في سن السابعة عشرة، أصبتُ للمرة الأولى بسرطان الغدد اللمفاوية... إصابة بدأت تغيّر حياة مليئة بالتحديات في رحلة مع المرض، قلّما شهدنا لها نظيراً. تكررت الإصابة لاحقاً، لنكتب مع صديقي السرطان رحلة مؤلفة من 4 إصابات خلال عشر سنوات.
حين أصبت بالسرطان للمرة الأولى، لم أكن أعي معنى خطورة هذا المرض. كل ما كنت أعرفه أنني سأسافر إلى لندن للعلاج بعد تشخيص خاطئ من الأطباء في دبي.
آنذاك، خيّرني الطبيب بين علاجين: إما العلاج بالأشعة وهو الأسرع والأقل ضرراً، ولكن لن تكون لدي فرصة لإنجاب الأطفال مستقبلاً. وإما الخضوع للعلاج الكيميائي الذي تطول مدته كثيراً وفيه الكثير من التعب والألم، ولكن قد تكون ثمة فرصة لإنجاب الأطفال بعد الانتهاء من العلاج.
من دون تفكير، اخترت العلاج الثاني. ذلك أنني كأي فتاة، كنتُ أحلم بتكوين أسرة وإنجاب أطفال.
مرت فترة العلاج التي استمرت 9 أشهر وكأني ولدت من جديد.
خلال هذه المدة، تعرفتُ إلى الكثير من الأصدقاء الذين جمعني بهم السرطان. لم أتأثر بإصابتي بقدر ما أثر في داخلي أنني كنتُ - كل فترة - أفقد أحدهم لأن أجسادهم الصغيرة لم تكن تتحمل المرض. وبعدما منَّ الله عليَّ بالشفاء، رجعت إلى وطني وجامعتي ولكن عندما رأيت صديقات الدراسة قد سبقنني، آثرتُ ترك الجامعة ودراسة ديبلوم التأهيل التربوي، لأتوظف بعدها مباشرة في وزارة التربية والتعليم.
زوجي صادفني خلال فترة علاجي. تزوجنا برغم أنني لم أكن أتوقع أن يرغب أحدهم بالزواج مني بسبب مرضي. بعد الزواج، أكد لنا الأطباء صعوبة الحمل والإنجاب خلال هذه الفترة التي تلت العلاج بسنوات. لكن خالقي كان كثير النعم عليَّ. بعد سنة ونصف السنة، رزقتُ بابني البكر في لندن. قال لي الأطباء آنذك أنّ إنجابي طفلاً هو معجزة بحد ذاتها، مؤكدين استحالة الإنجاب مجدداً.
مرت ثلاث سنوات. رزقت بعدها بابنتي الثانية. مجدداً، اعتبر الأطباء أنني محظوظة لكوني أنجبتُ ولداً وبنتاً. أكدوا استحالة الإنجاب مرة ثالثة. بعد سنة، حملتُ بين ذراعي ابنتي الثالثة. ومن ثم رزقت بالابن الرابع والابنة الخامسة، ليصبح لدي 5 نجوم يضيئون حياتي ولله الحمد.
بعدما أطفأت ابنتي الصغرى شمعتها الخامسة، أُصبت للمرة الأولى بسرطان الثدي. اكتشفت الإصابة بنفسي بسبب حرصي على الفحص الذاتي. زوجي أتى بالنتيجة إلى المنزل. أخبرني إياها وهو يبكي لفرط خوفه من فقداني.
عشت لحظات وأياماً بانتظار موعد السفر إلى الخارج للعلاج، كانت الأصعب بالنسبة إليّ... ليس بسبب المرض، وإنما بسبب نظرات الشفقة التي كنت أراها في عيون الجميع، كذلك بسبب المسؤولية الكبيرة التي أحملها تجاه أولادي الخمسة. كنت أراهم من حولي يبكون كأني سأموت غداً، لكنني كنت أضحك على تصرفهم، وكنت أعلم يقيناً أن طريقتهم في التعبير عن خوفهم وقلقهم كانت ستتسبب لي الإحباط لولا إيجابيتي وقوّتي على التحمل.
قبل سفري بساعات، جاءتني ابنتي الصغيرة لتقول لي: "ماما أعلم ما بكِ... أنتِ تعانين السرطان، يعني سوف تموتين. لكنني أخبرتها وأنا على يقين صادق بالله سبحانه: لا يا ماما، أنا لن أموت سوف أتعالج وأُشفى وأعود إليكم بسرعة.
كلماتها شكّلت الدافع القوي للتحدي والإيمان. سافرت، وبإرادة الله فقط، تم إجراء عملية جراحية تكللت بالنجاح وتم استئصال الورم قبل أن تجرى عملية التجميل.
استمرت العملية 9 ساعات كاملة. عانيت الكثير من الآلام بعدها، لكنني كنت أقوى وأكثر صلابة.
عدتُ إلى أسرتي، وأصبحتً أكثر اقتناعاً بأن الإيجابية هي السبيل للتحدي والتغلب على المرض. بدأت مشواري مع البرامج التوعوية الداعية إلى أهمية الكشف المبكر والتعايش الإيجابي مع السرطان.
حصلت على دعم الكثير من الجهات والمؤسسات في حملاتي التوعوية، وكوّنت الكثير من العلاقات الاجتماعية الجميلة الصادقة مع كل من عرفتهم سواء من المرضى أو أقاربهم أو حتى من بقية أفراد المجتمع.
تكررت بعدها الإصابة بسرطان الثدي للمرة الثانية. اكتشفته كذلك بنفسي، ولم أخبر أحداً حتى لا يتكرر الموقف نفسه، من الخوف والقلق. حتى جاءت النتيجة. اتصلت بي الممرضة لتخبرني بضرورة الحضور إلى العيادة. خرجت من العمل مسرعة وتوجهت إلى المنزل أوقفت سيارتي وذهبت مع السائق.
حين وصلت إلى العيادة، كانت الطبيبة تحوم في الغرفة ولم تكن تعرف كيف ستبدأ حديثها.
في داخلي، عرفت الموضوع وتأكدت أن النتيجة كانت إصابتي بالسرطان.
ضحكت من موقف الطبيبة. قلتُ لها: "لماذا كل هذا الخوف والتردد؟ دكتورة، أخبريني هل هي الإصابة نفسها؟". أجابت نعم، فقلتُ لها: "تمام، طيب والآن ما الحل؟" أجابتني: الجراحة العاجلة. حينها، قلتُ لها: "لنتكل على الله ونبدأ الإجراءات". في هذه المرة، قررت عدم السفر. كان صوتاً داخلياً يطلب مني ذلك. وأنا أثق بحدسي وبالله.
عند عودتي إلى المنزل لكي آخذ سيارتي وأعود إلى العمل، صودف موعد عودة زوجي من عمله. رآني وأنا أخرج. أوقف السيارة بجانب سيارتي، فتح النافذة، وأنا كذلك. سألني: "إلى أين أنت ذاهبة؟". قلت له: "إلى الدوام". ومن أين أتيت قلت من المستشفى، لماذا؟ لأن اليوم موعد نتيجة الخزعة؟ أي خزعة وأي نتيجة، أخبرته بأن الدكتورة أخبرتني بأن النتيجة نفسها كما في السابق: ورم ويحتاج إلى جراحة.
صدم من القوة التي كنت أملكها، وأنا أتحدث عن الموضوع كأنه شيء عادي، فقلت له: "نعم عادي، يجب ألا أتأخر عن عملي، نلتقي في المساء".
خرجت من المنزل، وأنا أراه من المرآة كيف بقي مصدوماً من هول الخبر.
حدد موعد العملية وتم إجراؤها خلال 6 ساعات. يا للأسف، لم تنجح الجراحة. عاودني السرطان بعد شهر ونصف الشهر، وتم تحويلي إلى المستشفى الأميركي حيث أجريت جراحة أخرى. استمرت العملية 6 ساعات ونصف الساعة. خلال العملية، اكتشف الأطباء وجود ورمين آخرين. أخبرني الطبيب بأني كنت محظوظة لاكتشافهما لأنهما كانا ورمين شديدي الانتشار. نجحت العملية هذه المرة.
4 إصابات خلال عشر سنوات. لم أستسلم. عشر سنوات من التحدي والسعادة والإيجابية. أصبحتُ فيها ملهمة للكثيرين من الأقارب والأصدقاء وفئات مختلفة من المجتمع.
حاولت مديرتي تخفيف أعباء العمل عني، لكنني رفضت أي معاملة خاصة، وهو ما عجل من شفاء الجراحة بسرعة كبيرة .
مع التجارب صرت أتمتع بشخصية قوية لا تضعف أمام أي تحدِّ... كيف لي أن أخشى التحديات، وأنا هزمتُ السرطان 4 مرات؟
زوجي كان أول من عارض ظهوري عبر منصات الـ"سوشال ميديا" والشاشات التلفزيونية لأتحدث عن إصابتي بسرطان الثدي. ولكن، بعدما رأى إصراري ومدى الإلهام الذي كنت أهبه للآخرين ومساعدتهم في تخطي تحدياتهم بشكل إيجابي، قدّر هدفي ورسالتي، وبات داعمي الأول.
مهلاً، حكايتي مع الأمل لم تنتهِ. الفصل الثاني هو وفاة زوجي قبل عامين. كان يبكي أحياناً لخوفه من خسارتي، لكنه هو من غادر هذه الدنيا قبلي، علماً أنه لم يكن يعاني أي مرض أو طارئ صحي. كان فقط نائماً ولم يستيقظ. سكتة قلبية مفاجئة أنهت حياته، ليترك بصمة ودرساً لا ينسى في الصبر والتفكير بإيجابية للمضي قدماً في هذه الحياة.
أعيش حياتي بكل سعادة وفخر أستمده من أبنائي الذين يعتبرونني قدوة لهم في كل شيء، بخاصةً أن محيطي وأصدقائي يستعينون بي حين يفقدون الأمل.
زوجي أطلق عليّ لقب ملكة الإيجابية، ثم توجني مجتمعي بلقب سفيرة للإيجابية.
وحالياً، أستكمل برامج التوعوية بالقدر نفسه من الحماسة والإرادة والعزيمة. بين الحين والآخر، أجد بعض الوقت للمقارنة بين ما كان عليه جسدي سابقاً وبين ما آل إليه اليوم من "شخابيط" وخربشات الجراحين. وكلما رأيتُ هذه الندوب، أشعر بكم القوة التي أتحلى بها. أعتقد أن الله وهبني هذا الصبر لأجد السعادة في عيون كل من هم حولي، بوجودي معهم: أبنائي، أسرتي، زملائي، أصدقائي ومجتمعي!
بعض الإنجازات... بعد المرض
- رئيسة مبادرة سفراء الإيجابية منذ العام 2008
- مدربة معتمدة بوزارة التربية والتعليم/ الهيئة الوطنية للمؤهلات
- شاركت في العديد من المنافسات.
- حصلت على جائزة أفضل موظفة في الميدان التربوي - جائزة القائد المؤسس 2018.
- حصلت على أفضل مبادرة لعام التسامح - جائزة القائد المؤسس 2019.
- ترشحت لمبادرة صناع الأمل 2017.
- حصلت على لقب أفضل شخصية مؤثرة في ملتقى رواد الأعمال بالكويت.
- حصلت على لقب سفيرة الإيجابية والسعادة في الوطن العربي – الهلال الأحمر/ تكاتف، وملكة المسؤولية المجتمعية من حملة المرأة العربية.