من المتعارف عليه لدى كثيرين أن ينام الأهالي بالقرب من أطفالهم من أجل سلامتهم وحمايتهم، ولسهولة الرضاعة الطبيعية والنوم للوالدين. لكن في التاريخ الحديث، علت دعوات الانفصال بين الوالدين وطفلهما في السرير، ليصبح موضوع "مشاركة السرير" واحداً من المواضيع الجدلية، ويندرج بين مؤيد ومعارض، وما بين شعور الأطفال وراحة الأهالي النفسية والعقلية ورفاههم.
ننطلق من دراسة بعنوان "Associations between bed-sharing in infancy and childhood internalizing and externalizing symptoms" بحثت في ما إن كانت مشاركة الأطفال النوم في سرير أهاليهم في عمر 9 أشهر، مرتبطة بمسارات الأعراض الداخلية والخارجية في مرحلة الطفولة. وتوصّلت إلى غياب أي من الارتباطات في هذا الإطار، إذ إنّه ليس للمشاركة تأثير إيجابي أو سلبي، فيما مشاركة السرير خلال النصف الثاني من العام الأول من غير المرجح أن يكون لها تأثير على التطوّر العاطفي والسلوكي اللاحق للأطفال. ومقابل هذه الدراسة الغربية، دراسات غربية أخرى توصّلت إلى نتائج مختلفة تنادي بمشاركة السرير.
تاريخياً... النوم جماعي
كان النوم مع الآخرين يُنظر إليه غالباً على أنّه وسيلة لزيادة الأمن الشخصي وتوليد الدفء. مع تقدّم المجتمع، ومنذالقرن الخامس عشر، أصبحت أماكن النوم الفردية أكثر شيوعاً ونُظر إليها كمؤشر على الثروة والازدهار الناشئ في العديد من البلدان الغربية. وبمرور الوقت، تغيّرت المبادئ التوجيهية الاجتماعية حول مَن ينام مع مَن، واستمر هذا في عكس التغييرات الأوسع في القيم الاجتماعية والثقافية والأسرية حول الانتماء والهوية والرعاية والحميمية والاستقلال.
مؤيدو مشاركة السرير
وفي العديد من مقالاته العلمية المئة والخمسين حول نوم الأطفال، أكّد عالم الأنثروبولوجيا ومؤلف كتاب "نوم الرضيع الآمن: إجابات الخبراء عن أسئلتك حول النوم المشترك"، جيمس ماكينا، أنّ معتقداتنا وقراراتنا بشأن نوم الأطفال هي انعكاس للثقافة التي نعيش فيها أكثر منها انعكاساً للأدلة العلمية لما هو الأفضل للأطفال، إذ يعمل الأهالي كنوع من منظّم خارجي للطفل الحديث الولادة. فعندما ينامون معاً، معدلات ضربات القلب، وموجات الدماغ، وحالات النوم، ومستويات الأوكسجين، ودرجة الحرارة، والتنفس... يؤثر بعضها على بعض. ورغم أنّ الاستيقاظ ليلاً أمر غير مرغوب فيه، فإنّه أكثر أماناً، خاصة في الأشهر الأولى من الحياة. لكن بعد الأشهر الستة الأولى،تكون فيزيولوجية الطفل أكثر استقراراً، ويمكن حينها تغيير مكان النوم، وهذا يعود إلى عوامل مثل المعتقدات الثقافية، ورفاهية الأسرة عموماً، ومزاج الطفل الفردي أو احتياجاته الطبية.
كذلك، أظهرت دراسة أخرى بعنوان " Asynchrony of mother–infant hypothalamic–pituitary–adrenal axis activity following extinction of infant crying responses induced during the transition to sleep"، أُجريت على أطفال تراوح أعمارهم بين أربعة إلى عشرة أشهر فُصلوا للتدريب على النوم، أنه على الرغم من هدوء سلوك الأطفال في الليلة الثالثة، إلّا أنّ مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) ظلت مرتفعة.
الاعتدال مطلوب لتعزيز استقلالية الطفل
د. ربى موسى - معالجة نفسية متخصصة بالعلاجات العائلية النظمية
يجب الفصل بين نوم الطفل في السرير نفسه مع والديه، وفي سرير منفصل عنهما في الغرفة نفسها. ومن غير المحبَّذ أن يتشارك الطفل السرير مع والديه مهما كان عمره، وفق دراسات عديدة، إذ أوّل ما يُخاف منه هو الموت المفاجئ لحديثي الولادة أو الاختناق، إذا ما كانوا في سرير واحد مع أهاليهم، إضافة إلى صحة الطفل لناحيةحساسية جلده وإمكانية إصابته بأي فيروس.
ولنوم الطفل في سرير منفصل عن والديه في الغرفةنفسها فوائد عديدة، منها عدم تعرّضه للانفصال عنهما فجأة وتعزيز شعوره بالأمان وزيادة تعلّقه العاطفي والحفاظ على نوم هادئ وعلى درجة حرارة جسمه ثابتة.
موضوع نوم الطفل مع الأهل مسألة ثقافية تختلف بين المجتمعات وإن كانت الناحية العاطفية مشتركة بينها كلّها. وفيما تتّجه المجتمعات الغربية إلى تفضيل العلم ظنّاً منهم أنّهم يوفّرون الأفضل لطفلهم ولو على حساب عاطفتهم، أحياناً في المجتمعات العربية، يدرك الوالدان مخاطر نوم طفلهما معهما لكنهما يغضّان النظر بسبب التعلّق العاطفي به أو للتخفيف من المجهود والتعب الليلي للانتقال بين غرفة وأخرى.
وفيما يواجه الأهالي تحدياً لناحية تطبيق فصل الطفل عن النوم معهم وفي معظم الحالات هو أمر لا يطبّقونه، بينما الأصحّ لكلّ من الوالدين والطفل، أن يُطبّق هذا الفصل خلال النوم.
وعن النوم الأمثل للطفل، تنصح بعض الدراسات بأن ينتقل الوالدان إلى غرفته ولا سيما إذا كانت الأم ترضّع، لكن لا ينبغي أن يكون التعلق العاطفي غير آمن، بحيث يجبأن يعتاد الطفل على الشعور بالأمان في غرفته لا في غرفة والديه.
في عمر الستة أشهر، يمكن أن يبدأ الوالدان بالانفصال التدريجي عن طفلهما بعد التأكّد من جميع الظروف الصحية والآمنة لنومه وحده في غرفته. وحالياً سهّلت التكنولوجيا مراقبة الأطفال عن بُعد.
في ما يتعلق برفاه الوالدين وحياتهما كزوجين، فهو يتأثر طبعاً بنوم الطفل بينهما ولا سيما العلاقة الجنسية التي تتراجع في حالات كثيرة مع ولادة الطفل الأول. إضافةإلى ذلك، فإنّ عدم تمكن الوالدين من النوم الكافي يؤثر على صحتهما النفسية، فقلة النوم تؤثر على انفعالاتهما وعلاقتهما مع المحيط. لذا، فإنّ نوم الطفل بعيداً عن والديه مهم لنظام الأسرة ككل، ومن المهم أن يفهم الطفل أنّ للوالدين خصوصيتهما، وألّا يعتاد أن ينام معهما حتى عمر كبير، إذ يصبح حينها الانفصال أصعب. فعلى الطفل أن يعرف أنّ هناك حدوداً عليه عدم تخطيها وأن يعتاد على الاستقلالية.