سعت أورسولا فون دير لايين الخميس لإقناع النواب الأوروبيين بمنحها ولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية من خلال طرح خارطة طريق لضمان غالبية واسعة تراوح بين الخضر وحزب جورجيا ميلوني اليميني المتشدد.
أمام البرلمان الأوروبي المجتمع في ستراسبورغ، حاولت الألمانية المحافظة في خطاب استمر ساعة، الرد على التطلّعات المتناقضة أحياناً للمجموعات السياسية المختلفة الممثلة في المجلس.
ووضعت في أعلى سلم أولويّاتها تعزيز التنافسية والاستثمارات في الصناعات المهمة والدفاع، لكنّها أيضاً حدّدت هدفاً مناخياً طموحاً يتمثّل بخفض صاف لانبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 90 في المئة.
ووعدت بخطّة "صناعات نظيفة" لخفض فاتورة الطاقة و"خطّة مساكن ميسورة الكلفة" للأسر المتواضعة الحال، مع تعيين مفوض يعنى بهذه المسألة للمرة الأولى.
وتدافع فون دير لايين منذ فترة طويلة عن "مفوضية جيوسياسية". ودعت في هذا الإطار إلى "أوروبا قوية" في مرحلة تتّسم "بقلق وعدم يقين كبيرين" مؤكدة "لن أسمح بتاتاً بأن يسود الاستقطاب الشديد في مجتمعاتنا. لن أقبل بتاتاً بأن يدمر المتطرّفون أسلوب حياتنا الأوروبي".
وتقدّم فون دير لايين نفسها على أنّها ضمانة الاستقرار في وجه التوترات الجيوسياسية من الحرب في كل من أوكرانيا وقطاع غزة إلى الخلافات التجارية مع الصين وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.
وأكّدت في خطابها أن "سفك الدماء في غزة يجب أن يتوقف فوراً" معتبرة أن "أرواح الكثير من الأطفال والنساء والمدنيين زهقت في رد إسرائيل على إرهاب حماس الوحشي".
وأضافت "سكان غزة باتوا غير قادرين على التحمل، والبشرية كذلك. نحتاج إلى وقف إطلاق نار فوري ودائم، نحتاج إلى الافراج عن الأسرى الإسرائيليين".
وكان قادة الدول السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي اتفقوا نهاية حزيران (يونيو) على منح فون دير لايين ولاية جديدة من خمس سنوات على رأس السلطة التنفيذية التي تتولاها منذ العام 2019 وفرضت نفسها خلال الأزمات من جائحة كوفيد إلى حرب أوكرانيا مع تمرير تشريعات رئيسية أيضا منها الميثاق الأخضر والقواعد الرقمية وميثاق اللجوء والهجرة وغيرها.
وتحتاج فون دير لايين البالغة 65 عاماً الآن إلى ضمان موافقة ما لا يقل عن 361 نائباً أوروبياً من أصل 719.
وتبدو نتيجة التصويت التي تجرى ببطاقات سرية اعتبارا من الساعة 13,00 (الساعة 11,00 ت غ) متقاربة بعد التقدّم الكبير الذي أحرزه اليمين المتطرّف في انتخابات حزيران الأوروبية مع أن فون دير لايين تبدو في موقع جيد بعد مباحثات مكثفة مع المجموعات السياسية.
ويبقى الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) الذي تنتمي إليه فون دير لايين القوة الأولى في البرلمان مع 188 نائباً في ما نال الاجتماعيون الديموقراطيون 136 مقعداً والليبراليون (رينيو) 77 مقعداً. وسيكون الائتلاف الواسع الذي يضم هذه الأحزاب الثلاثة كافياً لإعادة انتخابها.
إلا أن هذه المجموعات الثلاث تتوقّع انشقاقات في صفوفها. فقسم من الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضم حزب الجمهوريين الفرنسي لم يدعم اختيار فون دير لايين في ما أعرب الليبراليون الألمان والايرلنديون عن تحفّظات...
وقالت النائبة الفرنسية ماري-بيار فيدرين من "رينيو"، "ندرك المخاطر مع مرشحين آخرين يناسبونا بقدر أقل بعد. إلا أننا لا نريد أن نطلق يدها نريد أن تواصل العمل بالتجانس مع أجندتنا من صناعات الدفاع إلى القطاع الرقمي والاستثمارات...".
ولمواجهة الانشقاقات في الائتلاف الوسطي، تسعى أورسولا فون دير لايين إلى استمالة المدافعين عن البيئة الذين كسبوا 53 مقعداً، وقد ضمنت وثيقة مكتوبة، خططاً للتكيف المناخي و"ميثاقاً للمحيطات" كانوا يطالبون بها.
وفي خريطة الطريق هذه، تؤكد أورسولا فون دير لايين دفاعها عن محروقات اصطناعية للسيارات بعد العام 2035 وتشدّد على مصالح المزارعين ومطالب المحافظين الذين يريدون تطبيقاً "براغماتياً" للميثاق الأخضر.
"عشرات الأصوات"
من جهة أخرى، تعهّدت فون دير لايين في خطابها أمام البرلمان تعزيز "فرونتيكس" وكالة الاتحاد الأوروبي المكلفة أمن الحدود وزيادة عدد حراس الحدود وخفر السواحل ثلاث مرات. ووفرت هذه الضمانات إلى حزبها فضلاً عن مجموعة اليمين المتشدد ECR (المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون) في البرلمان الأوروبي المرتبطة برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.
وقد تحتاج فعلا إلى جزء من أصوات ECR الذي يضم 78 نائباً مع أن أي انفتاح علني على هذه المجموعة اليمينية المتشدّدة تشكل خطاً أحمر بالنسبة إلى الليبراليين والاشتراكيين والخضر الذين يدعون إلى بناء "غالبي مستقرّة مع أحزاب مؤيدة للديموقراطية ومؤيدة للاتحاد الأوروبي" من دون اليمين المتطرّف.
أما مجموعة اليمين المتطرّف الأخرى "وطنيون من أجل اوروبا" التي تضم التجمع الوطني الفرنسي وفيديس (المجر)، فتبقى خارج أي غالبية محتملة مع تحفّظها حيال الدعم المقدم لأوكرانيا.
واتّهمت أورسولا فون دير لايين في خطابها الخميس رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوروبان بـ"الدخول في لعبة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع زيارته الأخيرة لموسكو في "مهمة سلام مزعومة".
واقترحت كذلك إقامة "درع أوروبية من أجل الديموقراطية" مؤكّدة أن "الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى هيئة مكرسة لمكافحة التلاعب بالمعلومات والتدخلات الأجنبية".
وقال نائب أوروبي مطّلع إن "المسؤولة الألمانية قد تحصل على 30 إلى 40 صوتا من الخضر وحوالى عشرين صوتا من ECR ما يعوض بشكل كبير الخسائر في المجموعات الثلاث (الغالبية الوسطية). هذا أكثر السيناريوهات ترجيحاً".
لكنّه أضاف "بطبيعة الحال الأمر سيحسم بفارق عشرات الأصوات فقط". وفي العام 2019 فازت الوزيرة الألمانية السابقة بفارق تسعة أصوات فقط.
وتزيد من ضبابية النتيجة، تداعيات محتملة على سمعة فون دير لايين لحكم صادر عن القضاء الأوروبي انتقد الأربعاء بروكسل لغياب الشفافية في شراء اللقاحات المضادة لكوفيد التي تم التفاوض بشأنها مع المختبرات المصنعة.
في حال الفشل، ينبغي على الدول الأعضاء أن تقترح في مهلة شهر مرشحا آخر ما قد يتسبّب بأزمة سياسية خطرة فيما الخيار البديل لم يدرس بعد.