النهار

شربل روحانا والرفاق موسيقى إتنية كونية تدمل جراح الشرق \r\nمن شعر ابن حمديس غنّى فالتقت الأزمنة على وتر عود
شربل روحانا والرفاق موسيقى إتنية كونية تدمل جراح الشرق \r\nمن شعر ابن حمديس غنّى فالتقت الأزمنة على وتر عود
A+   A-

في "مسرح مونو" كنا، مذ استهل شربل روحانا حواره مع أوتار عوده، كمن ننتظر أعجوبة من هذا المختبر الموسيقي، الجامع حول الفنان، تقنيين، أصيلين، كسروا الحدود التي يعمّرها الزمن، وانطلقوا معه في رحاب إبداعات إتنية - كونية، تنبع منها موسيقى وجدانية، صوفية، دنيوية، طموحة في استدلالها على أنغام ألفها سمعنا من دون أن تكون لها هوية ما، نرندحها في سرّنا من غير أن نبلغ موطنها.


آلات حميمة أحياناً في عناقها الهارموني المشغول قطبة قطبة، وتبقى حميمة في عمق رسالتها، حتى في افتراقها، في تناقضاتها، ولا تبتعد، إذ تعود كجوقة غجر للالتمام على بعضها، علامة "روحانية" يرسمها عود شربل روحانا درب التئام، يصون الرؤية التي جبل منها نهضته الموسيقية الآنية.
شربل روحانا في هذه المسارّة مع رفاق انسجموا بعزفهم ومهاراتهم مع نظرته الواسعة إلى ما يفوق الإرث الفولكلوري، حرّا، جريئا في استنباطه، من هذا التنقيب الحسّوي في مناجم النغم، التوافقات المدهشة التي تحاكى فيها العود والساكسو والستار الإيراني والباص والكي بورد والإيقاع، كعائلة من عرق واحد. بذلك يكون هدف شربل روحانا، قد وجد سبيله إلى التوفيق، في هذا العناق الإنساني، الفني، بين زمن وآخر، بين أرض عربية وأخرى، من شرق وغرب. فهل ندرك من رسوليته المفعمة بالسلام والوحدة، أن هذا الرؤيوي في تشريعه الدروب بعضها على بعض، ثم جمعها في قالب من العزف والغناء، هو في صدد دمل جراح الشرق، وإحداث يقظة كونية تنشل الإنسان العربي من قوقعته؟
الأمسية تميّزت بدعوة المستمع إلى المشاركة لا في الغناء ولا في العزف بل في هذا المسار اليقظوي المشغول بحذافير النوطة، حتى لتبدو الآلات في مواكبتها الحدث جسداً واحداً لأنغام عدة. فالسر ليس وحده في توافقات عود شربل روحانا السحري، بل في الأسفار التي أخذنا إليها ساكسو توم هورنغ، ومنه يتحوّل اللحن إلى جاز مشرقي، كمهاجر راح ينقّب في الغرب عن موطئ لموسيقاه. الأعجوبة هي في اصطياد تلك اللحظات النادرة من قران الساكسو بالعود، ومن ستار كيا تاباسيان الإيراني بإيقاع فؤاد عفرا، وفي اللقاء مع كيبورد نضال أبوسمرا وباص إيلي شمالي، تكتمل الوليمة، المدهشة في توابلها، التقنية المعاصرة، المتآخية مع قوالب نغمية – إتنية.
أهي ليلة أنس، أم مختبر دعانا إليه شربل روحانا ورفاقه، لنلمس بانتباهنا تمازجات موسيقية، بالرغم من ذوبانها ببعضها كانت تفسح لنا المجال لنتلقى وصلة جاز من الساكسو، إيقاع فلامنكو من الغيتار الباص، عرساً إفريقياً من رهجة الإيقاع، الكل في اتحاده، ودوزنته، يعلو بالسمع إلى آفاق صوفية، مغسولة من غبار الحياة.
إلى أن دخل الغناء من نوافذ الموسيقى، كقمر في ليلة سمر. كيا تاباسيان الإيراني ارتقى فوق سلّم الهارمونيا المكتوبة بحس روحانا، بالنوطة وكسورها. الستار في حضنه أنشد قصيدة حافظ "النهر" بصوت رقراق، صافٍ كمياه القصيدة. الغناء كان فاكهة السهرة، تدلّلت على الموسيقى وزادتها رونقاً. فشربل روحانا أجاد في تلحين قصائد أربعة لشعراء من القرنين الحادي عشر والثاني عشر، لعلي عبد الرحمن البلنوبي وابن حمديس الصقلّي. من ذلك الزمن الغابر تروحنت القصيدة في حنجرة هذا الملهم العمشيتي، الذي مذ إطلالته على المساحة الموسيقية والصوت الشجي يعادل أوتار عوده الشجيّة. أما قال في مستهل الأمسية إن الطرق موجودة بين الأزمنة، يحملها الإبداع فلا نعود نشعر بشعر قديم ولا بموسيقى حديثة بل بحالات إبداعية بحتة.
الموّال يعلو آسراً بين صوته والعود في قصيدة بن حمديس:
"مضنى يرد سلام العائدات له/ مثل الغريق إذا صلّى بإيماء"
ومن علي عبد الرحمن البلنوبي، تصوّر كلمات القصيدة في لحن شكّله بريشة رسام:
"وراءك يا بحر لي جنّة/ لبست بها النعيم لا الشقاء"
إن غنّى شربل روحانا موّالاً، موشّحاً أو قصيدة، أغوى السهول فأنبتت سنابل قمح. وإن قسّم، اهتاج العود بين يديه وجنّ، سرّه البساطة والشفافية اللتان صنعتا منه هذا الأركيولوجي المنقّب في أزمنة الموسيقى وشعرائها.


[email protected]

إعلان

الأكثر قراءة

سياسة 11/16/2024 7:26:00 PM
في خطوة مفاجئة، أقدمت جهات معنية في الضاحية الجنوبية لبيروت على إغلاق عدد من مداخل المنطقة ومخارجها باستخدام السواتر الحديد، رغم استمرار تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات: هل هدفها الحد من ظاهرة السرقات التي انتشرت أخيرا في الضاحية، أو منع تجمع المواطنين قرب المباني التي يحذر العدو الإسرائيلي من الاقتراب منها، لتوثيق لحظة القصف؟

اقرأ في النهار Premium