لطالما طلبت من أبي، وبإلحاح، أن يصطحبني معه إلى متجره لأشاهد عمليّة البيع والشّراء عن كثب... وأخيرًا كان لي ما طلبت.
وصلت إلى المتجر حيث الكلّ يعمل كخليّة نحل، إلا رجلاً واحداً واقفًا لا يريم. استغربت الأمر وسألت والدي تفسيرًا لما أرى، فأخبرني أنّه عامل جديد، وأنّه يعدّ له لائحة بالمهامّ الّتي عليه أن ينفّذها، فرجوته أن أسلّم الورقة بنفسي إليه، وهذا ما حصل.
تجوّلت بين أرجاء المتجر، حيث البضاعة مرصوفة بشكل متناسق رغم تنوّعها، وعدت إلى مكتب والدي لأجد الرّجل على حاله، إلا أنّه يدور حول نفسه كحجر الطّاحون، وقد بدا عليه الارتباك والقلق.
رثيت لحاله، فاقتربت منه مستعلمة عن السّبب، فما كان منه إلا أن همس بصوت خافت: "أنا لا أجيد القراءة والكتابة، أخبريني ما المطلوب منّي؟". وقع الخبر عليّ وقوع الصّاعقة، كيف لرجل في مثل سنّه أن لا يجيد القراءة والكتابة؟! أليس التّعليم حقّاً للجميع؟
التقطت أنفاسي وتوجّهت إلى مكتب أبي وعلى وجهي أمارات التّعاسة والحزن، وبعد أن أطلعت أبي على ما جرى، قرّر أن يجري إحصاءً بعدد العمّال الأميّين في متجره مصمّماً على إرسالهم إلى معهد متخصّص بمحو الأميّة وتحمّله نفقات التّدريس.
خرجت من هذه التّجربة وقد تعلّمت الكثير الكثير. أدركت أهميّة العلم ونعمة التّعلّم، فهو حقّ للجميع، وأكبرت صنيع أبي الإنسانيّ، ودعوت له بطول العمر وحسن العاقبة.