خلال استقباله نظيره البرازيليّ جاير بولسونارو الثلاثاء الماضي، اقترح الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب فكرة انضمام البرازيل إلى حلف شمال الأطلسيّ قائلاً: "أعتزم جعل البرازيل حليفاً رئيسيّاً بارزاً من خارج حلف شمال الأطلسيّ أو بشكل محتمل، إذا فكّرنا في الأمر، ربّما حليفاً في الناتو" موضحاً أنّ هذا الأمر يعزّز التعاون والأمن المشترك. أمّا بولسونارو فتحدّث عمّا يجمع البلدين من قيم مثل احترام الله ونمط العيش التقليديّ للعائلة والوقوف ضدّ العقيدة الجندريّة وضدّ الأخبار الزائفة. التشابه بين القيادتين الأميركيّة والبرازيليّة من حيث كونهما محافظتين اجتماعيّاً ومناهضتين "للنخب" وتأييدهما للرأسماليّة جليّ للعيان وهذا ما يسهّل توطيد علاقاتهما. لكنّ اقتراح ترامب ضمّ البرازيل إلى حلف شمال الأطلسيّ خطوة أبعد من المتوقّع.
احتمالات العضويّة
بعد بضع ساعات على المؤتمر الصحافيّ في حديقة البيت الأبيض، غرّد مستشار ترامب لشؤون الأمن القوميّ جون بولتون كاتباً: "نحن فخورون بجعل البرازيل حليفاً بارزاً غير عضو في الناتو، ونتطلّع قدماً للعمل معها حول فنزويلا، إيران، والصين. لقاء عظيم مع شريك استراتيجيّ جديد قويّ". وقال القائد الأعلى لقوات الناتو بين سنتي 2009 و 2013 الأدميرال جايمس ستافريديس إنّ البرازيل ليست أهلاً لهذه العضويّة بحسب المعاهدة والبرازيليّين لا يريدونها والأوروبيين لن يوافقوا عليها.
بالفعل، ردّت فرنسا سريعاً على إعلان ترامب عبر الناطقة باسم وزارة خارجيّتها أنييس فون دير مول عبر القول إنّ "الناتو هو حلف دول مرتبط عبر بند دفاع جماعيّ، في تطابق مع معاهدة واشنطن 4 نيسان 1949 والتي تحدّد الميدان الجغرافيّ للتطبيق. المادّة 10 من المعاهدة المؤسّسة تحصر العضويّة بالدول الأوروبّيّة". لكنّ دير مول لم تعارض فكرة أن تصبح البرازيل "شريكاً عالميّاً" للحلف ذاكرة إمكانيّة تتبّعها خطى جارتها كولومبيا. والأخيرة هي الدولة اللاتينيّة الوحيدة التي دخلت في أيّار الماضي فئة الشركاء الدوليّين للحلف والتي تضمّ أيضاً كوريا الجنوبيّة واليابان ونيوزيلندا وأوستراليا وغيرها. كذلك، دخل الناتو في شراكات إقليميّة أخرى مثل "مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسي" و "الحوار المتوسّطي الأطلسيّ" وغيرهما.
مؤشرات غضب روسيّ
ملفّات وهواجس وقفت خلف تحفيز ترامب على إطلاق فكرته، لعلّ فنزويلا من أبرزها. سئل ترامب خلال المؤتمر الصحافيّ عن سبب عدم تخلّي رئيسها نيكولاس مادورو عن السلطة حتى الآن، فردّ بأنّ الولايات المتّحدة لم تستخدم جميع أدواتها الاقتصاديّة الضاغطة. وخلال اليوم نفسه، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على شركة التعدين الأساسيّة التي تديرها الدولة الفنزويليّة ورئيسها، مستهدفة بذلك تجارة الذهب الأساسيّة التي تموّل خزانة مادورو.
ويوم أمس الجمعة، فرضت الخزانة عقوبات على بنك التنمية الوطنيّ وأربع شركات يديرها أو يسيطر عليها بعد اعتقال كاراكاس أحد مساعدي الرئيس الفنزويلي الموقّت خوان غوايدو. ووقفت البرازيل إلى جانب الولايات المتّحدة في إدانة مادورو واصفة إيّاه ب "الديكتاتور" فيما استقبل بولسونارو غوايدو أواخر الشهر الماضي في قصره الرئاسيّ.
أصبحت كاراكاس نقطة توتّر أساسيّة بين الولايات المتّحدة وروسيا في الآونة الأخيرة. وتنظر واشنطن إلى فنزويلا كدولة واقعة في "حديقتها الخلفيّة" ممّا يدفعها إلى عدم القبول بتحوّلها إلى مسرح جديد للنفوذ الروسيّ. واستعاد بولتون مؤخّراً "مبدأ مونرو" في إشارة ضمنيّة إلى أنّ الولايات المتّحدة مستعدّة للدفاع عن مصالحها في فنزويلا باستخدام جميع الأدوات المتاحة بما فيها القوّة العسكريّة. على الأرجح، فكّر ترامب بتعزيز أمن "الحديقة الخلفيّة" لبلاده وبالتالي أمن الولايات المتّحدة عبر اقتراح الفكرة. ولو كانت المعاهدة تسمح بعضويّة البرازيل لقدّم ذلك سلاحاً إضافيّاً للأميركيّين لمواجهة الروس في أميركا اللاتينيّة.
علاوة على ذلك، تشكّل البرازيل نفسها عضواً في مجموعة "البريكس" التي تضمّ أيضاً الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا. وهي ستستضيف قمّة لهذه المجموعة خلال السنة الحاليّة. وفقاً لوكالة "تاس"، قال المدير الأكاديميّ لمعهد العلوم الروسية الأكاديمية للدراسات الأميركيّة اللاتينيّة فلاديمير دافيدوف لصحيفة "إيزفستيا" الروسيّة: "هذه المسائل لا تُحلّ بسرعة وبحلول الوقت الذي يتمّ فيه اتّخاذ أي قرارات مرتبطة بالناتو، رئاسة البرازيل في البريكس ستنتهي".
مواجهة الصين
إنّ انضمام البرازيل إلى الناتو شبه مستحيل في المدى المنظور بما أنّها ليست دولة أوروبيّة وبما أنّ الأوروبيين غير مستعدّين للبحث في تعديل المادّة العاشرة التي لا تزال سارية المفعول منذ تأسيس الحلف الذي لا يضمّ أيّ دولة من خارج القارّة باستثناء الولايات المتّحدة وكندا. بالمقابل، إنّ دخول البرازيل في شراكة دوليّة مع الحلف يبقى أمراً محتملاً جدّاً.
وطوّر الحلف هذه الفئة من الشراكات لتنمية التعاون مع دول تتمتع بمصالح مشتركة مع الأطلسيّ في مجالات محدّدة حيث يشارك بعضها بنشاط في عمليّاته. تساهم أوستراليا مثلاً في الحرب على الإرهاب في أفغانستان التي دخلت إلى جانب العراق في هذا النوع من الشراكة. لن تعني هذه الشراكة أنّ البرازيل ستساهم في الحروب الأطلسيّة أو في التصدّي للتهديدات المحدقة بالحلف، لكنّها على الأقلّ ستمكّن الولايات المتّحدة من تعزيز حضورها الأمنيّ في أميركا اللاتينيّة في مواجهة النفوذ الروسيّ وكذلك الصينيّ.
فبيجينغ توسّع حضورها الاقتصاديّ وحتى العسكريّ في تلك المنطقة، وقد وبلغ الحجم التجاريّ بين البرازيل والصين سنة 2017 حوالي 75 مليار دولار بينما بلغ مع الولايات المتّحدة حوالي 52 مليار دولار. وهنالك احتمال في أن يكون ترامب معتقداً بأنّ سعيه لضمّ البرازيل إلى شراكة مع الأطلسيّ سيفرمل بطريقة أو بأخرى اندفاعة الصين، عضو آخر في "البريكس"، باتّجاه الدولة اللاتينيّة.
وكان بولسونارو قد انتقد في حملته الانتخابيّة من يريدون "شراء البرازيل" ملمّحاً بشكل ضمنيّ إلى الصين في حين زار تايوان خلال شهر شباط 2018 في إطار خطواته المناوئة للصين. لكنّ بولسونارو أعلن منذ حوالي أسبوعين أنّه سيزور الصين خلال السنة الحاليّة مشيراً إلى أنّه يريد "التقرّب من العالم بأسره".
احتمالات عدّة قد تكون وراء عرض ترامب العضويّة الأطلسيّة على بولسونارو من بينها طلب شخصيّ من الرئيس البرازيليّ. كذلك، أمكن أن تكون الفكرة تلقائيّة ونوعاً من بادرة فرديّة تجاه رئيس يشاطر ترامب معظم أفكاره. وفي حال استقبال البرازيل كشريك غير عضو في الحلف، ستغيّر هذه الخطوة الكثير من المشهد السياسيّ في أميركا اللاتينيّة، وربّما أبعد.