النهار

واشنطن تتحدّى... بولتون يستحضر "مبدأ مونرو" ولافروف يراه "إهانة"

خلال مقابلة إعلاميّة مع شبكة "سي أن أن" يوم الأحد الماضي، أظهر مستشار ترامب لشؤون الأمن القوميّ جون بولتون خيارات متشدّدة لمعالجة الأزمة في فنزويلا. لكن بعكس ملفّات أخرى بدا فيها مؤخراً تناقض واضح بين بولتون وترامب، ومنها مصير القوّات الأميركيّة في سوريا، فإنّ رؤيتي الرجلين إلى فنزويلا تكاد أن تكونا متطابقتين. \r\n

هدّد ترامب أكثر من مرّة بأنّ "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" وهذا يعني ضمناً خيار التدخّل العسكريّ، علماً أنّ هذا الخيار متعدّد الأشكال. وعلى الرغم من ذلك، يبقى عدم استبعاد هذا التحرّك مقاربة لافتة للنظر لأنّها صادرة عن رئيس أميركيّ ذي توجّهات انعزاليّة إلى حدّ ما في سياسته الخارجيّة.\r\n

واشنطن تتحدّى... بولتون يستحضر "مبدأ مونرو" ولافروف يراه "إهانة"
A+   A-

"لسنا خائفين"

بالعودة إلى المقابلة الإعلاميّة، قال بولتون: "في هذه الإدارة، لسنا خائفين من استخدام عبارة ‘مبدأ مونرو‘". وكان يجيب على سؤال عن سببب إبداء واشنطن تشدّداً إزاء الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بينما تمتنع عن إظهار ردّ فعل مشابه إزاء دول أخرى غير محكومة بأنظمة ديموقراطيّة. بالنسبة إلى بولتون، وللإدارة الأميركيّة عموماً، الوضع مختلف في فنزويلا: "هذه دولة في نصفنا الغربيّ من الكرة الأرضيّة. لقد كان هدف الرؤساء الأميركيّين رجوعاً حتى رونالد ريغان أن يكون هنالك نصف غربيّ للكرة الأرضيّة ديموقراطيّ بشكل كامل".

خلال الكلمة التي ألقاها في جامعة فلوريدا الدوليّة في 18 شباط الماضي، كان الرئيس الأميركيّ واضحاً في مدى استعداد الولايات المتّحدة للذهاب بعيداً في ضغطها الإعلاميّ للتخلّص من مادورو. أطلق ترامب تحذيراً للقادة العسكريّين الفنزويليين بأنّهم "قد يخسرون كلّ شيء" في حال رفضوا دعم الرئيس الموقت خوان غوايدو الذي نال اعترافاً من الولايات المتّحدة وأكثر من خمسين دولة أخرى. وبات الجيش الفنزويلي النقطة المحوريّة لميزان القوى في البلاد بما أنّ مادورو لا يزال مستمرّاً في السلطة بسبب الدعم الذي يحظى به من الجيش بشكل أساسيّ. طالب ترامب الجيش بالتخلّي عن مادورو والقبول بالعفو المعروض من الرئيس الموقت. بالمقابل، وبالرغم من حظر السفر المفروض على غوايدو، تمكّن الأخير من العبور إلى كولومبيا للمشاركة في حفل موسيقيّ خيريّ قائلاً إنّه تمكّن من خرق الحظر بمساعدة من الجيش نفسه.

ما هو مبدأ مونرو؟

يدرك الأميركيّون محوريّة الجيش الفنزويلي في حلّ الأزمة. والأهمّ أنّهم يدركون مدى تأثير القوى الأجنبيّة داخل هذا الجيش، مثل روسيا والصين وكوبا. وهذا ما أشار إليه بولتون أيضاً: "جزء من المشكلة في فنزويلا هو الوجود الكوبيّ الأمنيّ الكثيف. ثمّة 20 ألف إلى 25 ألف مسؤول أمنيّ كوبيّ بحسب تقارير تم الإعلان عنها. لكن هذا هو نوع من الأشياء التي نراها غير مقبولة ولهذا السبب، نتّبع هذه السياسات".

يشرح آدم تايلور في صحيفة "واشنطن بوست" أنّ هذا المبدأ يعود إلى حوالي 200 سنة (1823) واستند إلى رسالة وجّهها الرئيس الأسبق جايمس مونرو إلى الكونغرس تقوم على معارضة واشنطن للاستعمار الأوروبّيّ في القسم الغربيّ من الأرض مقابل عدم التدخّل الأميركيّ في الشؤون الأوروبّيّة. وأضاف أنّ هذا المبدأ كان خطابيّاً أكثر، وتعرّض للتفسير مراراً على يد الحكومات المتعاقبة مرجّحاً أن يكون بولتون قد أشار بالتحديد إلى فكرة الرئيس ثيودور روزفلت التي برّرت ممارسة "سلطة الشرطة العالميّة" حين برزت الاضطرابات في أميركا اللاتينيّة. ونقل عن الأستاذة الجامعيّة في كامبريدج غريس ليفينغستون والخبيرة في شؤون تلك المنطقة قولها إنّ المبدأ "كان في جوهره بياناً دفاعيّاً وانعزاليّاً" خلال إلقاء مونرو كلمته، لكنّه تغيّر في القرن العشرين.


التوسّع في تفسير المبدأ

بطبيعة الحال، كان مونرو يقرأ التطوّرات التي كانت تجري في أميركا اللاتينيّة، حيث كانت دولها تستقلّ تباعاً عن إسبانيا والبرتغال فيما كانت فرنسا وبريطانيا المتنافستان على توزيع نفوذهما تستعدّان لملء الفراغ، سياسيّاً وتجاريّاً. لهذا السبب، كانت أسس هذا المبدأ دفاعيّة، قبل أن يتمّ توسيعها لاحقاً لتشمل مواجهة أيّ نفوذ خارجيّ في أميركا اللاتينيّة بما فيه السوفياتيّ. بهذا المعنى، سبق ل "اشتراكيّة" نظام مادورو أن نالت انتقادات من ترامب نفسه الذي ركّز خلال كلمته في جامعة فلوريدا على أنّ الولايات المتّحدة لن تصبح أبداً دولة تعتنق هذا الفكر. وإذا كانت هذه العقيدة محور انتقاد ترامب، فإنّ فنزويلا لا تعبّر بهذا المعنى عن دولة ذات توجّه فكريّ مناقض للولايات المتّحدة وحسب، بل هي أيضاً امتداد طبيعيّ للنفوذ الروسيّ في الفضاء الأميركيّ. ومن هنا، يمكن فهم طبيعة ردّ الفعل الذي أبدته روسيا من "النصف الشرقيّ" للكرة الأرضيّة.

فخلال زيارته قطر، انتقد وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف هذا الكلام واصفاً إيّاه بأنّه يشكّل "إهانة" لدول أميركا اللاتينيّة برمّتها والتي توقّع أن تردّ على تصريح بولتون. وأضاف بحسب وكالة "تاس" الروسيّة: "علاوة على ذلك، ومنذ أيّام عدّة، هدّدت واشنطن بأنّ فنزويلا ليست نهاية القصّة، وأنّ كوبا ونيكاراغوا ستكونان التاليتين".

الأهمّيّة ليست في المبدأ نفسه

لا شكّ في أنّ روسيا والولايات المتّحدة تمتلكان نظرتين مختلفتين إلى هذا المبدأ. ففي حين تراه واشنطن فكرة "دفاعيّة"، تجده موسكو جزءاً أساسيّاً من نظرة أميركيّة "توسّعيّة" حول العالم بما فيه أميركا اللاتينيّة. لكنّ الإشكاليّة لا تكمن في تفسير هذا المبدأ وحسب. ففنزويلا بحسب النظرة الأميركيّة التقليديّة تقع في "الحديقة الخلفيّة" الأساسيّة لأمنها القوميّ وهي ستتحرّك على الأرجح لحمايتها بغضّ النظر عن هذا المبدأ وتفسيراته.

بين تصريحات بولتون وردود فعل لافروف وما سبقهما من خطابات وتطوّرات سياسيّة، يبدو أنّ فنزويلا ليست بعيدة عن إعادة إشعال شكل من أشكال الحروب الباردة في أميركا اللاتينيّة والتي ظنّ العالم للحظة أنّ آخر صفحاتها طويت أواخر العقد الأخير من القرن الماضي.

اقرأ في النهار Premium