"عم ينحكى كثير عن الموضوع". الصورة التي يتناقلها مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا عبر الواتساب، تظهر "مقالة كتبها مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، قبل 11 عاما، عن خفض عدد السكان من خلال اللقاح الاجباري"، وفقا للمزاعم المرفقة، وذلك دليلا على مؤامرة من تدبير غيتس، خصوصا حول تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم وأخذ اللقاحات ضدّه. غير أن هذا الادعاء لا اساس له. في واقع الامر، هذه المقالة لم يكتبها غيتس، بل نشرتها الصحيفة الايرلندية The Sovereign Independent عام 2011، لمهاجمة اللقاحات عموماً. ونشرت اقتباسا لغيتس، في شكل مجتزأ وبعيد من سياقه الحقيقي، من محاضرة ادلى بها عام 2010 ضمن أحاديث TED. وما عناه غيتس هو انه يمكن إبطاء النمو السكاني في العالم من خلال تأمين الرعاية الصحية واللقاحات الجديدة وخدمات الصحة الإنجابية للناس. FactCheck#
"النّهار" دقّقت من أجلكم
الوقائع: امرأة مبتسمة، وكانت تحمل بين يديها نسخة من جريدة The Sovereign Independent، وفقاً لما يُقرأ عليها. هذه الصورة تنتشر بكثافة في صفحات وحسابات، في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا...)، وايضا عبر الواتساب. وقد أرفقت بالمزاعم الآتية (من دون تدخل أو تصحيح): "شكرا لهذه المرأة الرائعة التي اختفظت بنسخة من صحيفة Sovereign Independent منذ 11 عاما، وتحوي مقالا ل بيل جيتس وعنوانه: Depopulation through forced Vaccination تخفيض عدد السكان من خلال اللقاح الاجباري".
الصورة تنتشر ايضا في حسابات أجنبية، بالمزاعم ذاتها، لا سيما الانكليزية (هنا، هنا، هنا، هنا...).
التدقيق:
ما الذي نقرأه في نسخة صحيفة The Sovereign Independent، التي كانت المرأة في الصورة تحملها؟
العدد يعود الى حزيران 2011، الاصدار الرابع، وفقا لما طُبِع على الصفحة الاولى للجريدة، تحت اسمها في الاعلى الى اليسار. عنوان المانشيت: Depopulation Through Forced Vaccination: The Zero Carbon Solution اي تقليل عدد السكان من خلال التطعيم الاجباري: حلّ الصفر كربون. واضيفت الى جانبه صورة لمؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، مع اقتباس له: "يبلغ عدد سكان العالم اليوم 6.8 مليارات نسمة. ويتجه صعودا إلى حوالى 9 مليارات. الآن، إذا قمنا بعمل رائع حقًا في مجال اللقاحات الجديدة والرعاية الصحية وخدمات الصحة الإنجابية، فيمكننا خفض ذلك بنسبة 10 أو 15 في المائة على الأرجح".
وقد وقّعت الصحيفة هذا الاقتباس بـBilly ‘the kid killer’ Gates، اي بيلي الطفل القاتل غيتس. وهنا رابط يقود الى نسخة الجريدة محفوظة بكاملها (هنا ايضا). الصحيفة الايرلندية التي امكن العثور على عدد قديم لها يرجع الى ايلول 2009 (هنا، وهنا)، توقفت عن الصدور منذ اعوام عدة.
وفي هذا السياق، نشرت الصحيفة مقالة رئيسية من توقيع راشيل ويندير Rachel Windeer، هاجمت فيها التلقيحات وحذّرت منها، لـ"كونها خدعة".
وبالتالي، هذا يعني ان لا صحة للمزاعم المتناقلة ان "بيل غيتس كتب مقالة بعنوان: خفض عدد السكان من خلال اللقاح الاجباري". المقالة بالعنوان المتناقل يحمل توقيع راشيل ويندير.
وفي تتمة تلك المقالة، في الصفحة 10، ذكرت ويندير ان اقتباس غيتس المنشور في الصفحة الاولى من الجريدة يعود الى محاضرة القاها خلال احاديث TED عام 2010.
- حقيقة تصريح غيتس -
في واقع الامر، حملت محاضرة غيتس، ضمن احاديث TED عام 2010، عنوان: Innovating to Zero (الابتداع الى الصفر). وقد ركّز فيها في شكل اساسي على الطاقة والمناخ، عارضا "رؤيته الى مستقبل الطاقة في العالم. وتكلم على الحاجة إلى "معجزات" لتجنب كارثة كوكبية، شارحا سبب دعمه لنوع مختلف تمامًا من المفاعلات النووية. الهدف الضروري؟ صفر انبعاثات الكربون على مستوى العالم بحلول عام 2050" (هنا، وهنا ، هنا نص مداخلته).
ما لفت اليه غيتس، في تلك المحاضرة، هو "تأثير الطاقة والمناخ"، لا سيما التغير المناخي و"انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تتسبب بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض"، على حياة الناس، خصوصا الفقراء منهم. وركز على تحقيق صفر انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، و"هذا تحدٍ كبير"، على قوله، مناقشا افكارا واقترحات لتحقيق ذلك.
وفي هذا السياق تحديداً، جاء الاقتباس الذي نشرته الصحيفة الايرلندية، وقد اجتزأته بطريقة خاطئة من اطار أكبر، الامر الذي ابعده عن مجراه الصحيح. فبالاطلاع على مداخلة غيتس، واضح انه لم يكن يقصد، بكلامه، "خفض عدد سكان الأرض من خلال اللقاح الاجباري"، كما يتم زعمه خطأ. فما اقترحه غيتس هو انه يمكن إبطاء النمو السكاني في العالم من خلال تقديم الرعاية الصحية واللقاحات الجديدة وخدمات الصحة الإنجابية للناس.
وهذا الاقتراح حول ابطاء النمو السكاني تكلّم عليه غيتس مرارا، وشرحه بتعابير مختلفة (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا). مثلا، قال: "المشكلة هي أن السكان ينمون بشكل أسرع حيث يكون الناس أقل قدرة على التعامل معها. إذاً، في أفقر الأماكن سيتضاعف عدد السكان ثلاث مرات بحلول عام 2050. وبالتالي فإن قدرتهم على التغذية والتعليم وتوفير الوظائف والاستقرار وحماية البيئة في تلك المواقع تعني أنهم يواجهون مشكلة شبه مستحيلة... لذا فإن ما نحتاج إلى القيام به هو أن نقدم الى النساء في تلك الاماكن أدوات أفضل، بحيث يرغبن في تباعد الولادات أو الحصول على حجم اصغر للعائلة، وتحسين الصحة، لانه عندما يبقى الأطفال على قيد الحياة، يشعر الآباء بأن لديهم عددًا كافيًا من الأطفال لإعالتهم في شيخوختهم. ولذا يختارون إنجاب عدد أقل من الأطفال".
ما يؤمن به غيتس بوضوح هو ان "النمو السكاني ينخفض عندما نحسن الوضع الصحي" للناس، و"كلما حسّناه، ينخفض حجم العائلة أكثر" (هنا، هنا...). وهذا الرأي يعاكس تماما الكلام في المنشور المتداول.
منذ انتشار وباء كورونا، استهدف غيتس بالعديد من الاخبار الكاذبة. وقد نشرت "النهار" مقالات تدقيق عدة فيها.
النتيجة: اذاً، لا صحة للمزاعم ان بيل غيتس كتب مقالة عن "خفض عدد السكان من خلال اللقاح الاجباري". في واقع الامر، هذه المقالة نشرتها الصحيفة الايرلندية The Sovereign Independent عام 2011، لمهاجمة اللقاحات عموما، ونشرت اقتباسا لغيتس، في شكل مجتزأ بعيد من سياقه الحقيقي، من حديث ادلى به عام 2010.
المنطقة وسط أجواء أو تفاعلات حربية مع هوكشتاين ومن دونه، لذا ليس في جعبته ما يعطيه للبنان، كما ليس لأي أحد ما يعطيه للفلسطينيين في هذه الظروف والمعطيات.