تشهد الشوارع في الأحياء المدمرة والمتضررة المجاورة للمرفأ، حيث وقعت الجريمة، حركة تطوع مكثفة للإغاثة يقوم بها مئات وربما ألاف الشابات والشبان. يبدو واضحاً أن ناشطي المجتمع المدني والمتطوعين حلوا محل الدولة وأجهزتها في أعمال التنظيف ورفع الأنقاض والزجاج المحطم من شوارع الجميزة والرميل ومار مخايل ووسط المدينة.
حركة هؤلاء المتطوعين وجميع الناس الذين يتفقدون ويشاهدون الدمار، تشبه ما يمكن تسميته بالانتفاضة الصامتة. فجأة كانت ترتفع أصوات مستعيدة شعارات انتفاضة تشرين مثل: الشعب يريد إسقاط النظام... ثورة ثورة...
وصودف أن وجود تلك الحشود من المتطوعين والناس الغاضبين، طالبات وطلاب خصوصاً، تزامن مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى الجميزة في جولة تفقدية. استقبلوه بالتعبير عن الغضب وتناقشوا معه وأسمعوه بشكل مباشر ما يفكروا به تجاه الحكومة والمنظومة الحاكمة.
تميز المشهد في الجميزة بتفاعل ماكرون مع الغاضبين وإصغائه إليهم. وبدا واضحاً أن الناس انتهزوا فرصة وجوده في المكان للتعبير عما هو أكثر من غضب، عن نقمة وسخط كبيرين جداً ضد الحكام والفاسدين.
شخصياً، أتيحت لي الفرصة بأن أوجه لماكرون رسالة مباشرة عند مروره من أمامي، ومفادها أننا كشعب لبناني لا نريد أن تكون زيارته كناية عن عملية إنقاذ مجانية للمنظومة الفاسدة والمافياوية والمجرمة التي تحكمنا في لبنان. فأجاب بأنه لم يأت لدعم الفاسدين. فأجبته بأننا نتكل عليه (للمساعدة في التخلص من هذه المنظومة).
كتبت الانتفاضة الصغيرة في الجميزة أمس، فصلاً جديداً من فصول الاحتجاج والسخط في لبنان، لكن هذه المرة بحضور شاهد، اسمه إيمانويل ماكرون، استطاع المنتفضون أن ينتزعوا منه التزاماً شفهياً بأنه سيدعم احتجاجهم وطموحاتهم.
وكأن ماكرون كان أمس واحداً من ثوار 17 تشرين. ولعله كاد يردد معهم من وسط شارع الجميزة: هيلا هيلا هو...