اعتبر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده أن الدولة تُريد أن تمحو من الذاكرة كلّ ما يُذكّر بفاجعة تفجير المرفأ، كما تحاول طمس كلّ الأدلة عوضاً من إبرازها.
وأشار في عظة الآحد إلى أنه "بعد مرور سنتين على أحد أضخم التفجيرات العالمية، لا يزال اللبنانيون عموماً، وذوو الضحايا وجميع المتضرّرين خصوصاً، ينتظرون انتهاء التحقيق وصدور نتائجه".
(الصور بعدسة الزميل حسن عسل)
وأضاف: "سنتان من الوعود الواهية، ومن القهر والفقر والذل والعتمة الشاملة. سنتان من الجدالات العقيمة، آخرها ما شهدناه في الجلسة التشريعية الأولى للمجلس النيابي الجديد، التي كنا نتوقع أن تكون جلسة إقرار مشاريع إصلاحية ضرورية، فإذا بها تقف شاهدا على أن المسؤولين في هذا البلد لا يهتمون بالإصلاح، ولا يعرفون التكاتف، لكنهم يمتهنون التناكف. سنتان مضتا والشعب يئن فقراً وجوعاً وعطشاً ومرضاً، وما من مستمع لتأوهاته سوى الإله الرحوم الذي يرسل من يغدقون من محبتهم ورحمتهم ليساندوا أبناء جلدهم، فيما أصحاب الجلود القاسية ما زالوا يتحاصصون، ويتاجرون بدماء الأبرياء الذين قدموا على مذبح الوطن. سنتان مرتا، والعملة الوطنية تنحدر مع المواطن إلى الجحيم، ولم يستطع أحد ممتهني الخطابات والتصريحات والوعود من كبح جماح الإنحدار الإقتصادي، بسبب تعنتهم والسعي وراء مصالحهم الشخصية، ففضلوا المماطلة على العمل الجدي لإنقاذ من وما تبقى في بلد فجرت عاصمته، وهاجر أبناؤه وتعطلت إدارته ويئس شعبه وفقد ثقة العالم به، بلد يعاني أزمات مالية وإقتصادية ومعيشية وسياسية، والتواصل فيه معدوم بين من يجب أن يكونوا مركز القرار والعاملين على إنجاز الإصلاحات".
(الصور بعدسة الزميل حسن عسل)
وتابع عوده: "سنتان مرتا، وفي كل يوم منهما كان يتم إلهاء الشعب عن الواقع المر بأزمة أو قضية، سياسية أو إقتصادية أو دينية أو إجتماعية. حيكت الملفات، ابتدعت قضايا، برئ مجرمون وجرم أبرياء، كل ذلك من أجل إضاعة البوصلة عن درب الحقيقة. اليوم، وبعد عامين، نعيد المطالبة، باسم جميع أبناء بيروت المنكوبة، ببذل أقصى الجهود من أجل استكمال التحقيق وإظهار الحقيقة كاملة، وتطبيق القانون على كل من يظهرهم التحقيق على صلة قريبة أو بعيدة بتفجير المرفأ. بعيد التفجير وعدنا بتحقيق سريع يستغرق خمسة أيام. وها عامان ينقضيان ولا تحقيق ولا حقيقة، بسبب تعطيل التحقيق حينا والإستقواء على المحقق أحياناً".
كما اعتبر أن كل ذلك من أجل "تضييع الحقيقة وطمس كل ما يساهم في كشفها"، مؤكّداً أن "ضحايا الجريمة يُقتلون مجدّداً مع كل ذكرى تمر، والمصابين وكل من تأذى في جسده أو ممتلكاته يكتوي بنار الغضب مع كل يوم يمر دون أن يحرك المسؤولون ساكناً لحل هذه المعضلة".
ورأى أن "الدولة تريد أن تمحو من الذاكرة كل ما يذكر بفاجعة بيروت، لذا تهمل ما يحصل في الأهراءات من حرائق قد تؤدّي إلى سقوطها، بعد أن قوبل إعلانها عن نيتها بهدم الأهراءات بالرفض والإستهجان"، لافتاً إلى أن "الدول الراقية تخلّد ذكرى المآسي التي تعيشها بالمحافظة على الشواهد عليها، فيما تحاول دولتنا طمس كل الأدلة عوض إبرازها لتكون عبرة للمستقبل".
وقال عوده: "ليست القوة ما يبني الأوطان. الأوطان تبنى على العدالة واحترام القوانين وتطبيقها، وعلى حفظ سيادتها مصانة من كل تعد، وعلى وحدانية قرارها وجهوزية جيشها وتماسكه. لذلك، لا بد لنا في العيد السابع والسبعين للجيش، من الدعاء إلى الرب إلهنا كي يحفظ جيش بلادنا، قائداً وضباطاً وعناصر، وأن يعضده في مهامه الوطنية، وأن يرحم كل من ارتقى منه شهيداً، وأن يمنحه القوة والغلبة على كل متربص، كونه الوحيد المتمتع بشرعية الدفاع عن كل شبر من أرض هذا الوطن الحبيب".
هذا وشدّد عوده على أن كل لبناني أينما كان عليه التشبث بأرضه وألّا يسمح لأصوات التفرقة بأن تعلي الحواجز بين الإخوة. الزعماء فانون، مع أنهم يتصرفون وكأنهم خالدون، أمّا الوطن فباق، ولن يتحرّر إلّا بسواعد أبنائه المتحدين، الذين عليهم ألّا ينتظروا المصائب ليجتمعوا، بل أن يبقوا يداً واحدة في وجه كل خطر وشر ومكيدة".