النهار

"حتّى أنتَ يا بروتوس"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#
لوحة "إديس مارس، عام 44 ق.م" لستيفن غيرتسون.
A+   A-
"أعظم خيانة سجّلها التاريخ"، وفقا للوصف. النص الذي يتناقله مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي يتناول عبارة "حتى أنت يا بروتوس؟"، التي "قالها الديكتاتور الروماني يوليوس قيصر بعد تلقيه الطعنة الأخيرة التي قضت عليه". وفقا للمزاعم. غير أنّ هذا الادعاء غير صحيح. في الواقع، هذه العبارة جعلها الشاعر والكاتب المسرحي والممثل الإنكليزي وليم شكسبير على لسان قيصر في مسرحيته "مأساة يوليوس قيصر" عام 1599، وفقاً لحصيلة شرح قدّمه أستاذ التاريخ في جامعة موراي في كنتاكي بالولايات المتحدة الأميركية الدكتور آرون ايرفين لـ"النهار". FactCheck#
 
"النّهار" دقّقت وسألت من أجلكم 
 
الوقائع: التشارك في النص تكثّف أخيرا، عبر صفحات في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...). ووفقاً لما جاء فيه (من دون تدخل)، فإن "عبارة حتى أنت يا بروتس قالها يوليوس قيصر بعد تلقي الطعنة الأخيرة التي قضت عليه". "فقد تعرض لخيانة كل من وثق بهم واتفقوا جميعاً على قتله ثم اجتمعوا به وانهالوا عليه بطعنات متفرقة في جسده، لكن رغم ذلك، ظل واقفاً ولم يسقط... حتى رأى صديق عمره بروتس... وكانت في عينيه نظرة رجاء وأمل. ثم وضع يده على كتفه معتقداً أن صديقه سينقذه، لكنه قام بطعنه هو الآخر، وهنا قال جملته الشهيرة: حتى أنت يا بروتس؟!! إذاً فليمت قيصر... وكانت طعنة بروتوس قاتلة بخلاف كل الطعنات الأخرى...".  
 
 
التدقيق: 
غير أن ما يزعمه هذا النص غير صحيح، وفقاً لما يتوصل اليه تقصي صحته. 
 
في الواقع، لا توجد معلومات تاريخية تثبت قول الديكتاتور الروماني الشهير يوليوس قيصر (100 ق.م؟- 44 ق.م) عبارة "حتى انت يا بروتوس؟ او ?Et tu, Brute باللاتينية، لدى طعن بروتوس له، وفقا لما يتوصل اليه سؤالنا وتحقيقنا. وما نعرفه عن اللحظات الاخيرة لقيصر وكتابات مؤرخين عنها يقودنا، في نهاية المطاف، إلى إنكلترا. 
 
*ما الذي حصل يوم اغتيال قيصر في 15 آذار عام 44 ق. م؟ 
ما نحن أمامه، اي اغتيال يوليوس قيصر، "قد يكون أكثر اللحظات أهمية في التاريخ الروماني"، على قول استاذ التاريخ في جامعة موراي في كنتاكي بالولايات المتحدة الاميركية الدكتور آرون ايرفين Dr. Aaron Irvin لـ"النهار". في قراءة هذا المحاضر والباحث في التاريخ، "كانت وفاة قيصر بمثابة النهاية الفعلية للجمهورية الرومانية وصعود فصيل قيصر السياسي إلى موقع الهيمنة السياسية المطلقة. وبسبب أهمية هذه اللحظة للنظام اللاحق، تظهر في مصادرنا نسخة موحدة إلى حد ما للأحداث حول الاغتيال، مع اختلاف بسيط أو معدوم بين مصادرنا الرومانية".
 
وما تخبره المصادر هو أن "مؤامرة ظهرت بين مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، بقيادة كاسيوس لونجينوس في البداية. وفي حين يبدو أن القصة الرسمية كانت أن حوالى 60 من أعضاء مجلس الشيوخ متورطون في المؤامرة، إلا أن 20 متآمرًا فقط معروفون على وجه اليقين"، على ما يفيد الدكتور ايرفين. 
 
ويتعمق في الحيثيات السابقة للاغتيال، لفهم سياقه والاشخاص المشاركين فيه. "في الحرب الأهلية السابقة بين قيصر وبومبي، وجد ماركوس جونيوس بروتوس نفسه محاصرًا بين ولاءات مختلفة. وكانت والدته سيرفيليا أقامت علاقة طويلة الأمد وعلنية بقيصر. وقيل إن قيصر كان بمثابة أب بديل لبروتوس، علما ان بومبي أعدم الوالد الحقيقي لبروتوس. ولذا كان من المتوقع أن يتحالف بروتوس مع قيصر. وبدلاً من ذلك، تحالف مع بومبي، معتقدًا أن لديه شرعية أكبر في المطالبة بالسلطة، رغم أنه كان يرفض التحدث اليه على انفراد".
 
ويتابع: "بعد هزيمة بومبي في فارسالا، اتصل بروتوس بقيصر، وتم الترحيب به في معسكر قيصر، حتى أنه تم منحه السيطرة على شمال إيطاليا بينما كان قيصر يطارد أعداءه الباقين في غرب البحر الأبيض المتوسط. وعند عودة قيصر إلى روما، وجد بروتوس مسيرته معزّزة بالعديد من الألقاب والأوسمة، مع دعوة مفتوحة إلى الدائرة الداخلية لقيصر.
 
وقد ادعت عائلة بروتوس أنها تنحدر من لوسيوس جونيوس بروتوس، الذي يُنسب إليه الفضل في تحدي الملك المستبد تاركوينيوس سوبربوس، وإطاحة النظام الملكي الروماني، وإنشاء الجمهورية الرومانية عام 509 ق. م. وكان هناك قدر هائل من الرمزية والتأثير الثقافي المرتبط بمشاركة بروتوس، إما مع فصيل قيصر، إما مع الفصيل المناهض للقيصرية. وربما كان هذا هو السبب أيضًا وراء سعى قيصر إلى تنمية علاقة شخصية ببروتوس وكسبه لجعله أحد أنصاره. وبالمثل، عملت شخصيات، مثل كاسيوس ومتآمرين آخرين، بجد لجعل بروتوس إلى جانبها. وبمجرد انضمام بروتوس إلى المؤامرة ضد قيصر، أصبح على الفور تقريبًا وجهها، سواء كقائد مؤثر حقًا أو ببساطة كرئيس صوري. وقد عرف القتلة أن صورة بروتوس وهو يسقط ملكًا وطاغية محتملاً كانت رمزًا قويًا للشعب الروماني".
 
وما حصل يوم اغتيال قيصر "سلسلة أحداث تتفق جميع المصادر عليها"، بتعبير الدكتور ايرفين. "صباح يوم 15 آذار عام 44 ق.م، كان ماركوس أنطونيوس وبعض أتباع قيصر الأكثر ثقة غير متنبهين وبعيدين عن قيصر، بينما احتشد المتآمرون تدريجيًا وعزلوا قيصر، مستخدمين استدعاء أحد الرومان البارزين من المنفى كذريعة لنقاش سياسي مكثف. فجأة، سحب السيناتور الأقرب توجا (ثوب رومانيّ فضفاض) قيصر الى الأسفل، وسدّد كاسكا، الذي كان تمركز بعناية في مكانه، الضربة الأولى الى رقبة قيصر. وتردّد أن الجمع أصيب بصدمة للحظة، قبل أن يتمكن كاسكا من طلب المساعدة، وانقض القتلة على قيصر وطعنوه 23 مرة، وكذلك جرحوا أنفسهم وبعضهم البعض خلال العراك".
 
*ما الذي نعرفه عن اللحظات الأخيرة لقيصر؟  
بالنسبة إلى الكلمات والأفعال الأخيرة لقيصر ساعة الاغتيال، فإن الدكتور ايرفين يشير الى مصدرين فقط، "غير نموذجيّين"، الاول "حياة قيصر" لسويتونيوس Suetonius، المؤرخ الروماني، والآخر "التاريخ الروماني" لكاسيوس ديو Cassius Dio، المؤرخ الروماني. لكن "حكاية ديو جزئية، ومن المحتمل أنه استخدم سويتونيوس كمصدر أساسي له؛ وبالتالي فإن حكايته تكرار للتقليد السابق من سويتونيوس"، على ما يوضح.
 
سويتونيوس، اذاً. و"توافق حكايته على أن قيصر تأوه وسقط على الأرض وهو ينزف، محاولًا تغطية رأسه بثوبه. وفي هذا يتوافق سويتونيوس مع الروايتين المنفصلتين لكل من المؤرخين اليونانيين بلوتارخ Plutarch وأبيان Appian"، على ما يقول الدكتور ايرفين.
 
ويتدارك: "مع ذلك، فإن سويتونيوس يضيف بعد ذلك أنه، وفقًا لبعض التقاليد، كانت الكلمات الأخيرة لقيصر موجهة إلى بروتوس، وكانت باليونانية kai su teknon (كاي سو تيكنون)، أو ما معناه تقريبًا "وأنت أيضًا، يا ولد؟ (الترجمة الى الانكليزية ?and you too, child)".
 
في المعلومات، كان سويتونيوس "يعمل بيروقراطيا، بحيث خدم أعضاء في مجلس الشيوخ عندما كان شابًا. ثم كان فردا من موظفي المقاطعات، وأخيراً حافظ المحفوظات الإمبراطورية والسكرتير الشخصي للإمبراطور هادريان". و"هكذا تمكن من الوصول إلى بعض المراسلات والدوريات الخاصة لأفراد العائلة الإمبراطورية، والتي أدرج بعضها في سيرته الذاتية عن الأباطرة الرومان"، على ما يوضح الدكتور ايرفين.
 
ويستنتج ان "سويتونيوس لا يختلف، في الأساس، مع التقليد القائل بأن قيصر كان صامتًا، وسعى إلى تغطية نفسه عند الموت. ويضيف ببساطة ملاحظة مفادها أن هناك تقليدًا بديلًا، بحيث تحدّث قيصر أيضًا إلى بروتوس قبل الموت". ويتدارك: "كان اغتيال قيصر لحظة مهمة للغاية. لذا فإن توحيد السرد بين مصادر متعددة ليس مفاجئًا".
 
ويتابع: "كان سويتونيوس في وضع يسمح له بالوصول إلى تقاليد وروايات بديلة، مما يشير إلى أنه ربما كانت هناك في وقت من الأوقات نسخة من السرد، حيث واجه قيصر بروتوس، ولكن تم التخلي عنها لما أصبح النسخة الرسمية لقيصر يغطي نفسه، بصمت في النهاية". 
 
بين سويتونيوس وشكسبير... و"توقّعات الجمهور"
من روما... إلى انكلترا. 
 
 ونصل الى المرحلة التي تمكّن فيها الشاعر والكاتب المسرحي والممثل الإنكليزي وليم شكسبير (1564- 1616) من الوصول إلى الطبعات الإنكليزية لكل من بلوتارخ وسويتونيوس. ويفيد الدكتور ايرفين أنه "قد تمت ترجمة سويتونيوس إلى الإنكليزية في وقت مبكر من القرن الثاني عشر الميلادي. وبالتالي كان جمهور شكسبير على دراية بحكايات سويتونيوس، بما في ذلك النسخة البديلة من وفاة قيصر، علماً أن أجزاء مهمة من كتاب "حياة قيصر" لسويتونيوس كانت جزئية أو مفقودة تمامًا".
 
نقطة أخرى. "كان كتاب "حياة موازية" لبلوتارخ المصدر الرئيسي لشكسبير. وبعد أول اصدار للعامة في البندقية عام 1470، تُرجمت كتابات بلوتارخ من اليونانية إلى الفرنسية على يد جاك أميوت عام 1559، ومن الفرنسية إلى الإنكليزية على يد السير توماس نورث عام 1579، ثم تمّ إصدار طبعة ثانية موسعة عام 1595". ومن ترجمات نورث لبلوتارخ، "اقتبس شكسبير مباشرة"، على ما يوضح الدكتور ايرفين، مشيرا الى ان "استخدام شكسبير لبلوتارخ سمح له بالوصول إلى حكايات مختلفة قليلاً وتمثيلات لتلك الشخصيات التاريخية". 
 
ولأنه "كانت هناك توقعات من الجمهور يجب تحقيقها"، بتعبيره، "فقد ضمّن شكسبير مسرحيته "مأساة يوليوس قيصر" التي عرضت عام 1599، عبارة ?et tu, Brute (اي حتى انت يا بروتوس؟)". ونجدها في المشهد 1 من الفصل III فيها (هنا، هنا، هنا). 
 
 
ويقول الدكتور ايرفين: "حتى في ذلك الوقت، استبدل شكسبير العبارة اليونانية في سويتونيوس kai su teknon (وأنت أيضًا، يا ولد) باللاتينية". في رأيه، يعطي شكسبير هذا  التصريح باللاتينية "درجة من الحزن والخيانة اللذين لا نجدهما في التصريح الأصلي" باليونانية.
 
ويشرح: "عبارة Kai su teknon (وأنت أيضًا، يا ولد) هي أكثر ازدرائية ورفضًا وعدائية من كونها أسى، بحيث تشكل اذلالاً لبروتوس باعتباره مجرد ولد غير ناضج وأحمق، إهانة أخيرة له قبل وفاة قيصر. وبالنسبة إلى شكسبير، فإن الخيانة هي التي تنهي قيصر أكثر مما تفعل طعنات القتلة. فقيصر قضى عليه شخص كان ينظر إليه كابن وربيب، وهو توصيف لعلاقتهما المستقاة بشكل كبير من "حياة بروتوس" لبلوتارخ".
 
 

اقرأ في النهار Premium