تشهد الانتخابات التونسية يوم الأحد منافسة بين الرئيس قيس سعيد ومرشحين أحدهما سُجن فجأة الشهر الماضي والآخر يرأس حزبا سياسيا، فيما تقول جماعات حقوقية إن الرئيس أزال معظم الضوابط الديموقراطية على سلطته خلال فترة ولايته الأولى.
ووسط حالة من الفتور وغياب الحماس، دُعي حوالي عشرة ملايين ناخب للاقتراع الذي بدأ في الخارج اليوم الجمعة.
وأزاحت هيئة الانتخابات ثلاثة مرشحين بارزين يمثلون تيارات سياسية كبرى من قائمة المرشحين في السباق في خطوة أثارت غضبا واسع النطاق من المعارضين ومنظمات المجتمع المدني.
وجرد البرلمان الأسبوع الماضي المحكمة الإدارية التي ينظر إليها على أنها محكمة مستقلة من سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية.
كانت تونس قد نالت إشادات على مدى سنوات باعتبارها قصة النجاح النسبي الوحيدة لانتفاضات "الربيع العربي" عام 2011، بعد إدخال ديموقراطية تنافسية، وإن كانت متعثرة، بعد عقود من الحكم الاستبدادي.
وفاز سعيد بانتخابات عام 2019 وسط موجة من الغضب الشعبي إزاء الفشل الاقتصادي والفساد بين النخبة.
وسعيا لما قال إنه إحداث تغيير جوهري وإنهاء سنوات من الفوضى، أقال سعيد البرلمان في عام 2021، وأعاد كتابة دستور جديد بشكل فردي قبل طرحه للاستفتاء وهي خطوات وصفتها المعارضة بأنها انقلاب.
ونظمت جماعات المعارضة التي اتهمته بتقويض الديموقراطية احتجاجات. وسُجن أغلب زعماء الأحزاب الرئيسية منذ ذلك الحين وهم يتهمون الرئيس الآن بمحاولة تزوير انتخابات الأحد وذلك بتوظيف القضاء والهيئة الانتخابية لتحقيق هذا الغرض.
رفض سعيد الاتهامات بأنه يريد تفكيك الديموقراطية أو أن لديه ميولا دكتاتورية. وبدلا من ذلك، يصف بعض معارضية بأنهم خونة ويقول إن برنامجه السياسي يهدف إلى القضاء على الفساد.
ولا يبدي كثير من التونسيين حماسا لانتخابات الأحد.
ولم يحظ الاستفتاء الذي أجراه سعيد على دستوره الجديد في عام 2022 بإقبال سوى 30 في المئة ممن يحق لهم التصويت، بينما لم تحظ انتخابات عام 2022 للبرلمان الجديد الذي أزال منه معظم السلطات إلا بتصويت لم تتجاوز نسبته 11 في المئة.
قال محمد الربودي، وهو مدرس، "لا توجد انتخابات، هي مجرد تأييد لشخص يمتلك كل السلطات ويمكنه أن يفعل ما يريد ويغير القوانين كما يحلو له".
وواجه أكبر حزب سياسي في تونس، وهو حزب النهضة الإسلامي، قيودا شديدة منذ سُجن زعيمه راشد الغنوشي، رئيس البرلمان السابق، العام الماضي بتهم يقول إنها ملفقة. ولم تقدم النهضة أي مرشح.
معارضون في السجون
على الرغم من مشاكلها، كانت مجموعات معارضة أخرى تأمل في تحدي سعيد في انتخابات الرئاسة.
سُجنت عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر، العام الماضي بتهمة الإضرار بالأمن العام. وكان ينظر الى عبير موسي على نطاق واسع على أنها أبرز المنافسين على منصب الرئيس قبل سجنها.
وسُجن سياسي بارز آخر وهو لطفي المرايحي هذا العام بتهمة شراء الأصوات.
وينفي المرايحي وموسي هذه الاتهامات.
وأعلن كلاهما سابقا عن النية للترشح في الانتخابات الرئاسية، لكنهما مُنعا من تقديم طلباتهما من السجن.
ثم مُنع ثلاثة مرشحين آخرين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون منافسة جدية لسعيد من الترشح من قبل لجنة الانتخابات، التي عينها الرئيس سعيد بنفسه.
وأمرت المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى الاقتراع لكن اللجنة رفضت ذلك. ثم جرد البرلمان، المنتخب بموجب دستور سعيد الجديد، المحكمة من دورها في الانتخابات.
ويواجه سعيد الآن مرشحين اثنين. رئيس حزب الشعب زهير المغزاوي وهو حليف سابق لسعيد تحول في الآونة إلى منتقد له.
ولم يكن الآخر، العياشي زمال، معروفا بشكل كبير قبل الحملة الانتخابية ولكن يبدو أنه اكتسب شعبية.
وألقي القبض عليه الشهر الماضي بتهمة تزوير وثائق انتخابية وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 شهرا في 18 سبتمبر.
ويوم الثلاثاء، حُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما أخرى بنفس التهم. وقال محاميه إن هذه الأحكام ذات دوافع سياسية.
وفي الوقت نفسه، لا يزال التونسيون يواجهون أزمة في المالية العامة أدت إلى نقص في السلع بين الحين والآخر مثل السكر والقهوة والأرز، فضلا عن انقطاع المياه والكهرباء، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
مخاوف اقتصادية
لقد ساعد تعافي السياحة بعد جائحة "كوفيد" والمساعدات من الدول الأوروبية القلقة بشأن الهجرة من تونس، سعيد على تفادي إجراء تخفيضات حادة لا تحظى بشعبية في الإنفاق والتي يتطلبها برنامج قرض صندوق النقد الدولي.
لكن المخاوف من استمرار الركود الاقتصادي وغلاء الأسعار وسوء الخدمات العامة في الصحة والنقل تشغل الناخبين وتقلل حماسهم إزاء فرص التغيير.
يقول تاجر اسمه أيمن: "أعطيت صوتي لسعيد منذ سنوات بحماس لأنني اعتقدت أن الأمور ستتحسن. لسوء الحظ، فإن الوضع يزداد سوءا".
وأضاف: "صحيح أنه رجل نظيف، لكنه لم يفعل شيئا لتغيير ذلك. أنا متردد بين أن أعطيه فرصة أخرى أو أصوت لمرشح آخر".
ويشعر كثير التونسيون بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث بلغ التضخم 7 في المئة، وارتفعت معدلات البطالة إلى 16 في المئة، مع زيادة قوارب المهاجرين المتجهة إلى السواحل الأوروبية.
ودعت بعض الأحزاب الأخرى إلى مقاطعة الانتخابات
وقال حمة الهمامي زعيم حزب العمال: "من يأت بانقلاب يرفض الانتخاب..هذه الانتخابات انقلاب جديد.. من أرسل الدبابات لحل البرلمان لن يتخلى عن السلطة بالانتخابات".
ويواجه سعيد انتقادات من المعارضين بقمع الصحافة وتقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني واعتقال الصحافيين ومسؤولين نقابيين ونشطاء ومدونين.
لكن الرئيس التونسي يرفض الاتهامات ويقول إنه يخوض حرب تحرير يحارب خلالها "الخونة والمرتزقة مهما كان صفاتهم".
وعلى عكس انتخابات 2019، لم يشاهد التونسيون مناظرة تلفزيونية بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية، وهو ما كان مشهدا نادرا في دولة عربية قبل اختيار رئيس بطريقة ديموقراطية وحرة.
يقول المنتقدون إن الأحوال الراهنة والأوضاع الجديدة تسلط الضوء على حجم الضرر الذي ألحقه سعيد بالديموقراطية التونسية.