النهار

السخرية الراقية تُصلِح العيوب
السخرية الراقية تُصلِح العيوب
A+   A-

عن "وجوه وحكايات" لمارون عبود

أنا وليم، تلميذ في مدرسة كرمل القدّيس يوسف/المشرف، عمري ثلاث عشرة سنة، أهوى المطالعة وكلّ ما يتّصل بها لأنّها تعرّفني على تراثي ولغتي العربيّة وأشهر من كتب ونظم بها نثـرًا وشعرًا. اشتركت في مسابقة مشروع تحدّي المطالعة العربي، بتشجيع من مدرستي وأهلي، وفزت بالمرتبة الأولى عن محافظة جبل لبنان.

من جملة الروايات والقصص التي طالعتها كتاب"وجوه وحكايات" للأديب مارون عبود، وأكثر ما لفتني نصّ "الناس" ففيه يتناول الأديب آفةً اجتماعيّة تكتسح مجتمعنا، ألا وهي تدخّل الناس في حياة الآخرين، وبما أنّني كنت دائما أسمع مَن حولي يقولون إن مرحلة الطفولة هي الأسعد في عمر الإنسان لأنّها لا تفرض أيّة مسؤوليّة على الأطفال والصبية، فقد فاجأني الكاتب حين أظهر عكس ذلك بانتقاد الطريقة التقليديّة التي يعتمدها الأهالي في تربية أبنائهم، حيث يتأثّرون بآراء الناس في كل أمورهم وانشغالاتهم المعيشيّة والاجتماعيّة. نعم، يخافون ألسنة الناس فيحاولون صبّ أبنائهم في قوالب اجتماعيّة فرضتها العادات والتقاليد ليجمّلوا صورة كلٍّ منهم من جهة، وليـراعوا إرضاء الناس من جهة أخرى، حتّى ولو كان ذلك على حساب بلورة شخصيّات أطفالهم وبنائها وفق ما يتميّزون به من صفات ومواهب خصّهم بها الله دون غيرهم، فينشأون حاملين معهم عقدة "الناس" أينما ذهبوا من دون أيّ حساب لسعادتهم الشخصيّة.

- 2 -

شعرت أثناء مطالعتي هذا الكتاب، كم برع مارون عبّود في تقصّي الحقائق التي تصوّر تدخّل الناس في أمور الناس منذ لحظة تكوّن الجنين في بطن أمّه. أحسست بأنّه يتكلّم عنّي شخصيًّا، وبأنّ شخصيّات قصّته يعيشون بيننا وحولنا، فأهله كأهلي وجيرانه كجيراني تمامًا لم يحيدوا عن تلك المقاييس التي يحاسبونني على أساسها كيفما اتجهت ومهما فعلت. فعلاً أعجبتُ بهذا الأديب الذي صوّر بطريقة فكاهيّة وكاريكاتوريّة ما عانينا منه جميعنا، رفاقي وأنا، في مختلف مراحل حياتنا من قيود تأسرنا وتؤثّر في تكوين شخصياتنا وبنائها.

العبرة التي استنتجتها تتلخّص بوجوب حرص الأهل على تربية أبنائهم تربية صالحة تدفعهم للتمييز بين الخطأ والصواب من دون أن يكون همّهم إرضاء الناس فقط. هكذا يعتاد الولد  اختيار الطريق الصحيح من دون أن يقارن نفسه بغيره، فيتصرّف عن اقتناع بما يرضيه طالما أنّه لا يتعدّى على حرّيّة أحد ولا يرتكب ما يتنافى مع تربيته السليمة التي نشأ عليها بإشراف عائلته ومربّيه الذين يعرفون أكثر من غيرهم ما يملكه من طاقات ومواهب وقدرات.

مارون عبّود أحببتك، وأحببت أسلوبك، وأعجبت بشخصيّتك المرحة التي تعرف كيف تصلح عيوبنا الشخصيّة وآفاتنا الاجتماعيّة من خلال سخرية راقية تعرّفت من خلالها على ما يعرف بالمضحك المبكي.

وليم المهتار

كرمل القديس يوسف - المشرف

اقرأ في النهار Premium