أكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنّ "الرسالة المسيحيّة هي المسعى إلى الجمع، إلى الوحدة، إلى الشركة. كل مسعى إلى الخلافات والانقسامات والعداوات خروج عن المسيحيّة، وعداوة للمسيح. فكلامه في إنجيل اليوم واضح وصريح: "من لا يجمع معي فهو يبدّد"، لافتاً إلى أنّ "السبيل إلى الوحدة والشركة يرتكز على الحقيقة التي تحرِّر وتجمع، وعلى العدالة التي تعطي كلّ شخص حقّه، وعلى المحبّة التي تدفع من الداخل كرغبة وتصميم وتوق إلى بناء الوحدة والشركة".
وسأل الراعي، في عظة قداس "الأحد العاشر من زمن العنصرة"، في الديمان: أليس انقسام السلطة السياسيّة في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديًّا وأفقيًّا، هما في أساس الإنحلال السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي؟ وهكذا صدق كلام الربّ يسوع بحرفيّته وبكلّ أبعاده".
وتابع: "إنّ جرحاً بليغاً يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلاميّة قبيحة بين مرجِعيّات وقوى سياسيّة مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. فإنَّ من شأن هذه الحملات أن تخلق أجواء متوتّرة تؤثّر سلبًا على نفسية المواطنين الصامدين رغم الصعوبات، وعلى الاستقرار والاقتصاد والمال والإصلاحات، وعلى الاستحقاقين الدستوريَين: تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستوريّة"، مؤكداً أنّه "لو كانت النيّات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أيّ خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بنّاءة بعيدًا عن التجريح والإساءات الشخصيّة. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طيّ مشروع تشكيل حكومة والإلتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسية بفذلكات دستوريّة وقانونيّة لا تُحمد عقباها. لكن اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعين العربيّ والدوليّ مصمّمون على مواجهة هذه المحاولات الهدّامة وتأمين حصول إنتخاب رئيس جديد بمستوى التحديات ومشروع الإنقاذ".
وقال الراعي: "مع إدراكنا كل الصعوبات المحيطة بعمليّة تشكيل حكومة جديدة، فهذه الصعوبات يجب أن تكون حافزًا يدفع بالرئيس الـمكلف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنيّةِ شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنيّة وجامعة ومتوازنة. لا يجوز التذرّع بالصعوبات لكي توضع ورقة التكليف في خزانة المحفوظات، وتُطفئ محرّكات التشكيل وتُترك البلاد أمام المجهول".
وأضاف أنّه "عرفنا ماضيًا في لبنان أزمات حكوميّة نتجت عن طول مرحلة التشكيل، لكننا لم نعرف أزمة حكوميّة نتجت عن وجود إرادة بعدم تشكيل حكومة قبل إنتهاء ولاية عهد رئاسيّ. هذا أمر خطير ومرفوض عشيّة الاستحقاق الرئاسيّ. إن وجود حكومة كاملة الصلاحيات لا يفرضه منطوق التوازن بين المؤسّسات الدستوريّة فقط، بل منطق التوازن أيضًا بين أدوار المكوّنات الميثاقيّة في لبنان. من المعيب أن تبذل السلطة جهودًا للاتّفاق مع إسرائيل على الحدود البحريّة وتَنكفئ بالمقابل عن تشكيل حكومة؟ فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيّين؟ إنّ كرامة الشعب ترفض كل ذلك".
وقال: "فليعلم المسؤولون أنّ الشعب يرفض تسليم مصيره إلى حكومة تصريف أعمال، كما يرفض عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولن يسكت عمّا يقومون به. ولن يقبل على الإطلاق بسقوط الدولة التي دافع عنها بالصمودِ وتقدمة ألوف وألوف من الشهداء والشهيدات. إن سلوك المسؤولين هذا يهدّد كيان لبنان بكل مقوماته الوجودية. ونخشى أن يؤدي عدم تشكيل حكومة واحدة للبنان الواحد إلى تناسل سلطات أمر واقع هنا وهناك، وهذا ما تصدينا له منذ سنوات"، مؤكداً أنّ "فقدان المسؤولية الوطنية لدى العديد من أهل السلطة والجماعة السياسية تعطي الحجج الأساسيّة والإضافيّة لعجز حصول إنقاذ من دون مساعدة أمميّة، وتعزز مطالبتنا بمؤتمر دوليّ يُنقذ لبنان ويُعيده إلى الحالة الطبيعية".
وأكد أنّ "الشعب ونحن لا نثق بحكم حكومة تصريف أعمال، ولا نرضى بتطبيق بدعة "الضرورات تجيز المحظورات" على استمرار حكومة تصريف الأعمال فقط، فيسعى آخرون إلى تطبيقها بشكل عشوائيّ. لا أحد يستطيع ضمان حدود هذه الفذلكة. فألّفوا ، أيّها المسؤولون، حكومة وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة ضمن المهل الدستوريّة، وأريِحوا الشعب ولبنان"، لافتاً إلى أنّ "عدم تجاوب المسؤولين مع نداءاتنا المتكرّرة بشأن سيادة أخينا المطران موسى الحاج منذ عشرين يومًا، يكشف الخلفيّات المعيبةَ وراءَ الإعتداء المخالف للمذكّرة الصادرة عن مديريّة الأمن العام بتاريخ 29/4/2006 تحت رقم 28/أ ع/ ص/ م د. والمؤسفُ جِدًّا أنَّ هذه الجهاتِ التي يُفترضُ فيها أن تكونَ الحريصةَ الأولى على كرامةِ الأسقف، وعلى ما ومَن يُـمثِّل، تَصرّفت ولا تزال من زاويةِ التشفّي والمصالحِ الأنانيّة وكأنَّ لديها ثأرًا على البطريركيّةِ المارونيّةِ لأنّ هذا الصَرحَ يقولُ كلمةَ الحقّ، ويَدحَضُ الخطأَ، ولا يَتدجَّنُ مع الباطل، ولا يساوِمُ على الحقيقة والمقدَّساتِ والبديهيّاتِ مهما طال الوقت. والوقتُ كان دائمًا حليفَ الحقِّ وأصحابِ الحقِّ وحليفَ الكنيسةِ الجامعةِ منذ ألفَي سنةٍ ونَيّف، والكنيسةِ البطريركيّة المارونيّةِ منذ ألفٍ وستمائةِ سنة. فليقرأوا التاريخ الحديث والقديم عَلَّهم يعتبرون ويرتدعون".
وختم الراعي قائلاً: "إنّا نعوّل على ذوي النيات والإرادات الحسنة، لكي يقوموا بمبادرات جمع وتفاهم، من شأنها أن تضع حدًّا لهذه الإنقسامات التي هي أساس خراب لبنان، كما جاء في الكلام الإلهيّ في إنجيل اليوم. جميعنا مدعوّون إلى التوبة بروح التواضع والإقرار بالخطأ الشخصيّ. فنستحقّ أن نقف أمام الله ونرفع صلاة المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد".