النهار

مرسوم التجنيس لعام 1994 مجدداً في دائرة الضوء نعمة الله أبي نصر يردّ على بشارة مرهج
مرسوم التجنيس لعام 1994 مجدداً في دائرة الضوء نعمة الله أبي نصر يردّ على بشارة مرهج
A+   A-

أثار تسليط الزميل غسان حجار الضوء في زاويته "جدل" على ما أورده وزير الداخلية سابقاً بشارة مرهج في كتابه الصادر حديثاً "في كهوف السلطة... تجربتي في وزارة الداخلية" عن مرسوم التجنيس الشهير لعام 1994، النائب السابق نعمة الله أبي نصر، الذي تابع هذا الملف بدقة، وجعله قضيته، وطعن فيه، رفضاً للاخطاء التي شابته، المقصودة وغير المقصودة، فكتب تعليقاً معيداً فتح الجدل، الذي لم يتوقف اصلاً، حول هذا الملف الشائك، الذي ترك تداعيات سيئة على الوضع اللبناني. وورد في تعليق أبي نصر الآتي:

"تعليقاً على مقال الاستاذ غسان حجار، "نظرة مختلفة الى مرسوم التجنيس الشهير" حيث رأى الكاتب أن هناك دائماً نظرة الى الأمور مختلفة، من بُعد، خصوصاً اذا كانت المساحة الزمنية تتيح تركيز النظر، حيث عرض الكاتب رؤية وقراءة شخصية لمعالي الوزير السابق بشارة مرهج لمرسوم التجنيس 1994/5246 بعد مرور 24 سنة على صدوره نظراً لتداعياته الديموغرافية إذ أحدث فارقاً كبيراً بين المذاهب بين ليلة وضحاها، بحيث ان القراءة التي قدمها مرهج تبدل كثيراً النظرة والحكم على المرسوم الشهير... وخلص الكاتب متسائلاً، لعل الانطلاق من قراءة حقوقية وطنية جديدة تدل النظرة لهذا المرسوم؟!

بعيداً عن نظر ونظريات أصحاب المعالي التي تتبدل بسرعة، وعن مدى تأثرها بعوامل تبدل الأزمنة والعهود والمصالح، ومن أجل إرضاء رغبة الكاتب العزيز، يجدر بنا التذكير بالثوابت الآتية:

1) الهوية اللبنانية طريقة اكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بقانون، المادة 6 من الدستور.

2) اقرار المواضيع الوطنية الأساسية من قبل الحكومة يحتاج الى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها، وتُعتبر مواضيع أساسية: قانون الجنسية، وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها... (المادة 65 من الدستور).

3) قبل صدور مرسوم التجنيس عيّن مجلس الوزراء بالقرار رقم 20 تاريخ 1992/11/5 لجنة وزارية لاعداد مشروع قانون الجنسية برئاسة الوزير ميشال اده والوزراء: بهيج طبارة، مروان حماده، شاهي برسوميان، نقولا فتوش، محمد بسام مرتضى وبشارة مرهج. علماً أن معالي الوزير بشارة مرهج كان يومها وزيراً للداخلية وعضواً في هذه اللجنة المولجة إعداد قانون الجنسية.

4) في الجلسة المنعقدة بتاريخ 26 كانون الثاني 1993 في وزارة الثقافة، قررت اللجنة باجماع الحاضرين العمل على صياغة قانون جديد للجنسية اللبنانية يضمن حقوق الجميع، الرفض القاطع للتوطين، وقد أثار الوزير الدكتور نقولا فتوش موضوع الابقاء على رابطة الدم في منح الجنسية أم نفكر بأربطة الأرض كما في فرنسا مثلاً؟ فتقرر بالاجماع، وبصورة قاطعة أنه لا يمكن لبنان أن يعتمد سياسة الذي يولد في لبنان يصبح لبنانياً. كما تقرر انشاء لجنة برئاسة قاضٍ للبت بطلبات طالبي التجنيس مع مراعاة التوازن بين المسلمين والمسيحيين... إلخ (يراجَع محضر الجلسة).

5) بينما كانت اللجنة تتابع درس مختلف الحلول ومناقشتها، صدر بتاريخ 94/6/20 مرسوم التجنيس الشهير المشكو منه. لم يُعرض على مجلس الوزراء! - لم يراعِ المساواة في العدد بين مسلمين ومسيحيين – جُنس أناس لم يتقدموا بطلبات للحصول على الجنسية – جُنس أناس كانوا في السجون... جُنس أناس محكومون بجرائم مشينة... الشقيقان جان وكلود، خطفا ماري من برج حمود، اغتصباها ثم قتلاها، حكما 15 سنة حبساً وجُنّسا وهما في السجن، والأمثلة على ذلك كثيرة. تزوير – شيكات من دون رصيد – احتيال – تجنيس فلسطينيين – كذلك تجنيس ضباط غير لبنانيين...

6) ضمن المهلة القانونية طعنت بالمرسوم مع زميلين أمام مجلس شورى الدولة طالباً إبطاله، وبعد مضي أكثر من 8 سنوات على المحاكمة، تقدمت بتاريخ 2002/6/5 بسؤال من رئيس الحكومة بواسطة رئيس مجلس النواب وقّعته مع النواب صلاح حنين، نائلة معوض وغبريال المر، سائلاً عن سبب المماطلة والتأخير في البت بالمراجعة؟! فصدر بتاريخ 2003/5/7 قرار مجلس شورى الدولة الذي قضى بالاجماع بـ"إحالة القضية موضوع المراجعة على وزارة الداخلية لإعادة النظر بالمرسوم المطعون فيه"، والرجوع عن "القرارات التي منحت الجنسية اللبنانية بدون وجه حق، أو التي اكتسبها أصحابها عن طريق الغش والتزوير، أو التي تُعتبر مخالفة للدستور أو مخالفة بصورة فادحة للقانون".

بعد ساعات من صدور القرار اتصل بي الرئيس الياس الهراوي هاتفياً وقال لي مهنئاً بالحرف الواحد: "مبروك أرحت ضميري". وكان قد مضى على تنفيذ المرسوم 9 سنوات، وكان المجنسون اشتركوا في انتخابات العام 1996 وانتخابات العام 2000 وكذلك في انتخابات المجالس البلدية.

7) القاضي الذي رفض وقف تنفيذ المرسوم ريثما يبت بأساس الطعن، عيّن في ما بعد وزيراً للعدل...

8) قبل صدور المرسوم طلبت وزارة الداخلية من كل طائفة أن تقدم لائحة بطالبي الجنسية، عندها قدّم البطريرك الماروني لائحة بحوالى ستة آلاف طلب جنسية لم يؤخذ بها.

9) بالنسبة الى عدد المجنسين وتوزيعهم على الطوائف والمذاهب وعدد الفلسطينيين بينهم، ومحاولة كل من الوزيرين الياس المر وسليمان فرنجيه نزع الجنسية ممن لا يستحقها، تنفيذاً لقرار مجلس الشورى من خلال مشاريع مراسيم أعدّاها لنزع الجنسية بعد استشارة اللجنة القضائية المعينة خصيصاً لهذه الغاية. رفعت هذه المشاريع الى أمانة سر مجلس الوزراء، وأعيدت بدون توقيع ولم يؤخذ بها. يراجع تقرير الوزير بالوكالة الاستاذ احمد فتفت للجنة الحوار الوطني تاريخ 2006/3/13 حيث سرد للجنة الحوار الوطني كل هذه الوقائع بكل دقة وأمانة. ويفيد التقرير أن عدد المجنسين أصبح /202500/ شخص، وبالنسبة بين المسلمين والمسيحيين هي %80 مقابل %20... الخ.

10) بعد تسلم الوزير ميشال المر وزارة الداخلية (من 94/9/2 لغاية 2000/10/26) وبالاتفاق مع الرئيس الياس الهراوي، اعد مشروع ملحق للمرسوم المطعون فيه لمعالجة الخلل الفاضح الذي أحدثه مرسوم الوزير مرهج، فعيّن لجنة برئاسة الضابط مارون مطر مع بعض المعاونين له لتلقّي الطلبات في دائرة نفوس المتن، حيث تجاوز عدد هذه الطلبات الأربعين ألفاً. وعلى اثر ذلك وبعد تجهيز مشروع الملحق صرح الرئيس الهراوي مرات عدة قبل نهاية ولايته بأسابيع (الواقع في 24 ت2 1998)، "مشروع ملحق مرسوم التجنيس لاعادة التوازن موجود على مكتبي، سأوقعه اذا طلب مني البطريرك الماروني ذلك". فكان جواب البطريرك قبل أيام من نهاية ولاية الرئيس: "لا يعالج الخطأ بالخطأ". برأينا لم يكن الرئيس الحريري متحمساً لاصدار الملحق. (جريدة "النهار" 18 و26 ت2 وغيرها).

هكذا لا المرسوم المشكو منه أُبطل، ولا مشروع الملحق لمعالجة الخلل صدر، ولا قرار مجلس شورى الدولة نُفّذ كما يجب، والعلة تتفاقم!

المرسوم 1994/5246 هو حلقة من سلسلة تهدف الى تغيير ديموغرافية لبنان وهيكلية كيانه، اعتمدتها حكومات ما بعد الطائف، عن طريق التجنيس، والتوطين، والتهجير، والهجرة وتملّك غير اللبنانيين... الخ

تلبية لدعوة الكاتب الاستاذ غسان حجار وضعت هذه القراءة الحقوقية الوطنية الموجزة، علّها تعدّل في نظرته لهذا المرسوم".

اقرأ في النهار Premium