النهار

معرض صور Beyrouth - Beirut لفاديا أحمد:\r\nكيف نتصالح مع العاصمة الجريحة صاحبة الابتسامة العارفة؟
معرض صور Beyrouth - Beirut لفاديا أحمد:\r\nكيف نتصالح مع العاصمة الجريحة صاحبة الابتسامة العارفة؟
A+   A-

القصّة بدأت من "شي 6 أو 7" سنوات. مدينة "مهيوبة" مسكونة بالذكريات. لم تفلت من "براثن الدماء". الحرب "الاستبداديّة" مرّت من هُنا. كانت لها أحاديث دمويّة استمرّت سنوات. ها هو طيفها يترنّح على الجُدران بما يُشبه الاعتداد. وها هي الآهات وثوب الحسرة ووشاح الخوف، وعناصر أخرى، تُجسّد ابتسامة صغيرة عارفة، تتربّص خلف النوافذ وما تبقّى من الغصّة، ما تبقّى من الغابة الصغيرة التي اشتعلت، وتجسّد لهيبها بحرقة عالقة في الحلق. سنوات طويلة "طرحت أرضاً" الأمل في البدايات. وما أجمل سحر البدايات!

كيف نتصالح مع الماضي وحكاياته؟ كيف نقترب بضع خطوات من مدينة مرّ عليها الدهر عشرات المرّات ومع ذلك بقيت شامخة، لامبالية بكل ما قيل عنها؟ كيف نؤكّد للذين يُعانقون السلبيّة وكأنها العاشق الأبدي ويُعاملون السعادة وكأنها العاشق الذي يضطلع بدور الزائر المؤقت باستمرار بأن بيروت جميلة بالرغم من المُحاولات المُتكرّرة لإطفاء نورها؟

القصّة بدأت من "شي 6 أو 7 سنوات". نُزهة يوميّة قامت بها المُصوّرة فاديا أحمد بغضّ النظر عن الموسم والعواصف الداخليّة. كانت هذه طريقتها في التصالُح مع جذورها. مع هذه البيروت التي حلمت بها صغيرة وهي تختبئ في سطور حكاية الغربة. جرت العادة أن تنطلق مسيرتها من مار مخايل وصولاً إلى بداية الرملة البيضا. أرادت أن تسير 10452 خطوة يومياً، رغبةً منها في إلقاء التحيّة إلى مساحة أرضنا، الـ10452 كم مربع "يالّلي عاجقين الكون".

ولدت وترعرعت في إسبانيا، وعاشت بضع سنوات في أفريقيا، وكانت بيروت المدينة الفاضلة التي لم تتمكّن من لمس يدها بحثاً عن بعض أمان. كانت الحرب في عزّها، وكانت بيروت مُنهمكة في النضال. وفاديا أحمد بقيت مسكونة بالذنب لأنها بعيدة عن بلدها في وقت كان أبناء البلد يعيشون العنف خبزهم اليوميّ... وأصوات القنابل، ورقصة الدماء المُندثرة على ثوب الأرواح.

وهي صغيرة، كانت تقطن وعائلتها مدينة أليكانتي الإسبانيّة بالقرب من البحر المتوسط. وكانت والدتها تتحدث مع أولادها باللغة العربية لكي لا ينسوا اللغة الأمّ. وكانت تُردد باستمرار أن بيروت تقع في الجانب الآخر من الأفق. وكانت فاديا لا تفهم لِمَ العيش في الغُربة ما دامت بيروت "هُناك"؟! وكانت تتعب من الذين يسألونها باستمرار عن معنى إسم فاديا. عندما عادت إلى لبنان في العام 1991، اعتقدت أن الطيبة والمحبة والجمال من العناصر التي تُسيّج البلد. ولكن الواقع اختلف عن الأحلام.

وكان عليها أن تبحث عن طريقة لتُثبت بأن بيروت لا ترتدي ثوب السلبيّة، وبأنها مدينة سعيدة تليق بها الحياة. تقول لـ"النهار"، "بيروت لازم يرجعلها حقّها". وبدأت تكتب السطور الأولى لقصّتها المجنونة مع العاصمة الجريحة. وراحت تحتسي القهوة في "فيللا كلارا"، لتبدأ بعدها مسيرة الـ10425 خطوة، "يومك – يومك". كانت هذه الطريقة الفضلى لتتصل مُجدداً مع مدينتها. تلك المدينة التي كانت تحلم بها صغيرة وتتخيّلها في الجانب الآخر من الأفق.

رافقتها الكاميرا. وراحت طوال سنوات تلتقط الصور يوماً فآخر، طوال 6 أو 7 سنوات. إنضمّت إليها القيّمة على المعارض والكاتبة باسكال لو توريل بعدما قرّرت أحمد أن يكون لهذه النُزهة اليوميّة مشروعها الخاص. وأرفقت لو توريل الكتاب بنصّ يُلخّص قصّة امرأة والكاميرا الخاصة بها، والمدينة التي تغلّبت على الندوب المحفورة في عينيها. واليوم تتجسّد هذه المسيرة الحميميّة بين امراة ومدينتها في كتاب ومعرض صور مُستمر حتى الأول من تشرين الثاني، في بيت بيروت، الشاهد على ما كان يُعرف أيام الحرب بـ"الشرقيّة والغربيّة"، وتحت عنوان: Beyrouth- Beirut.

كان من المفترض أن ينتهي المعرض في 20 من الجاري، ولكن الزوّار وقعوا في حُب هذا الجمال وهذه الأناقة التي تروي من خلال حبرها فاديا أحمد وجهة نظرها عن المدينة العاشقة. على أن ينتقل المعرض إلى الأردن في المتحف الوطني للفنون الجميلة في الثالث من شباط. لقد تصالحت فاديا أحمد مع مدينتها التي تراها مرنة وقويّة تخفي خلف ابتسامتها الصغيرة عطر الحكايات.

[email protected]

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium