الإنترنت، وهو أولاً وسيلة من وسائل التواصل، باتَ يرقى عالمياً إلى مستوى مِرفقٍ قيّم وأساسي بأهمية المياه، والصرف الصحي، والغاز والتيار الكهربائي؛ وثمة اتجاهٌ متنامٍ لتحويله جزءاً لا يتجزأ من البنى التحتية الوطنية.
يُعتبَر الإنترنت الفائق السرعة أو الحزمة العريضة (broadband) المحرّك الأساسي خلف ابتكارات حيوية في قطاع تكنولوجيا المعلومات مثل الحوسبة السحابية (cloud computing) وتطبيقات الهواتف الخلوية، بما في ذلك التطورات في قطاعات الصحة والنقل والحكومة.
تشير الأرقام إلى أنه في عام 2014، بلغ عدد الاشتراكات في الحزمة العريضة الثابتة نحو 748 مليوناً، وفي الحزمة العريضة المتنقّلة 2.7 مليار حول العالم. غير أن لبنان يُسجّل خامس أبطأ سرعة في العالم على مستوى "الحزمة العريضة الثابتة"، مع بلوغ متوسّط سرعة التحميل 7.1 ميغابت في الثانية (Mbps). على سبيل المقارنة، تبلغ سرعة التحميل في سنغافورة، التي تحتل المرتبة الأولى في سرعة الإنترنت، 190.94 ميغابت في الثانية، في حين أن المعدّل العالمي هو 54.33 ميغابت.
تُعزى المشكلات التي يعاني منها لبنان في قطاع الإنترنت إلى البنى التحتية القديمة التي تُعوِّل عليها شركة "أوجيرو" للاتصالات السلكية واللاسلكية المملوكة من الدولة.
فهذه الشبكة لا تزال تتألف، بصورة أساسية، من أسلاك نحاسية، وتَحول المماطلة المتكرّرة دون إتمام مشروع الألياف البصرية المتطورة الذي انطلق عام 2011، وتَعاقَبت عليه حتى تاريخه أربع إدارات مختلفة لقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية من دون أن يصل المشروع إلى خواتيمه.
ففي عام 2011، أطلق وزير الاتصالات آنذاك نقولا صحناوي مشروعاً واسع النطاق بكلفة 55 مليون دولار أوكِل تنفيذه إلى شركة الإنشاءات المحلية Consolidated Engineering and Trading في إطار شراكةٍ مع شركة الاتصالات الدولية Alcatel-Lucent.
وفي عام 2018، أعلن وزير الاتصالات السابق جمال الجراح أن شركة "أوجيرو" منحت عقود مناقصات لثلاث شركات دولية مهمّتها ربط المستخدمين النهائيين بالمكاتب المركزية.
وفي إطار هذه المناقصات، اختيرت الشركات الآتية، "هواوي" الصينية و"نوكيا" الفنلندية و"كاليس" الأميركية، للعمل إلى جانب الشركات المحلية SERTA Channels وPowertech وBMB بغية تحديث البنى التحتية لقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في لبنان، بكلفة إجمالية قدرها 300 مليون دولار.
تَقرّر أن يبدأ العمل على الفور، ولو بصورة تدريجية، على أن ينتهي ربط المناطق الأبعد بالمشروع بحلول الفصل الثالث من سنة 2021 على أبعد تقدير. في حال استُوفِيت هذه المهلة الزمنية في عهد وزير الاتصالات الحالي محمد شقير، تكون قد انقضت عشرة أعوام منذ انطلاقة المشروع، وبكلفةٍ تزيد عن 350 مليون دولار أميركي.
يتخبط لبنان في صعوبات ومشقّات اقتصادية موثَّقة بالوقائع والأرقام. فالناتج المحلي الإجمالي يُسجّل أرقاماً متدنّية يزيد من وطأتها تضخُّم نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي باتت تفوق 150 في المئة، ناهيك عن العجز الضخم في الميزان التجاري. لذلك يحتاج لبنان إلى كل مساعدةٍ يمكنه الحصول عليها لإحياء اقتصاده المتعثّر.
فماذا لو ساهمت زيادة سرعة الإنترنت في تحفيز النمو الاقتصادي؟
بغية تحقيق التنافسية في الاقتصاد العالمي، يجب أن تتمكّن الأعمال والشركات والخدمات والمواطنون من الإفادة من بنى تحتية داعِمة للجيل المقبل من الإنترنت الفائق السرعة. هذا ما ورد في دراسة من إعداد المفوضية الأوروبية في بروكسل.
فالدراسة الصادرة عام 2015 تُشير إلى أن "شبكات الألياف، بالإضافة إلى توافر المهارات الرقمية المناسبة لدى القوة العاملة" تُساهم في تحسين طريقة استخدام الرساميل واليد العاملة في الاقتصاد، وفي تحقيق نمو أكبر في الناتج المحلي الإجمالي.
ويؤدّي ذلك أيضاً إلى استحداث وظائف، فالتقديرات تُبيِّن أن كل "مليار أورو تُنفَق على تركيب الحزمة العريضة تساهم، في المعدّل، في استحداث 9320 وظيفة".
لقد بلغ عجز الموازنة في لبنان 4.8 مليارات دولار عام 2018، فالعجز المالي يُساوي 9 إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويجب خفضه إلى نحو 5 في المئة في المدى القصير.
وفقاً لورقة صادرة عن شركة "إريكسون" وشركة Arthur D. Little الاستشارية وجامعة Chalmers University of Technology، تؤدّي زيادة سرعة الحزمة العريضة بمقدار الضعف إلى زيادة بنسبة 0.3 في المئة في الناتج الاقتصادي.
فقد دقّقت الدراسة في 33 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبينها بعضٌ من الدول الأكثر ازدهاراً، وتوصّلت إلى أن زيادة سرعة الحزمة العريضة بمقدار الضعف تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة.
العالم العربي بأسره متأخّرٌ عن باقي المناطق في مجال تطوير شبكات الحزمة العريضة، ما يؤدّي إلى تباطؤ في النمو وانتشار البطالة لدى الشباب، وفق ما أورد البنك الدولي عام 2014، مشيراً إلى أنه "من شأن الحزمة العريضة أن تُحدِث تغييراً جذرياً في الآفاق الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة وتُساهِم في زيادة النمو وتحقيق الازدهار المشترك".
إذا نجحَ لبنان في تعزيز بنيته التحتية لتطوير شبكة الحزمة العريضة، فسوف يؤدّي ذلك إلى تحسُّنٍ في تبادل السلع القيّمة، أي الخدمات والأفكار على السواء، فضلاً عن تحقيق نمو اقتصادي كبير مع مرور الوقت.