تحتضن الذاكرة اللبنانية أسماء شخصيات انطبعت في وجدان اللبنانيين وفي ذاكرة التاريخ الحديث نتيجة مواقفها وسيرتها. وينطبق على هذه الشخصيات شعار "رجال الدولة"، وهي أسماء تستحضر في كلّ مناسبة ذات طابع وطنيّ، ومنها من بذلت نفسها في سبيل لبنان، فتوّجت مسيرتها بضوع الشهادة. وكان لهذه الشخصيات سعي بارز في صون استقلال لبنان وسيادته، ومواجهة الأطماع الخارجية التي حاولت استهدافه على مرّ العصور. تستعيد "النهار" سيرة أبرز هذه الشخصيات ومقتطفات من خطب وتعابير ارتبطت بالمنحى الوطني الذي جسّدته.
البطريرك الياس الحويّك
زخر عهد البطريرك الحويّك بالأحداث الوطنية الكبرى. ويمكننا التكلّم عن أربع مراحل تاريخية وطنية مرّ بها عهده: مرحلة المتصرفيّة، ثم مرحلة الحرب العالميّة الأولى، وكلتاهما في ظلِّ الهيمنة العثمانيّة وتسلُّطها، ومرحلة المفاوضات لنيل الاستقلال والكيان، فمرحلة الانتداب الفرنسيّ، وكلتاهما في ظلّ انتصار الحلفاء وتوطيد النفوذ الفرنسيّ. في كل هذه المراحل تعاطى البطريرك الحويّك الشأن الوطني من بابه العالي، وكان أبرز رواد الحركة الوطنيّة. على رغم أن الحويّك كان يُعبِّر دائمًا عن تعلُّقه بالمواطنة العثمانية، إلا أنه كان يسعى إلى تحصين نظام المتصرفية الخاص بلبنان والامتيازات التي ينعم بها، ويُطالب بإصلاحات إدارية ونظامية وبتحسين سبل العيش وجعل البلاد قادرة على الحياة وإيقاف الهجرة. وكان يستعين دائمًا بالقوى الفرنسية، فيما لم تكن علاقته جيدة ببعض المتصرفين، حتى أن مظفر باشا اتهمه بالعمالة ضد السلطنة.
أجرى البطريرك الحويّك لقاءات واتصالات بأعضاء مؤتمر الصلح ورجالات الدولة وأعضاء مجلس النواب الفرنسي القادرين على مساعدته لاستيعاب تطلُّعات فيصل ولإقناع الفرنسيين بـ"القضية اللبنانية". وفي 10/11/1919 حصل البطريرك الحويّك على تعهُّدٍ خطي من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ورئيس مؤتمر الصلح كليمنصو، يَعِد فيه اللبنانيين بالاستقلال، والجبل اللبناني بالسهول والمرافئ البحرية الضرورية لازدهاره. واعتُبِر هذا التعهُّد بمثابة وثيقة الاستقلال، رغم أن الأمور لم تصل الى خواتيمها السعيدة تلقائياً.
سعى الحويّك إلى حسن تطبيق الإنتداب وعدم تحويله شكلاً من أشكال الاستعمار، وإلى وضع قانون أساسي موافق للبلاد ولطموحات أبنائها وطوائفها في المضمون والشكل كما في طريقة نصه. وشدّد على المحافظة على نظام الأحوال الشخصية لأسباب تاريخية إجتماعية ودينية. وطالب السلطات الفرنسية بعدم التدخُّل في الشؤون الدينية واحترام الخصوصية اللبنانية وعدم إدخال أفكار أجنبية إلى لبنان لا تتلاءم وواقعه. وأكد في الوقت نفسه على المحافظة على هيبة فرنسا واحترامها.
واعتبر الحويّك أن كل ما تحقّق في أيامه من توسيعٍ للحدود واستقلال للبلاد كان ثمرة نضال المسيحيين التاريخي في الشرق، وأنه نقطة البلوغ الحتمية لملحمتهم التاريخية.
(مقتطفات من السيرة الذاتية للبطريرك الياس الحويك - موقع البطريركية الإنطاكية السريانية المارونية).
ميشال شيحا
كيف نقرأ ميشال شيحا كما قرأ لبنانه عام 1942، بعين ناقدٍ يبحث عن قراءة ادقّ للبنان 1995 وما بعده؟ في المقام الاول، نسارع الى الايضاح ان ميشال شيحا، المختلف فيه وعليه فكروياً (ايديولوجياً)، هو غير ميشال شيحا المبدع على صعيد "الثقافة السياسية" اللبنانية. ولربما لا يستسيغ بعضنا التفريق الصارم بين "فكر سياسي" و"ثقافة سياسية، ويؤثر بمقتضى "حزبيّته" الطبيعية او المصطنعة، بادغامهما في "رَوْبةٍ" او "جَبْلةٍ" من الطراز الذي اعتاد عليه "حكماء" الترويج السياسي لطائفية ما. وفي المقام الثاني، نشير الى ان جيل التأمل السياسي الذي عرفه لبنان ما بين الحربين العالميتين، كان جيلاً ساعياً - قدر مستطاعه - الى تنغيم الثقافة (او المعرفة) والسياسة، غالباً بالفرنسية، ونادراً بالعربية. من هنا نرى ان تمكين القارئ اللبناني والعربي عموماً من التعرّف الى رافدٍ من روافد مرجعية العقل السياسي، وبعربية راقية جداً، هو بذاته اسهام جديد، يضيء المصدر - الاصل. فهذا الجيل المتواري او الموشك، قدّم جديداً على صعيد الفكرة الوطنية اللبنانية، وحقق تواصلاً مرموقاً بين جيل نهضة ثقافية - ادبية (نهضة اولى، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) وبين جيل نهضة سياسية توازت مع قيام لبنان كدولة، ثم كدولة مستقلة. اما في المقام الثالث، فان مما يستفزّنا، عقلياً، اقدام ميشال شيحا على ابتكار رؤية حديثة لمعاناة لبنان السياسي، عشايا استقلاله، الذي عاش شيحا (وهو من الشيح، او شيحا)، ردحاً من تحققه الاولاني. هذه الرؤية، بعقلانيتها، هي مدخل اول الى نهضة سياسية - ثقافية ثالثة، سيشهدها لبنان الستينات والسبعينات حين سيكون عليه - بعد الحروب عليه وفيه - ان يؤسس لنهضة ثقافية - سياسية رابعة، اجرؤ على تسميتها، نهضة ما بعد الطائفية (ما بعد الطائف وما بعد الاختباء السياسي المحلّي وراء الحجاب الطائفي الحاجز لرؤية الغد). وعندنا ان ميشال شيحا، بعدما واجه الجهلانية، او على الاقل خواء السياسة العملية وتعطّلها من الفكر والمعقولية العلميّين، سعى في كتابته السياسية الى اتفاق (Encultunation) بني جلْدته، بلغة زمانه. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"... في بلدٍ مثل بلدنا، حيث النقاش شبه معدوم أو معدوم تماماً في مجلس النواب، يجب أن تكون الصحافة بمثابة ثقلٍ موازِن أساسي على الرغم من أن الحكومة تسعى جاهدةً إلى جعلها صحافةً خانعةً ذليلة أسيرة حالتها الراهنة التي يُرثى لها، أو إلى استخدامها بوقاً للحكومة". "لوجور"، 19 تموز 1950.
فؤاد شهاب
في هذه الأيام القاتمة افكر اكثر ما افكر في الرئيس الامير اللواء فؤاد شهاب. اتذكره في زمن عزَّ فيه الرجال، وامتُهنت الكرامات، وزالت السيادة، وامسكت الازمة الاقتصادية بخناق الناس، فأصبحت الدولة مسخاً عجيباً غريباً، واصبحنا رعايا لا مواطنين. تتداعى الخواطر، فيستدعي النقيض نقيضه، بحكم طبيعة النفس ونواميسها. الانسان اتذكر فأفكر في فؤاد شهاب الرجل، والجندي، والرئيس الحاكم. اما الرجل فكان يتصف بأجمل ما في الرجال من اوصاف: انفة تأبى الصغائر، ولا تهاب الكبائر، لا تسعى الى منصب، ولا تتهالك على مغنم؛ ثم، صدقٌ مطلق يجافى مواطن النفاق والمنافقين، ووداعة لا ترتاح الى العنف، ولا تتنافى مع الحزم والصلابة في اليوم العصيب. كان الامير متواضعاً، لطيفاً، عفيف اللسان، لا يكاثر في الكلام لأن الاسراف فيه يذهب بهيبة الرجال، ويقضي على وقار الحاكم، ويستزيد من هفواته. وعندما اصبح رئيساً للبلاد ظلّ على شأنه، لا يخاطب اللبنانيين الا في المناسبات الوطنية. واذا شئت ان تتحدث عن تجرده ونزاهته، فحدث ما شئت، وبالغ ما شئت، فتظلّ دوماً دون الحقيقة. كان فؤاد شهاب اكثر من رجل منزّه عن الاهواء، كان زاهداً، بل اكثر من زاهد، كان متقشفاً. مات الرئيس فؤاد شهاب على السرير الحديد الذي رقد فيه طوال حياته، وعاش في المنزل الذي سكنه ضابطاً ناشئاً، وضابطاً كبيراً، وقائداً للجيش، ورئيساً للبلاد. فما قبل بأن يسكن قصراً عندما اصبح القصر من حقه، واشاح بوجهه عن الابهة والرفاه عندما اقترنا بمنصبه، فلا يلومه فيها لائم. بمثل هؤلاء الرجال تبنى الامم، وتفاخر الشعوب، ولنظائرهم تنحني الهامات، وتقرع الاجراس. كان اللواء قارئاً كبيراً. ومن الطبيعي ان يرفض رجل بأخلاقه هبات الواهبين مهما ثمنت. الا ان الكتاب، دون سواه، كان الهدية التي يرتضيها بكل سرور. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"الضرورة الاساسية الملحة لبناء الدولة بناء سليما لم تنجل يوما كما تجلت في هذه الفترة الدامية الاخيرة. ولم يبق مناص من إقامة الدولة على أسس وقواعد ومقاييس مستمدة من تصميم النخبة، ومصلحة الشعب وطموح الوطن".
"ولكي يثق المواطن بالدولة، يجب ان يسري فيها روح الجد ويسيرها: الجد في المسؤولية عن الواجب وفي الحساب، والجد في جعل الدولة للمواطن وللكل على السواء، والجد في النظرة الى الغد والتصميم له".
"ولا بد من ان يطمئن المواطن الى تجرد الحاكم، وعدل القاضي، وامانة الموظف".
"ولا بد من ان يكون للحكم فيها كل هيبته، وللقانون كل سلطته، ولحق الفرد والجماعة كل حرمته".
"وعلى الدولة ان تتجاوز مهمة تأمين العدل والمساواة والنظام الى تعزيز الفضيلة، ورعاية التقدم، والعمل على ازدهار العلم، وتوفير أسباب النمو الاقتصادي، وكفالة الرزق للفرد ومستوى العيش الكريم".
(مقتطفات من خطاب القسم - 1958).
البطريرك مار نصرالله بطرس صفير
في حين يتشبث الزعماء العرب بمناصبهم، ختم البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يوبيله الفضي في السدة البطريركية معلنا استقالته، وهو في عز توقده الذهني والروحي ليدخل التاريخ وهو على قيد الحياة. وليست المرة الاولى التي يدخل فيها صلب التاريخ اللبناني بمواقفه منذ غرق لبنان بمآسيه المتتالية امتزجت بدماء الشهداء والاحياء. عشية الصوم الكبير، وفي ختام ذكرى الـ1600 لمار مارون، عرف البطريرك كيف يرمز رحيله ليطوي صفحات من النضال الروحي والوطني مستنزفا النعمة التي اعطيت له بتأدية واجبه الوطني والديني والانساني مدة 75 عاما. ومن يعطي هذا المجد وهذه الاستمرارية سوى الخالق؟ ففي الكتاب المقدس العهد القديم يذكر سفر المزامير 103، 5 "الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك"، فان الله يعطي الشباب والنضارة لمن يختاره وقد انعم عليه بنعمه الوفيرة. اسباب عديدة تدعو المتابع للتوقف عند تجربة البطريرك صفير، فهو لا يهاون في مواقفه. حكيم، يفضل الايجاز على الاسترسال. متوقد الذهن رغم سنواته التسعين. منفتح وفضولي وعصري. ديناميكي وسريع البديهة. بهي الطلعة والطلة رغم تراكم السنوات. رياضي يحترم الحياة وعطاء الله، مبتسم حتى في اصعب الاوقات، متعدد اللغات والثقافات، صلب كأرزة من ارزات لبنان. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"التمسك بالعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، وهو ما يميز لبنان عن سواه من الدول".
"لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يتساوى فيه المسلم والمسيحي في الحقوق والواجبات".
"اننا نصلي لنجاح المسيرة السلمية ونتمسك بايماننا وقوة ارادتنا من اجل التغلب على الصعوبات. وان عملية السلام في المنطقة تسير كالسلحفاة، لكننا نأمل في ان تسرع ليعم المنطقة السلام الشامل والعادل".
"ليتنا على الصعيد الوطني نقتدي بالكنيسة لنستفيد مما نشهد عند سوانا من امثلة على ممارسة الديموقراطية ممارسة تدعو الى الاعتزاز".
"ان ما يميز لبنان هو العيش المشترك بين 17 طائفة مختلفة تعترف بها الدولة رسميا، وقد أثبت اللبنانيون انهم يستطيعون ان يعيشوا معا بسلام وتعاون، فالكل يؤمن بالله الواحد العادل، والعيش المشترك ليس ابن البارحة، فمنذ البداية كان المسيحيون والمسلمون يعيشون معا في هذا البلد. صحيح عرفوا توترات وستكون هناك دائما توترات ولكن هذا لا يعني ان لبنان لن يكون بلد الحوار المسيحي - الاسلامي".
غسان تويني
لم يلبث غسان تويني العائد من هارفرد على أثر وفاة والده مؤسس "النهار" جبران تويني، أن وقّع إتفاق تعاونٍ مع بزوغ الشمس، ودعا "الديك" ضيفاً - شعاراً الى المناسبة، فإذا به يعلن صدور "النهار" مع كلّ صباح- بعدما كانت الجريدة تصدر في الظهيرة- كما يصيح عند كلّ شروق. حصل ذلك سنة 1950، يوم تخاوى الورق مع رائحة القهوة، ومذذاك، لم يخلف الديك الاتفاق، ولا يزال يصيح للإثنين معاً - الشمس وعرّاب شهرته الإعلامية - ويكتب أحرف ما يصيح به على صفحات جريدة "النهار" ويوقّع ما كُتب باسمه الشخصي ويجسّدها بصورته الزرقاء. وكان لا بدّ من أن يتسّع المكان للديك الذي كبر وسمن وعلا صدى صيحته أكثر وتسنّن منقاره وبدأ عرفه يتدلى على جبينه. كانوا يقولون في غسان تويني انه سيخلف حبيب أبو شهلا في زعامة الأرثوذكس في بيروت. ولم يلبث أن اثبت صحّة ما يقال فيه، بعدما لمع في السياسة كما في الصحافة، منتخبا نائباً عن الشوف للمرّة الأولى سنة 1951 على لائحة "الجبهة الاشتراكية الوطنية". ولم يكن عبثاً أن صار تويني نائباً، بل إن عارفيه الجدد، شخصيّته تلفتهم، ويخبرون أنه في مطلع شبابه كان نشيطاً و"مشكلجياً" في الجامعة الأميركية في بيروت، ويريد أن يصير سياسياً. كلّها عوامل اجتمعت، يضاف اليها شمولية الثقافة التي تحلّى بها، جعلت حياته حافلةٌ بالأحداث. وينطبق عليه في اللغة المحكيّة مثالٌ مفاده أن الدنيا لم تكن تسعه. لكنها كانت تسرق من عينيه لمعة ودمعة، كلّما أضافت إلى سمائه نجمة. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"الحرب التي عرفها لبنان لم تكن طائفية او مدنية بل كانت حرب الآخرين على ارضنا".
"لا تبكوا كالنساء، دولاً لم تعرفوا كيف تحافظون عليها كالرجال!
ولبنان هو الامتحان لانه أندلس العرب اليوم..! ويكاد يُزال لولا الاعجوبة فيه التي تجعل من الممكن ان تتزامن عنده، في السرايا ذاتها صلوات المسلمين والمسيحيين، وفي ساحة السرايا دعوات مسعورة الى الثورة، وعلى مسافة أمتار منها مهرجان موسيقي لفيروز خلاصته كاريكاتور لحاكم أضاع خاتم الحكم وشعبه يقول له ان الحكم لا يضيع، فيلقاه عائماً على سطح المياه في البئر حيث سقط "الخاتم". وكل واحد يصفّق لذلك على هواه ويفسّر كما يتمنى!
ثم… ثم، قبل الظهر سباق ماراتوني دولي يقطع شرايين الحياة في المدينة بينما القادمون الى ساحة الثورة يجدون إليها طريقاً وهم يهزجون!".
***
"…ويرتفع شعار "عائدون"، إلا أنه لا يعني العودة المرتقبة الى الأرض بل فقط الى نبش الاختلافات. وفي أحسن الأحوال ابتكار قواعد مصالحات مستحدثة وحوارات غنية فقط بالآمال و"التفاؤل بالخير" ولو لم نجده؟
…رغم طول الانتظار والتفاؤل المعتصم بالصبر!".
كميل شمعون
استهل كميل شمعون ولايته الرئاسية بشعار الوحدة الوطنية، وعرفت الحركة التي اوصلته الى الحكم "بالثورة البيضاء" لأنها لم تتسبّب بإراقة دماء. حملت هذه الثورة الى سدة الرئاسة رجلاً في الثانية والخمسين من عمره، حيوياً، مقداماً، شجاعاً، متمرساً بالسياسة وحاملاً معه للوطن املاً بالتغيير. كان شمعون يتمتع بشعبية كبيرة، ويعود الفضل في ذلك الى تواضعه ولطفه وروحه الديموقراطية، لدرجة ان كل لبناني، الى اي طبقة انتمى، كان يشعر بأنه مقرّب منه ومن بيئته ويعتبره ممثلاً له. لقد خرج شمعون من الشعب، ولم يَحُل جمال وجهه المراهق دون امتزاج شيب شعره بحكمة تفكيره التي عبّر عنها بحسه السياسي المرهف ودبلوماسيته الرفيعة وعنايته الخاصة بالشؤون العامة. أحضر كميل شمعون الرئيس معه زاداً من التجارب السياسية الغنية ومعرفة معمّقة في الشؤون السياسية المحلية والدولية اكتسبها خلال المهمات المتعددة التي أُوكلت اليه في السلطة والفترات التي امضاها في لندن وفي الأمم المتحدة. ومما لا شك فيه ان انتخابه بثّ في البلد نفحة من الأمل بمستقبل جديد... حيّا اللبنانيون تولّي شمعون سدة الرئاسة آملين في أن يتمكن من اعادة الانضباط والاستقرار الى ربوع الوطن وبناء أسس لدولة الحق. بقي عليه ان يعطي المثال الصالح، وبالفعل، سرعان ما راح يبرهن للبنانيين حسن اختيارهم. بعد امساكه بالسلطة بدأ مقتطعو الجبنة والاستغلاليون والطامعون يتوارون عن الانظار ويتراجعون من المناصب الادارية والحكومية. صفّقت له ايادي الشرفاء ورقصت له قلوب الوطنيين، قرعت له اجراس الكنائس ممتزجة بدعاءات المساجد. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"إن هذه الرئاسة تكليف وخدمة، ليست مكافأة ولا رتبة، فهي تحمل متوليها واجبات وأعباء، ولا تدر عليه منافع أو تمنحه امتيازات".
"إن رئيس الجمهورية لن يحاط بمظاهر العظمة والفخفخة، فهذه المظاهر لا تنافي أسس الجمهورية والديموقراطية فقط، بل هي أيضاً تكلف الشعب نفقات ليس ملزماً بها، ولا قادراً عليها، بينما يشكو الكثيرون من أبنائه البطالة والفاقة".
"إن رئيس الجمهورية لن يسمى رئيس البلاد، ولا بالأحرى سيد البلاد، فأمثال هذه الألقاب تنافي أسس الجمهورية والديموقراطية، وتحط من كرامة الشعب، الذي لا سيد سواه".
"إن هذا الوطن الذي دعم كيانه، في سنة 1943 بالميثاق الوطني المعقود بين فئات من المواطنين فرقتها السياسة وحدها، باسم الطائفية، يريد أن يسمو بأبنائه فوق العهود والمواثيق، فما هم بعد فئات متعددة تتفق أو تفترق".
(مقتطفات من خطاب القسم - 1952).
كمال جنبلاط
ليست ذكرى استشهاد كمال جنبلاط محصورة في يوم واحد. إنها جزء من ذاكرة الوطن. كمال جنبلاط السياسي والكاتب والشاعر والزاهد والبسيط في حياته اليومية لم يجد نفسه مرة تحت قبب البهرجة والمظاهر الخداعة، وكان صالونه الخاص مفتوح لأهل الفكر يناقشهم. وكان شجاعاً في خط ممارساته الحياتية، إذ اراد أن يعلم كل من حوله دروساً في التحرير. والتحرر في نظره ليس التهتك وليس الفجور وليس التخلي عن التقاليد، بل كان طريق التحرر عنده بالإيمان الصادق البسيط الذي يجمع بين الارض والسماء. وأصر كمال جنبلاط على ان الإشراق في الرؤية هو بالايمان الذي لم يكن عنده تزمتاً ولا تعصبا، بل تطهر من انغلاق الأديان وتصغرها خلف المؤسسات المتحجرة والجامدة. إن الحديث عن كمال جنبلاط يجب أن يظل جزءاً من الحديث عن تاريخ لبنان المعاصر. وإن استشهاده يشكل صورة موجعة مؤلمة لمأساة لبنان وقصوره عن بناء وطن يعبر عن رسالته. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء".
"الديمقراطية إذا اقتصرت على الشكل والمفهوم السطحي دون الجوهر تؤول إلى فوضى وتكون ضد التطور".
"إن الصراع في سبيل الحق هو انتصار في كلتا الحالتين، أكانت نتيجته على السواء الاستشهاد المضيء أو النصر الساحق، والانتصار هو انتصار النفس القوية الجميلة فينا، انتصار الإنسانية فينا، انتصار التطور على الرجعية، انتصار الحياة".
"الفرح العظيم يكون بملاقاة وجه الحق الكلي المتجلي في وهج قرص الشمس".
"لا ينفع الإنسان شيئاً إذا ربح العالم وخسر نفسه، وهو، في كلّ حال، لا يربح إلّا حفنة من طين".
الإمام موسى الصدر
31 آب ذكرى مؤلمة وحزينة ومريرة، يوم تطاولت فيه يد الغدر والخيانة على هامة من هامات التقى ومنارة من منارات العلم، انه الامام السيد موسى الصدر، العالم والمعلم والقائد الذي نعيش ذكرى تغييبه واختطافه على يد من تباهى بعروبة جوفاء وتغنى باسلام هو منه براء. 31 آب يوم يعود بنا الى الماضي واحزانه لعلنا نصنع بهجة الحاضر، ونحقق للامام الصدر ما كان يسعى لاجله وما كان يجاهد لتحقيقه وما كان يشغل باله ليل نهار لاتمامه ولترسيخه وتعزيزه، الا انها وحدة لبنان التي كانت تشكل اكبر همه، وصيغة لبنان التي كان يتوجس خيفة على مناعتها وقدرتها على الاستمرار. كان الامام الصدر يدرك الاخطار والاستهدافات التي كانت تحيط بلبنان واللبنانيين ولا زالت، لذا رفض الفتنة بكل اشكالها، وعمل جاهدا لوقفها، واعتصم وصام وأضرب لمنع الحرب الاهلية والاقتتال الطائفي بين اللبنانيين. ان من يقرأ الامام الصدر يكتشف على الفور كم كان طموحا هذا الانسان، وكم كان حريصا على وطنه لبنان، وعلى اناسه، اذ ادرك حجم معاناتهم من الفقر والحرمان، ومدى تسلط الحارمين والمستغلين لهم، والحاكمين المتسلقين على حسابهم، فاندفع وهو يحمل راية التغيير والتنظيم، راية القضاء على الحرمان ورفض الطغيان واسقاط الاقطاع بكل عناوينه، لانه كان يدرك ان لا حرية من الاقطاع ولا كرامة مع الاستبداد، فكان لا بد من حركة يتحول الفرد فيها طاقة تزخر بالعطاء والتضحية من اجل عزة وطن وكرامة شعب، لذا اطلق صرخته المدوية في وجه المتجرئين على الحقوق والحارمين الناس حتى من انسانيتهم، فكانت حركة المحرومين التي قادها الامام الصدر، وثيقتها الموقعة من قبل ابرز المثقفين اللبنانيين الذين وجدوا في حركة لبنانية اجتماعية انمائية سياسية جامعة لا مكان فيها للطائفيين ولا للمذهبيين ولا للمتسلقين على حساب الفقراء ولقمة عيشهم. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"إنّكم يا إخواني الثوار مثل موج البحر، إذا توقَّفتم انتهيتم، فإلى النضال وإلى الأمام".
"إنَّ بقاء كلّ شعب في صفحات الزمن، رهين مواقفه البطوليّة وتضحيات أبنائه وإحساسهم بمسؤوليّاتهم وتحمّلها بوعي ودقّة".
"العالِم ليس عالِم المصادقات والاتّفاقات والاعتمادات والاتّكاليّات، العالِم عالِم العمل وعالِم العلم والسعي".
"إنّني لا أعترف بالحسينيّة إلا إذا خرَّجت أبطالاً يقاتلون العدوّ الإسرائيليّ في الجنوب".
"التمسّك بالرسالة الإلهيّة عن قناعة ووضوح ورؤية لا يعتبر عاراً إنّما العار أن يتهرّب الإنسان من الحقّ لمجاراة الناس في باطلهم، أو خوفاً من مواجهتهم".
بشير الجميّل
من تتبع بشير الجميّل في حركته وديناميته، ومن طاله الاشعاع الذي كان ينشره حوله، ومن لاحظ كيف حوّل بشير المجتمع المسيحي مجتمعاً مقاوماً، يدرك الدوافع التي كانت تحرك ذاك الرجل ويفقه كذلك السر الكامن في اعماقه. كان بشير اكثر من صاحب مشروع، انه صاحب رسالة ورهان. رسالته الحرية ورهانه الشعب. أما مشروعه فبسيط. لم يخترعه. وجده ملقى على الطريق منذ حوالى 1500 عام. ورغم مرور الزمن لم يمت المشروع فقرر ان يحييه. وهو وجود مسيحي حر في لبنان ووجود لبناني سيد في الشرق. وكان يطمح الى بناء دولة لبنانية قوية ومهابة الجميع يحترمها من المواطنين إلى الأخصام مروراً بالأشقاء والحلفاء والاصدقاء. كانت لبشير نظرة إنسانية لا طائفية إلى المواطنين ولذلك حرص على رفع مبدأ المساواة والعدالة والكفاءة فور انتخابه رئيساً للجمهورية. ولكنه كان يؤمن أن أي علاقة مع الآخرين إن لم تكن محصنة بقوة الموقع وصلابة الموقف، علاقة التحاقية. كان بشير مسيحياً مؤمنا ومثابراً على الصلاة. يزور الرهبان في اديرتهم، يصغي اليهم ويحاورهم، يحضر قداديس الشهداء، ويقدّس مع المعوقين والمقاتلين، ويزور قبر ابنته الشهيدة مايا كل 23 شباط (ذكرى استشهادها). كان وفياً لذكرى كل الشهداء ولتضحيات كل رفاقه. والحقيقة أن "مايا" كانت مأساة صامتة في حياته. وكانت فرحته عظيمة عندما ولدت "يمنى" ثم "نديم"، لانه اعتبر الولادتان انتصاراً على من قتل "مايا"، طفلة الثمانية عشر شهراً. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"الحراسة يقظة جامدة، القيادة يقظة متحركة".
"كل شيء ينتظر منا موقفا. ذاتنا وعلاقاتنا، محيطنا ومدانا، مفاهيمنا ومماراستنا، دولتنا ومجتمعنا، سياستنا وإقتصادنا، ثقافتنا وحضارتنا".
"التنازل افتئات من حق، وهذا يترك إنزعاجا".
"الإقتناع صدى الحق، وهذا يترك إرتياحا".
"إن جوهر القضية اللبنانية هو حرية شعب لا وحدة أرض".
"الأرض الموحدة لا تحرر شعبا محتلا، بينما الشعب الحر يوحد أرضا مقسمة. وسنوحد لبنان ليكون وطن الحريات".
"يجب أن يبقى مجتمعنا اللبناني أصيلا، حرا، منفتحا، ومتعددا. أصالته التراثية لا تعوق إنطلاقته الكونية. إنفتاحه الشمولي لا يطغى على جوهره الذاتي. حريته المتنوعة لا تسيء إلى حرمة نظامه. تعدديته الحضارية لا ثؤثر على وحدته السياسية والكيانية. فلا أولوية في الولاء، ولا شركة في الولاء، ولا ولاء إلا للبنان".
(مقتطفات من خطاب القسم - 1982).
شارل مالك
السياسي والدبلوماسي والمفكر لبناني... إنه شارل مالك، العربي الوحيد الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كانون الأول 1948 بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. شارل مالك (1906 – 1987) من بلدة بطرّام في الكورة، شمال لبنان. أحد أبرز وجوه الفلسفة في لبنان وأستاذها في الجامعة الأميركيّة في بيروت وفي أهمّ الجامعات الأميركيّة (هارفرد، دارتموث) . شغل منصب وزير الخارجيّة اللبنانيّة بين تشرين الثاني 1956 وأيلول 1958، كما شغل منصب وزير التربية والفنون الجميلة من 1956 حتّى 1957 في حكومة سامي الصلح عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وصولاً إلى رئاسة الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بين 1958 و1959. مناضل كبير في سبيل حقوق الإنسان، وأكبر دليل على ذلك كتابه "دور لبنان في وضع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان"، كما يعتبره البعض فيلسوف المقاومة اللبنانيّة، وخصوصاً أنّه حض الموارنة على إعطاء الكثير مستنداً إلى القول "إنّ مَنْ أُعطي الكثير يُطلَب منه الكثير"، واضعاً إحدى عشرة نقطة لتحفيزهم على الاستمرار في العمل من أجل لبنان. فتحدّث عن لبنان في عهد جبل لبنان، والنظام التعدّدي والمجد الذي أُعطي لهم آنذاك، مستذكراً التراث الآراميّ، مروراً بالليتورجيا المارونيّة، وصولاً إلى علاقة الموارنة بروما حيث التراث المسيحيّ الشرقيّ الأرثوذكسيّ المفتوح للأرثوذكسيّة بالتّمام والكمال. (شهادات كتّاب - أرشيف النهار).
من أقواله:
"إذا لم يقم لبنان وينهض ويصبح وطناً سيّداً قويّاً ومحرَّراً يطلب العزّ والحياة، فما من قوّة في العالم تستطيع أن تقيمه من الانهيار الكامل أو أن تصونه من سيطرة الشياطين المستمرّة حتّى الساعة، كاليهود وغيرهم".
"الحرية ليست فكرة إن لم تتجسد في الاحرار".
المفتي حسن خالد
في السادس عشر من ايار 1989، هزّ بيروت دوي انفجار هائل ليس كبقية الانفجارات التي تعوّد عليها اللبنانيون في تلك الفترة المؤلمة من تاريخ لبنان، ضرب موكب سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد فأرداه ومن معه ومن يسكن او يمر في الجوار في جريمة هزّت الضمير الانساني واللبناني من هول وحشيتها ودمويتها، وان لم يكن سماحته اول رجل دين مسلم سني اغتيل اذ سبقه في نيل الشهادة الشيخ احمد عساف والشيخ صبحي الصالح الا ان اغتيال مفتي للجمهورية اللبنانية كان اول اغتيال بهذا الحجم الكبير سواء بقوة التفجير او بالشخصية الدينية – المدنية المستهدفة. لماذا اغتالوا المفتي حسن خالد؟ لم يأت الاغتيال مصادفة او وليد ساعته عند المجرمين بل كان حلقة في سلسلة طويلة اراد بها المجرم اسكات صوت الحرية والسيادة والاستقلال في بلد ارادوه تحت الوصاية والاحتلال اولاً، ومن ثم ضمه في الوقت المناسب. هذا المخطط الجهنمي المجرم لانهاء لبنان تصدى له رجالات لبنان الاقحاح في وقت خدع قسم كبير من اللبنانيين بشعارات المجرم وصدّقوه انه لا يريد سوى انهاء الحرب الاهلية بين اللبنانيين ودعم المقاومة وتحر ير لبنان من العدو الاسرائيلي والحفاظ على عروبة لبنان، وغير ذلك من الشعارات التي كانت ترفع لتعطيل الفكر اللبناني وإيهامه بأن هذا المجرم القاتل ما هو الا شقيق يريد الخير بلبنان كي يستطيع امرار مؤامراته الدنيئة على لبنان وشعبه واستقلاله. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"ان اي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها سواء كانت حزبية ام طائفية ام عنصرية انه وطن لجميع اللبنانيين".
"لا ديموقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية".
بشارة الخوري
أحب اللبنانيون في بشارة الخوري وعهده الوهج الاستقلالي الذي حلموا به وعملوا من اجله، وخيار الوحدة الوطنية الذي ميز الحياة السياسية والانفتاح على الجوار العربي الذي شكل سمة بارزة لسلوك العهد.... أسبابا عدة تجعل بشارة الخوري بحق "ابا الاستقلال"، فعلى رغم الضغوط التي مارسها الفرنسيون وادت الى اعتقاله، بقي على موقفه الوطني الثابت ورفض الاغراءات الفرنسية. معه شعرنا لاول مرة بالعزة الوطنية، خصوصا بعد الافراج عن المعتقلين، الامر الذي ادى الى تجلي الوحدة المفاجئة عند الناس الذين هتفوا: بدنا بشارة بدنا رياض. ونحبه، بل نحب فيه عمله على انجاز امرين مهمين: تحقيق الاستقلال التام واجلاء الجيوش الاجنبية عن لبنان. وهذان الحدثان جعلا الشعب اكثر اقترابا من الرئيس وشريكه رياض الصلح. ويمكن ان نسجل لعهده البيان الوزاري الذي انبثق عنه ما سمي ب"الميثاق الوطني" في حكمته الشهيرة: لا للشرق ولا للغرب. لكننا نسجل على عهده للاسف، ان البعض استغل قرابته من الرئيس لتحقيق المكاسب. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"لقد كان لبنان وما يزال نزاعاً إلى الاستقلال حريصاً على الألفة والاتحاد وتحقيق النظام والسلام والتوازن والوئام بين أبنائك وذلك بمساعدة اللبنانيين من دون استثناء أحد منهم وأننا لن نألوا جهداً في البلوغ بوطننا إلى درجة يشعر معها بخطورة الدور الذي يمثله بين الأمم وتصبح أمانيه كلها حقائق ملموسة".
"إن لبنان لفخور بأنه كان على كرة العصور معقلاً من معاقل الحريات الأساسية والثقافة الخالصة ولكل لبناني أن يعتز اليوم بأنه يتم هذه السلسلة المجيدة وبأن أبناء لبنان الضاربين في أنحاء المعمور يمثلون خير تمثيل. فإلى جميع اللبنانيين الغائبين، إلى مهاجرينا الأعزاء أوجه باسم الأمة اللبنانية تحية لبنان وعاطفة تعلقه الدائم الذي لا تنفصم عراه".
(مقتطفات من خطاب القسم - 1943).
شارل حلو
عام 1964 انتخب شارل حلو رئيساً للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس اللواء فؤاد شهاب بشبه اجماع. بدأ عهده بحضور مؤتمر القمة في الاسكندرية سنة 1964 وانتهى بحضوره مؤتمر القمة في القاهرة سنة 1970. كان عهد الرئيس شارل حلو استمراراً للشهابية او "للنهج" الشهابي. في المؤتمرات التي حضرها واللقاءات التي عقدها مع رؤساء وملوك ومسؤولين كبار كان محط احترام وتقدير لدى الجميع. لم يبرز الرئيس شارل حلو ويوفق في تمثيل لبنان وحمل رسالته في المؤتمرات واللقاءات التي جرت في الدول العربية وحسب، بل استطاع ان يثبت ذلك في العديد من المناسبات والزيارات له الى دول عدة. فشارك في احدى جلسات الاكاديمية الفرنسية وقدّم رأياً تبنته الاكاديمية دل على سعة علمه واطلاعه وتضلعه من اللغة الفرنسية. او محادثاته مع الرئيس ديغول وعلوّ كعبه في الادب والفكر والسياسة. فيقف رئيس لبنان البلد الصغير موقف الند للند مع العملاق شارل ديغول الذي زاد في عظمة فرنسا - فيزيد هو من مساحة بلده لبنان وعظمته، وهكذا يستطيع رئيس بلد صغير ان يكبّر بلده اذا كان رئيساً كبيراً. (شهادات كتّاب - أرشيف "النهار").
من أقواله:
"أؤمن بلبنان إيماني بالله تعالى. أؤمن بأن هذا الوطن الصغير الرقعة، يمكنه أن يكون مثالاً رائعاً للدولة المستحلة المحبة للسلام، متآخياً بإخلاص مع جاراته وشقيقاته الدول العربية، ومطلاً على مشارق الدنيا بأسرها بنشاط أبنائه المقيمين والمغتربين. وأؤمن بأن وحدتنا الوطنية تنبع في الأصل ليس من إيماننا جميعاً بوطن واحد فحسب، بل قبل ذلك بإله واحد وبكرامة الإنسان وحريته وحقه، وحقه الأساسي في حياة مادية واجتماعية كريمة، وتتحقق بالمساواة بين جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وتتميز في المحبة والتسامح".
"أؤمن بأن النظام الديمقراطي ضرورة جوهرية لبلادنا. فهو بالإضافة إلى ما يكرس من حريات ويؤمن من توازن بين السلطات، إنما يتيح عندنا مجال اللقاء المثمر بين الأسر الروحية اللبنانية فيتفاعل نشاطها ضمن المؤسسات الديمقراطية، وتتقابل حاجاتها وآراؤها في إطار من التعاون الأخوي. وإذا كان الحكم شورى فإن نظام الشورى هو في لبنان أحد شروط الحياة المشتركة والاستقرار. وأؤمن بأن السياسة الخارجية أرسيت، منذ الاستقلال، على قواعد متينة تتوازى مع إرادة شعبنا في العيش المشترك، ووحدة شعورنا وموقعنا الجغرافي، وتاريخنا والأواصر الطبيعية والأخوية التي تشدنا إلى العالم العربي، وانفتاحنا على العالم الأوسع وتعاوننا مع جميع الدول الصديقة على أساس المساواة".
(مقتطفات من خطاب القسم - 1964).