النهار

النهار

محكمة دستورية موازية في شرق ليبيا... تعقيد جديد في أزمة تناتش السلطة
03-10-2024 | 05:13

المصدر: النهار
ورفضت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، تفعيل خطوة إنشاء محكمة دستورية في بنغازي. ودعت أعضاء الهيئات القضائية كافة، إلى التمسك بوحدة السلطة القضائية والدفاع عن استقلالها.
محكمة دستورية موازية في شرق ليبيا... تعقيد جديد في أزمة تناتش السلطة
AFP__20240911__36FY4B6__v1__Preview__LibyaFloodAnniversary_201252.jpg
A+   A-

 

القاهرة - أحمد مصطفى

ما إن تضيق الفجوة بين الفرقاء الليبيين حتى تتسع مجدداً فيتضاعف الخوف من ترسيخ حالة الانقسام القائمة في البلاد منذ سنوات. ففي خضم تطبيق تسوية لحل النزاع على رئاسة المصرف المركزي، أعلى سلطة مالية في البلاد، انتقل الصراع إلى محاولة السيطرة على أعلى سلطة قضائية، المعنية بالرقابة على تطبيق التشريعات، وفي القلب منها المنظمة للاستحقاقات السياسية، مع مواد الإعلان الدستوري المعمول به في ليبيا، كما لها دور في تنظيم الإشراف القضائي على الاقتراعات والنظر في الطعون.

وفي خطوة زادت من إرباك المشهد، أعلن مجلس النواب أواخر الشهر الماضي تمرير قانون يقضي بإنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي (عاصمة شرق ليبيا)، تضم 11 مستشاراً عضواً في هيئتها، بالإضافة إلى رئيس ونائب له، في خطوة أثارت اعتراضات واسعة من السلطة الحاكمة في الغرب ومن حقوقيين وخبراء قانون، وعدت موازية للدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا القائمة في العاصمة طرابلس.

ودعا المجلس الرئاسي، الخميس الماضي، مجلس النواب إلى إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء قراراته الأحادية، والعودة إلى الحوار السياسي، معتبراً أن قرار النواب في هذا التوقيت "يعمق حالة الانسداد السياسي ويزيد من تعقيد المشهد". وأوضح في بيان أن القانون "يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد منذ الاستقلال من دون الاستناد إلى نص بالإعلان الدستوري"، مشدداً على أن "الدائرة الدستورية للمحكمة العليا تؤدي دورها بكل كفاءة، واستمرار عملها يوفر ضمانة حقيقية لاستقلال القضاء وحياديته، ويفي بالغرض المطلوب في هذه المرحلة، من دون الحاجة إلى إنشاء هيئة جديدة قد تكون عرضة للتأثيرات السياسية".

وأضاف المجلس: "يمنح القانون مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، ما يعزز من نفوذه على القضاء ويضعف من توازن السلطات في البلاد"، محذراً من أن الخطوة "تحد من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مبنية على التوافق".

وبالمثل، اعتبر رئيس مجلس الدولة خالد المشري، أن إقرار النواب قانون إنشاء محكمة دستورية "ليس من ضمن صلاحياته التشريعية، وهو إجراء يزعزع الثقة بين المجلسين، ويهدم جهود الوصول إلى توافق حول المسار الدستوري، ويعمق الانقسام المؤسسي في البلاد"، معلناً تعليق التواصل بين رئاستي الأعلى للدولة والنواب، وأعمال اللجنة المشتركة.

وانضم حقوقيون وقانونيون إلى اعتراضات سلطة الغرب الليبي على قرار النواب، وحذرت لجنة الحريات في نقابة المحامين في بيان، ما يترتّب على هذا القانون من نتائج وصفتها بـ"السيئة وسيكون أثرها وخيماً على السلطة القضائية والنيل من وحدتها". ولفت رئيس اللجنة محمد العلاقي إلى تضارب في اختصاصات السلطة القضائية في ظل وجود الدائرة الدستورية في المحكمة العليا والمحكمة الدستورية التي أنشئت.

ورفضت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، تفعيل خطوة إنشاء محكمة دستورية في بنغازي. ودعت أعضاء الهيئات القضائية كافة، إلى التمسك بوحدة السلطة القضائية والدفاع عن استقلالها.

وعد رئيس المؤسسة أحمد حمزة الخطوة "إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات، وتعدياً على استقلال السلطات القضائية، ومحاولة للنيل من وحدتها واستقلاليتها، وإضعاف دورها، وهي عمل ممنهج للزج بهذه المؤسسة في أتون الصراع والتجاذب والاستقطاب السياسي"، مؤكداً أن قانون إنشاء محكمة دستورية "غير دستوري لمخالفته الإعلان الدستوري الموقت، ويحتاج إلى نص دستوري، وإلى تعديل قانون إنشاء المحكمة العليا".

وأوضح حمزة أنه في حال تمسك مجلس النواب بقراراه فإنه "سيؤدي إلى ازدواج في الصلاحيات، إذ إن المحكمة العليا ستتمسك بالولاية القضائية للنظر في القضايا ذات الصبغة الدستورية، من بينها القوانين السيادية المتعلقة بالانتخابات التي سيصدرها مجلس النواب، وستقبل الطعون التي تقدم إليها ضد هذه القوانين. في المقابل، ستستمر أيضاً المحكمة الدستورية التي أُنشئت في بنغازي إلى حين التوصل إلى صيغة توافقية تفضي إلى إنهاء هذا النزاع الدستوري والقانوني"، مرجحاً أن يقع مجلس النواب في "إشكالية معقدة في المستقبل، في ما يتعلق بإصدار القوانين الانتخابية والطعون فيها وكذلك الإشراف القضائي على الانتخابات لاحقاً، وقد تكون مدخلاً لنسف العملية الانتخابية أو إجهاض القوانين المنظمة للاستحقاقات الانتخابية قبل حتى انطلاقها، وهذا ما تعول عليه الأطراف المعرقلة للجوء إلى صناديق الاقتراع كما حدث في نهاية  عام 2021، من خلال بعض الثغرات القانونية والدستورية". وأضاف: "يجب الأخذ في الاعتبار إمكان أن تقدم طعون أمام المحكمة العليا في طرابلس ولا يعتد بها في شرق ليبيا أو العكس بأن يتم الطعن أمام المحكمة الدستورية في بنغازي ولا يعترف بقرارها الغرب"، محذراً من تداعيات وخيمة على العملية الانتخابية في المستقبل ما لم تتم معالجة تلك الأزمة.

ورغم الاعتراضات، تمسك رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بقراره، مؤكداً أن "المحكمة العليا لم يعد لها ولاية قضائية في نظر الطعون الدستورية بعد صدور قانون إنشاء المحكمة الدستورية"، مشدداً على "الحرص على القضاء واستقلاله". واعتبر صالح أن إصدار قانون المحكمة الدستورية "أمر يحقق العدالة".

المحلل السياسي الليبي أبو بكر القطراني رأى أن قرار مجلس النواب "اتُخذ بسبب تداعيات الانقسام بين شرق ليبيا وغربها، وهو صراع قديم حول مقر المؤسسات الحاكمة للدولة"، مضيفاً: "في ظل هذا الانقسام أصدرت الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا قرارات مسيسة، بسبب ضغوط الجهة المتحكمة في الغرب الليبي". واعتبر أن هذا "ما دفع مجلس النواب إلى اتخاذ قرار إنشاء محكمة دستورية في بنغازي بعيدة عن تحكم الميليشيات".

لكن القطراني أكد لـ"النهار" أن قرار مجلس النواب "سيحدث انقساماً حول القرارات الدستورية، إلا إذا مُررت عبر التوافق والتنسيق"، مشيراً إلى أن مسألة تعطيل الاستحقاقات الانتخابية جاءت بسبب "رفض القوى السياسية الليبية مواد في القوانين التي صدرت، ولم تكن السلطة القضائية هي المعرقل، لكن في المستقبل كل شيء متوقع فقد تُرفض القوانين ويُرفض قرار نقل المحكمة الدستورية إلى بنغازي، وهو ما سيُعقد المشهد".

وإذ ذهب رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب في ليبيا أسعد زهيو إلى القول إن "الوضع في ليبيا معقد متشابك، والاستناد إلى قانونية أي قرار يحمل قدراً كبيراً من ازدواجية المعايير بين أطراف الصراع"، أكد لـ"النهار" أنه "في ظل عدم امتلاك ليبيا دستوراً دائماً فإن الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا تكفي".

لكن زهيو اتفق مع القطراني على أن قرار مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية يعود إلى أن "الدائرة الدستورية تقبع في العاصمة طرابلس، وبالتالي يخشى الطرف الآخر في الشرق الطعن في قراراته، وهو ما كان قد حصل في مرات عدة خلال السنوات الماضية". وقال: "للأسف الصراع في ليبيا وصل إلى حد توظيف القضاء، وكل طرف يحاول تحصين قراراته".

 

إعلان

الأكثر قراءة

10/3/2024 7:34:00 PM
مصر بدأت سياسة تنويع مصادر تسليحها منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2023 كانت في قائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم
9/30/2024 11:12:00 PM
الكاتب في "نيويورك تايمز" الحائز على 3 جوائز "بوليتزر" يبدي يقيناً بنظرية الاختراق البشري للنظام الايراني ولـ"حزب الله"، الأمر الذي سهّل عملية الانقضاض التي حصلت. ويرى أن طهران مرتبكة وتشهد انقساماً بشأن سيناريو الرد المحتمل.