المكان الواقع عند أحد دوّارات صيدا المزدحمة، أشبه بعيادة ضخمة تضم عدداً من العيادات المتخصصة في طب الأسنان. الطبيب يرتدي بدلة العمل ويتنقل بسرعة من مكان الى آخر ويشرف على تفاصيل دقيقة. بين مريض وآخر، يلتقط محمد البزري حبل الأفكار ليطلعنا على ماكينة جديدة استقدمها من الخارج للتو، وعلى ميزة علاجية جديدة نجح في تطبيقها. في كل هذه المشهدية، ثمة ما يجعل عينيه تبرقان دمعاً حين يتحدث عن صيدا ولبنان اللذين في باله.
[[embed source=annahar id=4467]]
يبلغ الطبيب محمد البزري 65 عاماً. ابن صيدا يعتبر نفسه محظوظاً كونه ولد في منطقة البحر المتوسط التي "تساعد الانسان على الابداع، بسبب مناخها وبحرها وأنهارها"، كما ان انتماءه الى جيل ما قبل ظهور الألعاب الالكترونية ساعد في خلق روح الابتكار لديه، فهو من صنع ألعابه بيده، الامر الذي فتح له المجال للتفكير في الخطوات التي تساعده في تحقيق طموحه. أبناء جيله كانوا يحتاجون الى حظ ومثابرة. إذا كان لديه في البداية اتجاه الى دراسة الهندسة الا انه عاد ودرس جراحة طب الاسنان، وبعدما قصد أميركا في سبعينات القرن الماضي حيث عمل في عيادة تضم 18 طبيباً، سأل نفسه لماذا لا يضم لبنان واحدة شبيهة لها لا بل اعلى منها مستوى. وبالفعل تمكن من فتح مركز طبي يحتوي على اهم المعدات من النمسا وسويسرا والمانيا، اضافة الى اميركا، وهو يقصد نيويورك مرات عدة في السنة ويطلع على آخر تطورات التكنولوجيا لينقلها الى وطنه. مرضاه من مختلف مناطق لبنان لا بل أن "30 بالمئة منهم من خارج البلد".
قاعدة الطبيب البزري في الحياة "من يطلب المستحيل ليس له منافس الا نفسه"، ويعتبر أن على الانسان وضع هدف أمام عينيه والعمل للوصول اليه وأن يكون مصرّاً على ذلك، أما خيط النجاح فهو الايمان بالعلم والمعرفة والخبرة لتطوير أي مجال. الايمان بوطنه دفعه الى رفض العيش في دولة اخرى مع أشخاص "لا يشبهونني".