أطفالنا، أنتم الشغف والحماسة وصدْق النيات والأشخاص الذين غالباً لم يتذوّقوا مرّ الخيبات بعد.
أنتم المواطنون الذين سيواجهون اليوم وغداً بما يحملون من ثقافة وعقلية وتربية وبنية معرفية، فاما يجعلُهم مخزونهم الفكري مواطنين مستكينين، وإما أن يتيحَ لهم الانتفاض والتغيير نحو الأفضل.
* * *
أطفالنا، إن تربّيتم على رفض رمي ورقة في الشارع، فلن ترضوا غداً بسياسات تجعلُ من النفايات جبالاً في شوارعنا ومواد سامة في البحر والأنهر.
إن عرفتم معنى الحفاظ على الأحراج وأيقنتم أهمية الغابات، فلن تقبلوا واقع الكسارات التي تنهش أخضر البلد، وقطع الأشجار، والهواء الملوث، وتهديد شجرة الأرز بفعل تغيّر المناخ الذي يجب أن تتخذ الحكومات خطوات للحدّ من مفعوله.
إن نشأتم على معنى احترام الآخر المختلف في دينه أو لونه أو عرقه، ستكونون سدّاً منيعاً في وجه المخططات التي تهدد بلدنا بتفجير الأزمات الطائفية في كل حين.
إن آمنتم بفكرة المواطنة السليمة ومعنى لبنان كبلد نهائي لأبنائه كافة، لن تنال منكم الأفكار التقسيمية بسهولة.
إن تعلمتم عدم السخرية من المختلف عنكم، أو ممارسة أفعال التنمر في المدرسة، ستنتجون مجتمعاً أكثر مسالمة مستقبلاً.
إن فهمتم سبل التعامل مع ذوي الحاجات الخاصة منذ الصغر، لبدّلتم الكثير من المفاهيم الخاطئة في المجتمع.
إن تعاطيْتم ايجابياً مع واقع التطور التكنولوجي الهائل، لازدادت الاستفادة من هذه الثورة "الديجاتيلية" بعيداً من مساوئها التي يمكن السيطرة عليها بالتوجيه المناسب.
* * *
إن وجدتم من يكتشف مواهبكم ومن يلقنكم أهمية الفنون، لن ترتضوا أن تقفل المسارح في بلدكم وأنتم نيام.
إن اعتدتم أهمية القراءة، ستكونون أفراداً أكثر وعياً وثقافة واعتراضاً على أفول دور النشر ومعارض الكتب.
إن فهمتم معنى الصحافة بالنسبة للرأي العام في أي مجتمع ديموقراطي وحر، لن تبقوا صامتين أمام اقفال الصحف.
إن تربّيتم على التمييز بين الحقيقة والخبر الكاذب، ستكونون مواطنين ذوي حس نقدي إزاء أي تضليل يغزو العقول.
* * *
نحن مثابرون على الأمل. ولن تثنينا خيبات أجيال ضاعت أحلامها.
نحن مؤمنون ببلدنا وبأن التغيير ممكنٌ على يد جيل مواطن لا ينساق بشكلٍ غرائزي وراء الزعماء ولا يعيدُ انتخاب من فشلَ في كل مرة بتحقيق وعوده الاصلاحية. وعلى يد مواطنين يحاسبون ولا يتطبعون مع السياسات الخاطئة، فيستكينون.
* * *
ان حقوق الأطفال في التعليم والطبابة والصحة والهواء النظيف والحماية من كل الأخطار، قضايانا التي ناضلنا لأجلها ولا نزال.
واليوم، تؤكد "النهار" أنها مساحة الأجيال كافة، وأنها منبر مفتوح للأطفال الذين ندعوهم الى التعبير بالكتابة والرسوم والفيديو عن أحلامهم وعن لبنان الذي يتمنونه، وعن ثقافة التعاون الاجتماعي والمساعدة والمحبة ورفض العقلية الهدامّة.
* * *
وبعد...
لو أن الكبار يتعلمون من الأطفال لكان العالم ربما مختلفاً.
لو أن الاطفال يحكمون، لكانت لوطننا أيام أفضل من تلك التي نعيشها اليوم.
الحوار مع الأولاد يبدو دائماً مختلفاً، ببراءتهم وأسئلتهم وحشريتهم في اكتشاف العالم، في اجاباتهم التي تفاجئنا.
أحلامهم كبيرة، اندفاعهم وصدق نياتهم يجعلاننا نقول ليت في وسعنا تسليم لبنان الى أطفالنا ليحوّلوه وطناً تحترم فيه القوانين، والبيئة والطبيعة والثقافة.
في أحيان كثيرة، نرى الأولاد في صدقهم وكلماتهم أكثر حرصاً على وطنهم في هذه الأيام من الكبار.
انظروا اليهم يرسمون بالألوان على الجدران القبيحة، فيحوّلون شكلها ومعناها.
انظروا اليهم يكتبون كل ما يفكرون فيه ويبوحون من دون تردد. يكتبون للأيام الآتية بحبر الشغف والأمل والبراءة وقوة الحلم.