أكّد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال قداس لراحة نفس الشابين هيثم ومالك طوق اللذين استشهدا في القرنة السوداء بحضور ذويهما وعائلات بشري أننا "نلتزم بقرار القضاء، لأنّنا جميعنا نحترم الدولة ومؤسّساتها ولا سيما القضاء والجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة، لأنّها وحدها تسهر على سلامة جميع المواطنين دونما تمييز".
وقال إنّ "المرحومين هيثم ومالك وقعا ضحيّة عدم احترام وتطبيق القرارات الإداريّة والقضائيّة الصادرة عن وزارة البيئة منذ سنة 1998، وعن القاضي العقاريّ في الشمال منذ سنة 1919، بشأن موقع جبل المكمل-القرنة السوداء، ومحلّة سهل سمارة المتنازع عليها. كلّ هذه القرارات تمنع الأعمال العامّة والخاصّة على سطح الأرض وباطنها، وجرّ المياه، وإنشاء بحيرات إصطناعيّة، حفاظاً على المياه الجوفيّة التي تغذّي الينابيع، وتسهيلاً لسير أعمال التحديد والتحرير".
وأضاف: "يتّضح بكلّ أسف أنّ عدم تطبيق القرارات القضائية والإدارية المتخذة، ناتج عن تدخلات سياسية معروفة ومألوفة على حساب دولة القانون والمؤسسات وهيبتها. ولو تمّ تطبيق هذه القرارات العلمية الموضوعية المتجردة لما كانت استمرت المشكلة قائمة بنتائجها المأساوية، وآخرها مأساة سقوط الشهيدين هيثم ومالك طوق".
وتابع: "المطلوب أيضاً وأيضاً رفع أيدي السياسيين وتدخلاتهم، التي تعيق عمل الأجهزة الأمنية المكلفة بتنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الإدارية، وإيقاف الأعمال فوق أرض القرنة السوداء أو في باطنها، وبخاصة المتعلقة بالمياه، عملاً بالقوانين، التي تمنع التعاطي بالمياه متى كانت على ارتفاع يتجاوز الألفي متر".
وطالب الراعي "البلديات المعنية في بشري وبقاعصفرين وإهدن-زغرتا التجاوب مع طلب القاضي العقاري في الشمال لجهة تسهيل أعمال فِرق المسّاحين وتقديم الأوراق والمستندات الموجودة بحوزتها لإنجاز هذه الأعمال وإتمام عملية التحديد والتحرير".
وأكّد أنّ "التعنّت في إبقاء الفراغ في سدّة الرئاسة، المقصود بكلّ أسف من أجل أهداف شخصيّة وفئويّة ومستقبليّة، قد أوصل إلى نتيجة حتميّة، تسمّى في المجلس النيابي المحوّل إلى هيئة ناخبة "تشريع الضرورة"، وفي حكومة تصريف الأعمال: "تعيينات الضرورة". مثل هذا التصرّف يهدم المؤسّسات الدستوريّة والعامّة ويفقدها ثقة الشعب والدول بها. وهذه جريمة يرتكبها كلّ الذين يعطّلون عمليّة إنتخاب رئيس للجمهوريّة على الرغم من وجود مرشّحين قديرين".
وأضاف أنّ "المصرف المركزيّ في أزمة كيانيّة، ويطالب نوّاب الحاكم "بضرورة تعيين" حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة لفترةٍ تنتهي مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. وها الجيش اللبنانيّ يستدعي في حالة ظروفه الإستثنائيّة السير بتعيين "الضرورة"، حفاظًا على استمراريّة المؤسّسات الأمنيّة، لما في ذلك من ضرورة قصوى للإستقرار في لبنان والسلم الأهلي في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي نعيشها".
وقال إنّ "الشغور الذي يطال المجلس العسكريّ في المؤسّسة العسكريّة والذي إذا استمرّ، قد يكون له مفاعيل سلبيّة جدًّا ليس على المؤسّسة العسكريّة فحسب، إنّما على الوضع الأمني في لبنان ككلّ. ففي ظلّ أي تغيّب قسريّ لقائد الجيش أو شغور في مركز القيادة، ليس من قائد آخر يتولّى المهمّة لأنّ مركز رئيس الأركان شاغر حتى الساعة، ما يترك الجيش دون قائد، وبالتالي سيصبح معرّضًا لكلّ أنواع المخاطر".
وتابع: "فما العمل؟ طبعًا الحلّ هو في انتخاب رئيس للجمهوريّة، والمرشّحان موجودان! والحلّ الآخر المرغم يبقى "بتعيينات الضرورة" لملئ الشغور في المجلس العسكريّ وبخاصّة مركز رئيس الأركان، حفاظًا على المؤسّسة العسكريّة التي تثبت أنّها الضامن للأمن والإستقرار في لبنان. وعلى الحكومة والمجلس النيابيّ تحمّل مسؤوليّة التبعات القانونيّة".
وكان البطريرك الراعي قد ترأس مساء أمس القداس الاحتفالي في كنيسة مار نوهرا في بقرقاشا بمناسبة تكريس مزار القديس البابا يوحنا بولس الثاني.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى البطريرك عظة بعنوان :”الحصاد كثير، والفعلة قليلون. أُطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده” (لو 10: 2)”.
وقال: "فليدرك كلّ الذين يتعاطون الشان العام، الذي يعني العمل السياسي، أنّهم هم أيضًا، وعلى الأخصّ، أصحاب رسالة رفيعة الشأن لكونها تخدم الخير العام، وتؤمّن الحقوق والواجبات لكلّ مواطن ومواطنة، وتضمن نموّهم الشامل ونموّ المجتمع، من خلال تنظيم الدولة ومؤسّساتها الدستوريّة والإداريّة والقضائية".
وأضاف: "من المؤسف القول إنّ الذين بلغ إليهم هذا الفنّ الشريف – السياسة- انهم بأغلبيتهم يدمّرونه بأغلبيّتهم من دون أي رادع ضمير، أو حياء بشريّ من الرأي العام الداخليّ والخارجيّ، أو مخافة الله الديّان العادل".
وسأل: "لماذا أيّها المسؤولون تفتعلون العقد، وتبحثون عن حلّها خلافًا للدستور؟ وتعتبرون عقدكم ومخالفاتكم الدستوريّة “ضرورة”؟ فتجعلون المجلس النيابيّ غير الإشتراعيّ هيئة تشريعيّة فيما هو منذ بداية الفراغ في سدّة الرئاسة مجرّد هيئة ناخبة؟ وتعطون حكومة تصريف الأعمال صلاحيّة رئيس الجمهوريّة في التعيينات المحفوظة له؟ وإن لم تفعلوا تهدّمت المؤسّسات وكأنّها من كرتون! وهكذا تفتعلون نزاعًا دستوريًّا يضاف إلى الإنقسام السياسيّ القائم. ”حرام لبنان!“ لبنان الذي باركه البابا يوحنا بولس، ونحن اليوم نخلد ذكراه. ليس هكذا يفكّر البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان، وليس هذا هو لبنان الذي يريده البابا القديس".
وتابع: "يا أيّها السادة في المجلس النيابيّ والحكومة، إنّ الضرورة الأولى والأخيرة ومفتاح حلّ كلّ عقدكم هما في انتخاب رئيس للجمهوريّة. وإن لم تفعلوا، فإنكم تقترفون جريمة الخيانة العظمى بحقّ الدولة والشعب، والخيانة هي أمّ كلّ الجرائم!".
وتوجه إلى النواب قائلاً: "أيّها السادة النواب، يوجد لديكم مرشّحان مارونيّان محترمان لرئاسة الجمهوريّة، فادخلوا المجلس النيابيّ وانتخبوا واحداً منهما رئيساً وفقاً للدستور الذي ينصّ في مقدّمته على أنّ “لبنان جمهوريّة ديموقراطيّة برلمانيّة” (ج). فإذا لم يُتنخب أحد منهما بعد ثلاث دورات متتالية على الأقلّ، فاحتراماً لكرامتهما، عندئذ تتحاورون لإيجاد مرشح ثالث غيرهما. ويكفيكم إضاعة الوقت والمؤسّسات تتساقط الواحدة تلو الأخرى بانتظار الإلهام من الخارج كقاصرين. هذا الكلام يمليه علينا البابا يوحنا بولس الثاني".