البطريرك الراعي.
رحّب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، في قداس الأحد في بكركي، بـ"أهالي الموقوفين على إثر تفجير مرفأ بيروت، وهم يطلبون أن نضم صوتنا إلى صوتهم، فإن أبناءهم وأزواجهم موقوفون منذ أيام التفجير 4 آب 2020 أي منذ سنتين ونصف. وهم من دون محاكمة ومن دون قرار ظني. فأصبحوا هم ضحايا أحياء لهذه الكارثة-الجريمة ضد الإنسانية. ويطالبون بإيجاد حل قضائي يصون متابعة أعمال المحقق العدلي بشأن جريمة التفجير".
وقال: "نختتم مساء اليوم عند السادسة في هذا الكرسي البطريركي أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، بصلاة مسكونية يشارك فيها بطاركة الكنائس وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومؤمنون واللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ومجلس كنائس الشرق الأوسط. كما يبدأ أيضا في هذا الكرسي البطريركي مؤتمر أسبوع الكتاب المقدس بعد ظهر اليوم وهو "اليوم العالمي"الذي اختاره قداسة البابا فرنسيس كأحد كلمة الله، ويوم مكرس للكتاب المقدس. فينظر المؤتمر في سفري يشوع بن نون والقضاة من الكتاب المقدس في عهده القديم. كلنا مدعوون لنستنير بكلمة الله، فهي نور الحقيقة والمحبة والعدل لكل إنسان. فمن دون هذا النور يهيم في ظلمات الكذب والجهل، وفي ظلمات الحقد والبغض، وفي ظلمات الظلم والإستبداد. إن نور كلمة الله حاجة ماسة للمسؤولين عندنا في لبنان ولشعبنا. فلو استنار بكلمة الله نواب الأمة وكتلهم ومن وراءهم، لتحرروا من أنانياتهم وحساباتهم ومصالحهم الشخصية والفئوية، ومن مشادات المكايدة، ولكانوا وقفوا وقفة ضمير أمام حال الشعب الفقير المذلول والمحروم من أبسط حقوقه الأساسية، الشعب الذي وكلهم بخدمته، وأمام حال الدولة التي تتفكك أوصالها تباعا، وهم منتدبون لتعزيزها، ولكانوا أسرعوا وانتخبوا رئيسا للجمهورية قبل نهاية عهد الرئيس، كما يأمرهم الدستور في مادته 73!".
وتوجه الراعي إلى النواب والوزراء بالقول: "أنتم يا نواب الأمة والوزراء مسؤولون عن وصمة العار الجديدة التي تلحق بلبنان من خلال أدائكم غير المقبول، وهي فقدان لبنان حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المكونة من 193 عضوا، بسبب عدم سداد مستحقات الدولة اللبنانية البالغة ما لا يقل عن مليوني دولار. ويكبر حجم مسؤوليتكم بكون لبنان بلدا مؤسسا للأمم المتحدة، ومشاركا في وضع شرعتها وشرعة حقوق الإنسان، وقد مثله آنذاك وجه عالمي ناصع هو شارل مالك! ويظهر أن وقف سداد المستحقات اللبنانية لا يقتصر فقط على منظمة الأمم المتحدة، بل يشمل أيضا منظمات عربية ودولية ينتمي إليها لبان. فإذا كان الأمر مقصودا فالخطيئة عظيمة، وإذا كان سهوا فالخطيئة أعظم. ألا تخجلون من نفوسكم، يا شاغلي مجلس النواب ومجلس الوزراء أمام منظمة الأمم المتحدة وانجازاتها لصالح لبنان؟". وأضاف: "فقد أقامت في لبنان مركزا لعدد من المنظمات والمؤسسات التابعة لها، واعتمدت مندوبية دائمة للوقوف على حاجات لبنان. وأصدرت ما لا يقل عن أربعين قرار أمميا بشأنه بما فيها تبني إعلان بعبدا وتشكيل مجموعة الدعم الدولية للبنان. ومنذ سنة 1978 أرسلت قوات دولية لحفظ السلام في جنوب لبنان استنادا إلى القرارين 425 و426 من أجل تأمين انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب وتوفير الظروف الميدانية لأن تبسط الدولة اللبنانية وحدها سلطتها على كامل أراضيه. ثم تعدلت مهمتها بعد حرب سنة 1982 وبعد حرب 2006 على أساس القرار 1701 الذي لا يزال دون التنفيذ الصحيح".
وتابع الراعي قائلاً: "يخدم اليوم في لبنان 3800 ضابط وجندي دولي يمثلون 48 دولة وسط أخطار يومية كان آخرها اغتيال الجندي الإيرلندي في بلدة العاقبية في الجنوب. كيف للدولة اللبنانية والحالة هذه أن تتوسل التجديد للقوات الدولية في الجنوب ولا تدفع مستحقاتها للأمم المتحدة؟ وكيف للدولة اللبنانية بعد اليوم أن تتقدم بشكاوى أمام الأمم المتحدة وتطالبها بتنفيذ قراراتها المتعلقة بلبنان ولا يحق لها التصويت؟ كيف نناشدها إكمال مهمتها في الاتفاق الثنائي بين لبنان وإسرائيل حول الطاقة وترسيم الحدود الجنوبية؟ كيف نطالبها بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية والمعيشية والتربوية؟ كيف نطالبها بهذا وبغيره ولا ندفع مستحقاتنا لها؟".
وحول الملف الرئاس، أكد الراعي أنّه "في هذا الوقت يستمر الشغور الرئاسي، ولم تؤد المساعي الداخلية والدولية إلى إحراز تقدم فعلي نحو انتخاب رئيس جديد. بل نرى أن المواقف بين المحاور الداخلية ذات الامتداد الخارجي تتباعد أكثر فأكثر، وتلهي الرأي العام بموضوع الحكومة. ونحن قلنا منذ اليوم الأول لنهاية العهد، إن هذه الحكومة هي مستقيلة ومهمتها تصريف الأعمال. ومن واجبها التفاهم حول تفسير تصريف الأعمال لئلا تخلق إشكاليات نحن بغنى عنها. إن عملها محصور بالمحافظة على الحد الأدنى من تسيير شؤون المواطنين الضاغطة ومنع سقوط الدولة نهائيا، خصوصا أن مهزلة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لا تزال مستمرة، وقرار عقدها وفقا للدستور مسلوب. ويترافق كل ذلك مع انهيار صارخ لسعر العملات بحيث تجاوز سعر الدولار الخمسين ألف ليرة لبنانية. وناهز سعر صحيفة النزين المليون ليرة وتضاعفت أسعار المواد الغذائية والطبية بعشرات الأضعاف. فكيف سيعيش هذا الشعب؟ فكيف سيعيش الشعب؟ كيف سيأكل ويشرب ويتغذى ويعمل ويقبض أجره ويتداوى؟ وهل تشعرون به أيها المؤتمنون على المسؤولية؟ خوفنا أنكم تشعرون ولكنكم تريدون لهذا الشعب هذه التعاسة لغرض في نفوسكم!".
وختم بالقول: "رغم ذلك لا تزال القوى السياسية تتقاذف الاستحقاق الرئاسي وتمتنع عن انتخاب رئيس جديد يصمد أمام الصعاب ويرفض الإملاءات ويحافظ على الخصوصية اللبنانية. ليس خوفنا أن تتغير هوية رئيس الجمهورية المارونية وطائفته، بل أن تتغير سياسته ومبادئه ويلتحق بسياسيات ومحاور ودول تجاهد ليل نهار للسيطرة على البلاد وتحويله إقليما من أقاليمها. لكن هذا الأمر مستحيلا لأن قرار التصدي لتغيير هوية الرئيس وكيان لبنان مأخوذ سلفا مهما كانت التضحيات. ولا يظننن أحد أنه قادر على تغيير هذا التراث التاريخي وهذه الخصوصية الوطنية. ويخطئ من يظن أنه يستطيع خطف رئاسة الجمهورية اللبنانية وأخذها رهينة ويطلب فدية لإطلاقها. لسنا شعب الفديات بل نحن شعب الفداء.. في هذا السياق إن القوى الوطنية السيادية أكانت مسيحية أم مسلمة مدعوة للاتحاد وتشكيل هيئة مشتركة تدافع عن لبنان ليتأكد العالم أن شعب لبنان مصمم على الحياة معا. هذه هي أمنياتنا نستودعها عناية الله القادر على كل شيء، له للمجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين".