصراع بين الفرقاء على رئاسة المصرف المركزي وعودة انتاج النفط وتصديره، ويستند رأي هذا الفريق  إلى أن اشتعال الوضع في المنطقة والحرب الإسرائيلية على لبنان وقطاع غزة مع احتمالات توسع رقعته، لا يتحمل بؤرة صراع جديدة ستكون لها تداعيات، لاسيما على أسعار النفط عالمياً.

وبدأ رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، الاحد الماضي، زيارة رسمية للعاصمة الأميركية، ألتقى خلالها دبلوماسيين وقيادات في الكونغرس معنيين بالملف الليبي، وتواكب ذلك مع جولة قام بها القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت، في مدينة بنغازي (عاصمة شرق ليبيا)، عقد خلالها سلسلة لقاءات مع أبرز قادة تركيبة الحكم هناك، وفي مقدمتهم رئيس أركان الوحدات الأمنية التابعة لـ "الجيش الوطني" الفريق خالد حفتر، وشقيقه الأكبر بلقاسم حفتر مدير صندوق التنمية وإعادة الإعمار.

وفيما أكتفى وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير جون باس بالقول في منشور على الصفحة الرسمية لسفارة بلادة في ليبيا: "سعدت بلقاء رئيس مجلس النواب. وجددت التأكيد على التزام الولايات المتحدة دعم جميع الأطراف الليبية المشاركة في الجهود التي تسهلها الأمم المتحدة لضمان سيادة ليبيا وازدهارها ومستقبلها الديموقراطي المشترك". كان البيان الليبي أكثر تفصيلاً، موضحاً أن الاجتماع الذي وصفه بـ "الموسع" وجمع صالح مع جون باس، بحضور مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، والموفد الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، "ناقش جملة من القضايا بشأن التسوية الشاملة للأزمة السياسية في ليبيا وسُبل تفعيل العملية السياسية". وكشف أن صالح "قدم شرحاً مفصلاً لتطورات الأزمة الليبية، واقترح جملة من الحلول التي تتطلب دعم  المجتمع الدولي لتنفيذها على أرض الواقع في سبيل تحقيق تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإنهاء الإنقسام".

لكن مصادر مطعلة على المحادثات كشفت لـ "النهار العربي" أن محور مبادرة صالح "كان يدور حول دعم أميركا لإطاحة حكومة الوحدة الوطنية التي تُسيطر على العاصمة طرابلس برئاسة  عبد الحميد الدبيبة وتشكيل حكومة موحدة بالتوافق بين النواب والمجلس الاعلى للدولة، وأعتماد القوانين المنظمة للاستحقاقين الرئاسي والتشريعي اساساً لاجراء الانتخابات مع إمكان تعديل بعض المواد المُثيرة للجدل"، لكن الجانب الأميركي "لم يُبد انفتاحاً على هذا النهج، وأكتفى بالتشديد على الامتناع عن اصدار اي قرارات احادية من شأنها مفاقمة الصراع، وضرورة تحقيق توافق واسع بين الاطراف كافة لحلحلة الانسداد السياسي".

وبالتزامن كشف القائم بأعمار السفارة الأميركية في ليبيا عن تفاصيل لقاءاته في بنغازي. وقال في تغريدة على منصة أكس: "أشكر المهندس بالقاسم حفتر على الترحيب الحار في بنغازي. تبادلنا وجهات النظر حول التحديات الرئيسية في الاقتصاد وإعادة الإعمار التي تواجه ليبيا. إن الشفافية والمساءلة في إدارة الإيرادات أمران أساسيان لاستقرار ليبيا وازدهارها."

وأضاف في تغريدة أخرى: "التقيت الفريق خالد حفتر في إطار تواصلنا المستمر مع القادة العسكريين الليبيين من مختلف أنحاء البلاد. ركزت مناقشاتنا على التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وليبيا، والجهود الرامية إلى تعزيز قدرات القوات الأمنية المحترفة في جميع أنحاء ليبيا، وأهمية وجود جيش موحد لحماية السيادة الليبية".

الباحث الليبي في الشؤون الاستراتيجية والسياسية محمد امطيريد لحظ تغيراً في موازين التحالفات الأميركية مع فرقاء ليبيا لمصلحة معسكر الشرق، موضحاً لـ "النهار العربي" أن زيارة رئيس مجلس النواب لعاصمة الأميركية "جاءت بعد تحضيرات اجراها الموفد الأميركي نورلاند، بهدف فتح افاق جديدة من التعاون مع الجهات الفاعلة على الأرض والتي لا تعاني انقسامات داخلية، على عكس تركيبة معسكر الغرب الليبي المنقسمة على نفسها". واضاف: "الولايات المتحدة باتت توجه نظرها إلى النموذج الاكثر استقراراً في ليبيا. نعم كانت هناك تحفظات أميركية عن بعض الشخصيات على رأس الحكم في الشرق لكنها في هذه المرحلة باتت منسجمة وتسعى إلى إقامة علاقات معها من بوابة المشاركة في التنمية الاقتصادية، لاسيما في ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة وتوسع النفوذ الروسي والصيني"، متوقعاً أن "تدفع مراكمة العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وقادة شرق ليبيا وخلق بيئة تنموية مشتركة إلى تقارب سياسي مع الوقت".

لكن رئيس "حزب التغيير" الدكتور جمعة القماطي، يختلف مع امطيريد، مستبعداً تغييرا في السياسات الأميركية تجاة ليبيا، ومؤكداً أن واشنطن تسعى خلال هذه المرحلة إلى ادارة الصراع وليس حله انتظاراً لما ستُسفر عنه الانتخابات الرئاسية الاميركية  الشهر المقبل. وأوضح القماطي لـ "النهار العربي" أن التحرك الأميركي "دافعه الرئيسي تقليص النفوذ الروسي في شرق ليبيا وتمدده إلى دول وسط أفريقيا، كما أن واشنطن تعتمد سياسات براغماتية وتسعى إلى اقامة علاقات مع كل القوى الفاعلة على الارض حتى وإن اختلفت في الرؤى معها"، لافتاً إلى أن "تكثيف التواصل الأميركي مع ابناء قائد الجيش الوطني خليفة حفتر له بعدان: الأول التجاوب معها في التنسيق والتعاون في مقابل الحد من النفوذ الروسي، والثاني التمهيد لمستقبل نقل قيادة الجيش في ظل تراجع الحالة الصحية لحفتر الأب". وكشف القماطي أن "واشنطن لديها منذ عام 2012 تمركز محدودا لمجموعة عسكرية في مطار بنينة في قلب مدينة بنغازي تُسمى نقطة مراقبة الارهاب، بهدف جمع المعلومات عن تحركات الجماعات الإرهابية بموافقة حفتر وابنائه. وبالتالي فالتنسيق والتعاون موجود منذ فترة وليس جديدا".

 

اقرأ في النهار Premium