اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن أكثر ما يؤلم اليوم هو اندلاع اضطرابات أمنية بعد إعلان نتائج الانتخابات، في وقت يعاني فيه الشعب اللبناني أساساً من صعوبات مالية واقتصادية تتفاقم مع مرور الأيام.
وقال في عظة الأحد: "نشكر الله على أنّ اللبنانيّين اقترعوا واختاروا مجلِسًا نيابيًّا جديدًا يُـمثِّلُ مختلفَ الاتّجاهاتِ السياسيّةِ الموجودةِ في لبنان وبلاد الانتشار، فأدّت هذه الانتخاباتُ إلى مُناخٍ وطنيٍّ جديدٍ أعطى المواطنين جُرعةَ أملٍ بحصولِ تغييرٍ إيجابيٍّ ووطنيٍّ من شأنِه أن يُشجِّعَ المجتمعَ الدُوليَّ، بما فيه العربيّ، على مساعدةِ لبنان جِدّيًا، لا رمزيًّا، على الخروجِ من ضائقتِه الاقتصاديّةِ ومن أزْمتِه الوجوديّة"، مشيراً إلى أن "ما لَفَتنا وأَلمنا هو أن تَندلِعَ، غداةَ إعلانِ نتائج الانتخابات، اضطراباتٌ أمنيّةٌ، وأن تعودَ أزمةُ المحروقات، ويَنقطِعَ الخبزُ، وتُفقَدَ الأدويةُ، وتَرتفع الأسعار، ويَتمَّ التلاعبُ بالليرةِ والدولار".
وتساءل الراعي: "ألم يكن من المفتَرضِ أن يحصلَ عكسَ ذلك فيَتأمّن ما كان مفقودًا ويَرخُص ما كان غاليًا؟ إن هذا التطوّرَ المشبوه يؤكّدُ مرّةً أخرى أنَّ هناك من يُريد تعطيلَ واقعَ التغييرِ النيابيٍّ وحركةَ التغييرِ السياسيِّ، والانقلابَ على نتائجِ الانتخاباتِ والهيمنةِ على الاستحقاقاتِ الآتية. إننا نرفض هذا الأمر وندعو جميعَ المسؤولين والقادة إلى تحمّل المسؤوليّة وندعو الشعب إلى التصدي له".
وأضاف: "كنّا نتوقّع أن يبدأ التغيير بإصلاح أداء بعض القضاة، والالتزام بأصول المحاكمات، بحيث تتوقّف "فبركة" الملفات ولصق "تهمة" التعاون مع العدوّ، والتوقيف ظلمًا وتشفّيًا لأسباب سياسيّة وحزبيّة"، موضحاً أنّه "زارنا مساء أمس عدد غفير من المستنكرين الرافضين توقيف طوني خوري لدى المحكمة العسكريّة منذ أسبوعين لسبب لا يستحقّ هذا الإجراء، فإنّنا نطلب من السلطات القضائيّة المعنية رفع الظلم والتقيّد بالأصول القضائيّة، لئلا يتحوّل نظامُنا الديموقراطيّ إلى نظام قمعيّ توتاليتاريّ واستبداديّ. فيا حبّذا لو يقوم القضاء بواجباته بشأن تفجير مرفأ بيروت، وتجاه الذين نهبوا المال العام وأفلسوا الدولة، وزجّونا في العتمة، والذين يخزّنون الأدوية ويتلاعبون بالدولار ويحطّون من قيمة الليرة اللبنانيّة. لكنّ هؤلاء، وبكلّ أسف، محميّون من النافذين المستفيدين. فيا للعار!".
كما رأى الراعي أن "قيمةَ القِوى الفائزةِ بالأكثريّةِ ليست بعددِ نوّابِها، بل بقُدرتِـها على تشكيلِ كُتلٍ نيابيّةٍ متجانِسةٍ ومتَّحدةٍ ومتعدّدةِ الطوائف حولَ مبادئ السيادةِ والاستقلال والِحياد واللامركزيّة"، لافتاً إلى أن "انتخاب مجلس نيابيّ جديد هو بدء مرحلة مصيريّة يتوقف عليها مُستقبلُ لبنان وشكلُ الدولةِ اللبنانية".
وتابع: "نحن أمام استحقاقات تبدأ بانتخابِ رئيسٍ للمجلسِ النيابيِّ الجديد على أسُسِ الدستورِ والميثاق، وتَـمرُّ بتأليفِ حكومةٍ وطنيّةٍ على أسُسِ التفاهمِ المسبَقِ على المبادئ والخِيارات والإصلاحات فلا تَتعطّل من الداخل، ثمّ تَصل إلى انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجُمهورية على أسُسِ الأخلاقِ والكفاءةِ والتجرّدِ والشجاعةِ والموقِفِ الوطنيّ"، مشدّداً على أن "ليس الفوزُ في الانتخاباتِ النيابيّةِ نهايةَ النضالِ بل بدايتَه"، داعياً "المواطنين لاسيّما أولئك المؤمنين بالتغييرِ الإيجابيِّ وبالسيادةِ الوطنيّةِ وبوِحدةِ السلاحِ وبالحيادِ وباللامركزيّةِ إلى اليقظةِ والاستعدادِ لمواجهةِ الالتفافِ على الإرادةِ الشعبيّةِ حتى لا يَضيعَ صوتُ الشعبِ الصارخ في وجهِ المصالح السياسيّةِ والتسوياتِ والمساوماتِ وتقاسم المناصب على حسابِ المبادئ".
في الختام، قال الراعي: "نسأل الرب أن يقود ذوي الإرادات الحسنة إلى استكمال هذه المرحلة الدستوريّة بتأليف حكومة جديدة تتولّى مسؤوليّاتها العديدة والضروريّة لكي تستعيد البلاد حيويّتها الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة".