النهار

المتشدّدون يحتفون والمثقفون غاضبون... ابن تيمية يثير ضجة في مصر
القاهرة - ياسر خليل
المصدر: "النهار"
فجّر مشهد من مسلسل "اﻻختيار" التلفزيوني سجاﻻت محمومة في مصر، بعدما دافع واعظ أزهري في إحدى حلقات المسلسل عن الشيخ أحمد بن تيمية الذي يلقبه السلفيون بـ"شيخ الإسلام". ويروي المسلسل قصة العقيد أحمد المنسي، أحد أبطال القوات المسلحة المصرية، الذين واجهوا الجماعات الإرهابية في سيناء، وقضى في إحدى العمليات.
المتشدّدون يحتفون والمثقفون غاضبون... ابن تيمية يثير ضجة في مصر
A+   A-
وتصدّر اسم المسلسل واجهة النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عرض حلقته العشرين، وتغيرت دفّة الهجوم الذي شنته جماعات الإسلام السياسي والمتشددين على العمل الدرامي، في اعتبار أنّه يقدم ابن تيمية على أنه "مفتي الإرهاب"، واتهامات تلك الجماعات وأنصارها لمخرج المسلسل بيتر ميمي بأنه يحارب الإسلام. لكن الدفة تحولت، أخيراً، لتصبح أن المسلسل يدافع عن ابن تيمية ويبرئ ساحته.

تبرير ودفاع

وجاء دفاع الواعظ الذي قام بدوره الشيخ رمضان عبد المعز، أحد وعاظ الأزهر، في الحلقة العشرين من المسلسل، خلال إلقائه محاضرة دينية على عدد من ضباط وجنود الجيش، وقال خلال حديثه عن علاقة المسلمين بـ"الكافرين"، وكيفية تلاعب الإرهابيين بالنصوص الدينية: "(يقولون) إنهم يستندون على أفكار ابن تيمية، ويكفرون الناس باسمه، والرجل بريء من هذا الملف".

وبرر الواعظ الأزهري فتاوى ابن تيمية التي يعتمد عليها الإرهابيون في بياناتهم ومنشوراتهم ومؤلفاتهم بقوله: "حين هاجمنا التتار وكانوا في دمشق، وأسروا الكثير من الناس، فذهب ابن تيمية إلى قائدهم، فقال له (ذلك القائد) سنعد الأسرى المسلمين ونسلّمهم إليكم، فقال له ابن تيمية: المسيحيون قبلهم، واليهود قبلهم، انظروا كيف يدافع ابن تيمية عن أهل الكتاب".

وقال إنّ "الفتاوى التي تخرج تكون في بيئة معينة، وفي عهد ابن تيمية، كان هناك الكثير من الأعداء يهاجمون المسلمين والدولة، فصدرت فتاوى لهذا السبب. لا يصح أن نأخذ هذه الفتاوى ونستغلها بعد ذلك، لا بدّ أن نضع في الاعتبار البيئة التي صدرت فيها".

جرعة دينية زائدة

ويقول النقاد الفني الدكتور طارق الشناوي لـ"النهار": "إنّ العمل الدرامي لا يجب أن يتطرّق إلى تفاصيل التفاصيل، ولا يجب أن يتحول إلى ساحة للسجالات الدينية بين أطرافه، فحين تطرح فكرة دينية، لا بد من الردّ عليها في سياق العمل، وهذا جعل الجرعة الدينية زائدة في هذا المسلسل، مما أثّر في الدراما. إن المكان الصحيح لمثل هذه السجالات هو البرامج الدينية، وليس الأعمال الدرامية".

وأضاف: "إن مسلسل (الاختيار) عمل مهم، يروي حقائق عن حياة المصريين. فالمصريون متدينون، وستجدهم يصلّون قبل القيام بعملهم، والكثير من المعارك وقعت في شهر رمضان الكريم، لكن هذه الحقائق لا تعني أن تطغى السجالات الدينية على العمل الدرامي، وهذا ما حدث في المسلسل".

ويقول الشناوي: "لا يمكن اعتبار هذا المشهد موقفاً رسمياً من الدولة - كما يتصوّر البعض- لأن العمل الفني يتحدّث عن نفسه. وأنا لست عالم دين، ولست باحثاً في الشؤون الدينية. ولكن في حدود ما قرأته عن ابن تيمية، فإنّ آراءه متعصّبة، ولو كنت من القائمين على المسلسل لعالجتُ ذلك درامياً، من دون إدخال العمل الفنيّ في تفاصيل التفاصيل، وسحبه لسجالات دينية لا يمكن حسمها".

ويتّفق بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع ما ذهب إليه الناقد الفني، ويقولون ما ملخصه: "إن المسلسل يظهر الأمر كأنه سباق بين فريقين. الدواعش ورجال الجيش المصري، يتسابقون على أيّهم أكثر إيماناً من الآخر، والقضية ليست كذلك بالمرة، فهناك دولة تحارب مجرمين خارجين على القانون، ولا يجب تصويرهم بأي حال على أنهم أصحاب فكر، ويستندون على آراء وكتب ومراجع فكرية".

احتفاء المتعصبين

سادت حالة من البهجة في أوساط المتشدّدين دينياً بسبب ما جاء في المشهد، واعتبروا أنّ ما قاله الداعية الأزهري، يمثّل الرأي الرسمي للدولة في ابن تيمية، على أساس أنّ الشركة المنتجة للمسلسل (سينرجي) تبدو محسوبة على السلطة، وفق ما يقول البعض.

وقال الداعية المثير للجدل عبدالله رشدي في تغريدة له في "تويتر": "مسلسل (الاختيار) يضرب العلمانيين والدواعش معاً ضربة فكرية موجِعة، ليبرئ المسلسل في حلقته اليوم ساحة الإمام ابن تيمية مما نسبه إليه الدواعش والعلمانيون! أشعرتم بخيبة الأمل؟ هل لا يزال لدى العلمانيين أمل في مشروعهم التنويري بعد هذه الضربة؟". 

ومثلما احتفى رشدي والعديد من رجال الدين المتشددين الذين يرون في ابن تيمية إماماً بريئاً من التشدد، أعرب الكثير من أنصار السلفية عن سعادتهم.

وفي حساب يحمل اسم محمد مصطفى، ويقدّم نفسه على أنه، "أتعبد لله ببغض أهل البدع وما أرجاها من عبادة"، يقول احتفاء بدفاع الواعظ الأزهري عن ابن تيمية: "هذا المشهد هدم جهود العلمانية القذرة في تشويه شيخ الإسلام، ولا عزاء لثكالى إسلام البحيري وأمثاله".

"التعصب منهج"

وإسلام البحيري هو أحد أشد الباحثين الإسلاميين هجوماً وتحذيراً من ابن تيمية، وفتاواه المتشدّدة التي تبيح القتل كخيار متكرّر في العديد من المسائل الفقهية. وقدّم البحيري في الكثير من حلقات برامجه التلفزيونية أدلّة على أنّ الظروف التي أصدرت فيها تلك الفتاوى لم تكن الدافع للأمر بالقتل في تلك الفتاوى.

ويقول في إحدى حلقات برنامجه "البوصلة"، ردا على مَن يقولون بأنّ الفتاوى المتشدّدة لابن تيمية جاءت نتيجة الحروب التي تعرضت لها بلاد المسلمين، والظروف التي كانت تقتضي هذا التشدد: "سأعرض عليكم صورة فتوى من كتاب مجموع الفتاوى، وهي عن مسألة لشخص سنّي، وإذا وجدتم أثراً للمغول، قولوا لي، وأنا أبحث معكم عن أي أثر للمغول في هذه الفتوى، لأنهم يقولون إنّ فتاواه كانت متشدّدة بسبب الحرب مع المغول".

وتتحدّث المسألة عن رجل جهر بالنية في الصلاة داخل المسجد، وطالبه الناس بأنّ ينوي الصلاة في سرّه، ولكنه أبي، ويضيف البحيري: "هذا رجل يصلي في المسجد، سنّي، ما هي مشكلته؟ أنه يرفع صوته في النية، وما هو الاعتراض؟ أنه يقول إنّ كل إنسان يعمل في دينه ما يشتهي، وأنا في اعتقادي أنّ الجهر في الصلاة من الدين".

وينقل الباحث فتوى ابن تيمية والتي جاء نصها: "الجهر بلفظ النية ليس مشروعاً عند أحد من علماء المسلمين، ولا فعله رسول الله (ص)، ولا فعل أحد من خلفائه، وأصحابه، وسلف الأمة وأئمتها، ومن ادعى أن ذلك دين الله، وأنه واجب، فإنه يجب تعريفه الشريعة، واستتابته من هذا القول، فإن أصرَّ على ذلك قُتل". 

القتل السهل

ويشتهر ابن تيمية بعشرات الفتاوى التي تبيح القتل، على أمور خلافية، وهو ما يجعل فتاواه جزءاً من معظم البيانات التي تصدرها الجماعات الإرهابية، بخاصة تنظيم "داعش" الأكثر همجية، لتبرير عملياته الإرهابية.

وبينما يقول المدافعون عن ابن تيمية إنّ الظروف التي عاشها كانت الدافع الأساسي لتشدّده بهدف حماية المسلمين ودولتهم، يقول الشيخ علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، في أحد اللقاءات التلفزيونية: "إن لدى ابن تيمية ميزتين وعيبين: الميزتان هما أنه حاد الذكاء، وواسع الاطلاع، والعيبان هما أنه حاد المزاج ولم يكن له شيخ يعلمه خريطة الدين وقواعده".

اقرأ في النهار Premium