البحث عن معلومات تخصّ الصحافي الشهيد #جبران_تويني وضعني أمام حمل ثقيل الوزن. صاحب القسم الوطني لم يكن مغامراً في السياسة فحسب، فهو أيضاً "مغامر" في هواياته وعاداته التي تؤكّد أنه كان رجلاً ينبض بالحياة.
الهواية المقدّسة لتويني كانت انفتاحه على الجميع ورغبته في أن يبقى مكتبه مكتظاً بالشباب والمسؤولين والموظّفين، هواية معنوية تمسّك بها إلى حين استشهاده، ولعلّ التربية التي نشأ فيها علّمته هذا التعامل، على قاعدة "لا صغير وكبير" بالنسبة له.
أما حياتياً، فكان يحب أجواء الفروسية وركوب الخيل وأصرّ قبل فترة وجيزة من استشهاده ان يتلقّى الدروس بهدف إتقانها. عقله الحرّ دفعه إلى التحليق جوّاً بالطائرة، فكان قائداً متمرّساً ليس للطائرة فحسب، بل للدراجات النارية والسيارات التي كان يفضّل قيادتها بمفرده، فضلاً عن رغبته في اقتناء أحدث السيارات وأغربها. رياضات أخرى لم يفوّتها متى سنحت له الفرصة، كلعب التنس والتزلّج المائي والرحلات الجبلية والإبحار والسباحة مسافات طويلة، من دون اغفال هواية الصيد مع أصدقائه المقرّبين وتشجيعه منتخب السامبا في المونديال.
لم يكن جبران من محبّي السهر كما قد يُخيّل، إذ كان يستبدلها بمشاهدة مجموعة كبيرة من الأفلام، معظمها من نوع "الأكشن".
الباستا والبيض "الأومليت" واللحمة، من الأكلات التي كان يتقن إعدادها بنَفَس "الشيف"، وهذا بشهادة من أحد أصدقائه، والخرق الغذائي لم يكن غائباً عنه، فأحياناً كان يكافئ نفسه بوجبات سريعة مساء.
صاحب نكتة ومزاج وتربطه بالموسيقى علاقة نرجسية فيقول عنها: "للإنسان محطات كثيرة في الحياة والأغنية تذكّر دائماً بمرحلة معينة". تراه في عالم فيروز وماجدة الرومي تارة وعالم "البيتلز" وفرانك سيناترا تارة أخرى.
جمع تويني في طبعه بين البحرين الهادئ والهائج، غضبه الذي يأتي كتسونامي يزول بعد دقائق، كأنّ شيئاً لم يكن. قلبه النابض بالثورة وروحه البريئة النقية جعلته محبوباً حتى لدى خصومه في السياسة، لأنه كان سلساً بطبعه.
هو الـ "Workaholic"، الذي يقطع هواياته حتى يبقى على اطلاع ليل نهار بما يدور ولا ينام قبل أن يقرأ "مانشيت النهار"، فلا يحب أن يفوّت أي تفصيل متعلّق بالسياسة وقضايا الناس.
مهووس بالتكنلوجيا، هو هوس حقيقي أفادت منه "النهار"، كان سبّاقاً لكل ما هو حديث لأنه كان كثير الأسفار وحاضراً في عالم الاكتشافات.
هذا الوسيم، صاحب كاريزما، مشهور بأناقته عندما يعود الأمر إلى تفنيد مظهره الخارجي. إطلالالته التلفزيونية واليومية لا غبار عليها، فحتى في الاجازات وعندما كان يرتدي الجينز، كان حضوره آسراً، فهو لا يعلم اللاأناقة، ولكنّه كان على دراية بأنّ هذه السمات في شخصيته كانت تجذب إليه الأنظار، فلم يكن يغفلها.
كان في يومياته نموذجاً متناقضاً، لديه جانب ديناميكي متغيّر وآخر ملتزم. لديه عادة يومية ثابتة متمثّلة بحضوره اليومي إلى مبنى الجريدة، التاسعة والنصف صباحاً، يستمع إلى إذاعة "صوت لبنان" ليرصد القضايا المتعلّقة بالناس وبعدها يبرمج يومه، ولعلّ هذه العادة الثابتة كانت سبباً في وقوعه بفخّ الحاقدين المتربّصين لعودته من باريس إلى بيروت.
من يدخل مكتب جبران في مبنى "النهار" وسط بيروت، وهو مكتب لا يزال كما هو منذ استشهاده، يلمس الترتيب والالتزام في شخصيته، دقيق إلى أبعد الحدود. الطقوس التي كان يعتمدها في الكتابة ثابتة هي أيضاً، ينجز مقاله في ساعة واحدة ومن بريق عينيه الراضيتين يحمّس زملاءه حيال ما كتب.
كان جبران محباً للسفر، ولم تكن باريس المفضّلة عن غيرها من البلدان، ولكن مبرر وجوده فيها كان بسبب مجلة "النهار العربي والدولي" التي أسسها في باريس خلال الحرب، فضلاً عن وجود مقر الاقامة العائلي فيها الذي كان يلجأ إليه بعدما كثرت التهديدات باغتياله.
جبران كان ملتزماً بالتعاليم المسيحية بحرفيتها. أصدقاؤه المقرّبون اكتشفوا أفعاله الانسانية بعد وفاته لأنه لم يكن يرغب في الكشف عنها. ويؤكدون أنّ جبران لم يكن صاحب مال، ومع ذلك كان حريصاً على مساعدة الشباب.
آخر ما قاله عندما قرر السفر إلى باريس: "أنا راجع وما حدا بيقدر يقرّب عليي"، كان مرتاحاً وإن كان الجميع ضد قدومه، أتى فتبربّصوا به، فكان لهم بالصوت المستمر حتى اليوم عبر "النهار".