النهار

"حادثة" مع البطريرك صفير، و"بشار الأسد زاره في بكركي"؟ إليكم الحقيقة
A+   A-

تزعم الرواية المتناقلة ان البطريرك مار #نصرالله_بطرس_صفير استقبل احد الايام خلال "الاحتلال السوري للبنان"، نجل الرئيس السوري حافظ الاسد، #بشار_الاسد في #بكركي. وقد صارحه يومذاك: "صحيح اننا وسوريا اشقّاء، لكن على كل واحد ان يسكن منزله الخاص به".

منذ ساعات، تكثف تناقل هذا البوست، على انه "حادثة حصلت مع البطريرك صفير". بشار في بكركي؟ متى؟ ولماذا؟ ما الذي حصل بالفعل؟ هل هذا البوست صادق ام كاذب؟

"النهار" دققت وسألت لكم

النتيجة: الزعم ان (الرئيس السوري) بشار الاسد زار البطريرك صفير في بكركي زعم خاطىء، ذلك ان الاسد لم يزر يوما بكركي، بتأكيد سيرة البطريرك ومصادر مطلعة قريبة من بكركي. غير ان سيرة البطريرك تبيّن انه استقبل عام 2003 في بكركي، نجل غازي كنعان (رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان)، نضال. ومما قاله له صراحة: "نحن نريد أفضل العلاقة مع سوريا. لكننا نريد أن نتدبر شؤون بيتنا بذاتنا. نريد التنسيق معها، لكننا حرصاء على سيادتنا واستقلالنا وقرارنا الحر".

الوقائع: البوست تكثف تناقله على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ اعلان وفاة البطريرك صفير الاحد 12 ايار 2019. ومما جاء فيه: "في ايّام الاحتلال السوري للبنان، اذ حدث يوما ان (الرئيس السوري) حافظ الاسد ارسل ابنه بشار لمعايدة البطريرك صفير في مناسبة عيد الفصح. وعندما جلسا في صالون الصرح سأله البطريرك: كم اخا لديك؟ فاجابه بشار: لدي اخوة كثيرون.

فسأله البطريرك: وهل الجميع متزوجون؟ اجاب بشار بأن البعض منهم متزوج، والبعض عازب. فسأله البطريرك: وهل تسكنون جميعكم في منزل واحد؟ فاجابه بشار بالنفي، وقال كل شقيق له منزله الخاص وكل شقيق يسكن وحده. عندها اطبق البطريرك مصيدته على بشار، وقال له : "هذه حالنا مع سوريا. فصحيح اننا وسوريا اشقّاء، لكن على كل واحد ان يسكن منزله الخاص به".

التدقيق:

-في وقت يغيب ذكر اي مصدر لهذه الرواية المتناقلة، تجدر الاشارة الى نقطتين رئيسيتين: الاولى ان الرئيس بشار الاسد لم يزر يوما الصرح البطريركي في بكركي، لا للمعايدة، ولا كمبعوث من والده الرئيس حافظ الاسد، وذلك بتأكيد الصحافي أنطوان سعد، كاتب سيرة البطريرك صفير (السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير)، وايضا مصادر عدة مطلعة او قريبة من بكركي راجعتها "النهار"، وايضا البحث في ارشيف "النهار".

والملاحظة الاخرى ان البطريرك صفير رفض ان يزور سوريا، رغم محاولات عدة فاشلة لاقناعه بزيارتها. وحتى امتنع عن التوجه اليها خلال زيارة الحبر الاعظم لها (ايار 2001). ورفضه انطلق من موقفه الوطني المطالب باستقلال لبنان وبخروج السوريين منه. ومواقفه في هذا الشأن واضحة وموثّقة في مختلف عظاته، وايضا في سيرته "السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير"، للكاتب انطوان سعد.

-الزيارة الاولى للرئيس بشار الاسد لبيروت حصلت في 3 آذار 2002. وقد وصل يومذاك الى مطار بيروت، حيث كان في استقباله الرئيس إميل لحود. و"توجه الزعيمان إلى قصر بعبدا لعقد أول قمة سورية لبنانية في بيروت منذ ما يزيد على ربع قرن". وزيارة الاسد للبنان يومذاك كانت الأولى له منذ توليه الرئاسة خلفا لوالده حافظ الأسد قبل نحو عامين، والأولى على الإطلاق لرئيس سوري منذ 27 عاما. واتت الزيارة تلبية لدعوة رسمية من لحود لنظيره السوري.

يومذاك، لم يحصل ايضا لقاء بين سيد بكركي والرئيس الاسد. "رغم الرمزية التاريخية الاستثنائية للزيارة التي بالغ حلفاء سوريا في لبنان، خصوصا المسيحيين منهم، في تقدير مراميها وابعادها لجهة نفي استمرار المطامع السورية التقليدية بضم لبنان او اجزاء منه، قابل سيد بكركي الزيارة بترحيب حذر، اذ اعتبرها خوة ايجابية تمثل اعترافا رسميا صريحا باستقلال لبنان، وتعاطيا يحفظ مقام رئاسة الجمهورية. لكنه رأى فيها ايضا محاولة احتواء للحركة المعارضة التي اطلقها ويقودها من اجل انهاء السيطرة السورية الكاملة على القرار اللبناني" (كتاب "السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير"، الجزء الثالث، انطوان سعد".

-ماذا عن الرواية المتناقلة في البوست على لسان البطريرك؟

"النهار" سألت النائب السابق الدكتور فارس سعيد، المنسق العام للأمانة العامة لِقوى 14 آذار، وكان من المقربين من البطريرك صفير. وافاد ان "البطريرك اخبرنا، خلال زيارتي له مع الراحل سمير فرنجيه (2002- 2003)، ان نجل غازي كنعان جاء الى بكركي ضمن وفود امت يومذاك الصرح البطريركي للمعايدة. وروى لنا انه اجرى حديثا معه، وسأله عن عائلته واشقائه وشقيقاته وحياتهم". ما رواه البطريرك  يومذاك لضيفيه، لا سيما تأكيده وجوب ان تكون العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة بين "دولتين صديقتين، ولكن مستقلتين"، يلتقي مع ما نسب اليه في الشق الاخير من البوست، على ما يلاحظ.

-في الواقع، هذه الواقعة موثّقة في كتاب سيرة البطريرك "السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير"، الجزء الثالث تحديدا، الصفحة 280. "صباح اليوم التالي، تلقت أمانة سر البطريركية اتصالا طلب موعدا "لابن اللواء غازي كنعان الذي يريد ان يهنىء البطريرك بعيد مولده". وفي الوقت المحدد في الثامن عشر من نوار (اي 18 ايار 2003)، دخل شاب حسن الهندام قاعة الاستقبال وسلّم على الحبر الماروني، معرفا عن نفسه بأنه نضال كنعان. وبدأ الحديث بالقول: "كلفني والدي اللواء غازي كنعان أن انقل اليكم التهنئة في ذكرى مولدكم (15 ايار). وهذه المرة الاولى التي يكلفني فيها القيام بمثل هذه المهمة".

وفي معرض الكلام، قال الشاب انه امضى فترة طويلة من حياته في الولايات المتحدة، وانه مخطوب لفتاة كاثوليكية من أصل ايرلندي، وانهما زارا دير مار شربل معا. وتشعب الحديث مع الشاب الذي "تبدو على وجهه سمات البراءة، وكان مستمعا أكثر منه متكلما". وقال له البطريرك: "نحن نريد أفضل العلاقة مع سوريا. لكننا نريد أن نتدبر شؤون بيتنا بذاتنا. نريد التنسيق معها، لكننا حرصاء على سيادتنا واستقلالنا وقرارنا الحر".

-سبق ان ادلى البطريرك صفير بالموقف الذي نُسب اليه في البوست، وفيه: "صحيح اننا وسوريا اشقّاء، لكن على كل واحد ان يسكن منزله الخاص به". وقد وجدنا لكم مقابلة اجراها مع الصحافي داود الشريان في قناة "العربية" خلال زيارته لفرنسا (19 حزيران 2010). وقال الكلام ذاته (في الدقيقة 1,16): "لبنان وسوريا جاران، يجب ان يكون صديقين، ولكن لكل بلد منحاه".

وفي فيديو عنه على "اليوتيوب" نشره حساب "القوات اللبنانية" في 17 تشرين الثاني 2010، ومن اعداد الزميلة فيرا بو منصف، يقول البطريرك (الدقيقة 3,33): "نحن دائما على صلة وثيقة مع جيراننا، وبخاصة مع جارنا الاقرب. ولكن كل في داره، وفقا لما يقول المثل: يا جاري انت بدارك، وانا بداري". 

وفي مقابلة أجراها معه الاعلامي عماد الدين أديب على شاشة محطة "أوربت"، ونقلها تلفزيون "ام.تي.في" (النهار، 3 تشرين الثاني 2000)، قال: "وجود السوريين في لبنان "اصبح في غير محله بالنسبة اليّ. فإما ان يكون بلد يحكم نفسه بنفسه او لا يكون. يجب ان يكون القرار للبنانيين وألا يكون البلد غير مستقل. فالاولاد يتركون اهلهم عندما يكبرون ليؤسسوا بيوتاً مستقلة، ومن حق لبنان المطالبة باستقلاله. اما ان يبقى الوضع على هذه الحال ويتم تعيين المسؤولين في لبنان فهذا لا يطاق".

واضاف: "لقد دفع السوريون ثمناً لغير لبنان. ونحن نقول الجيش السوري يمثل مؤسسة رئيسية. لذلك نريد له خروجاً مشرفاً من منطلق صداقة وليس عداء. ولكن يجب ان يتحمل لبنان مسؤوليته بنفسه وهذا حقنا. ثم نحن نريد علاقة من الند للند بين دولتين حرتين مستقلتين".

-النتيجة: الزعم ان البطريرك صفير استقبل (الرئيس السوري) بشار الاسد في بكركي، زعم خاطىء. الاسد لم يزر يوما الصرح البطريركي، ولا البطريرك صفير. هذه الواقعة المتناقلة تتعلق على الارجح بنجل غازي كنعان، نضال، الذي زار بكركي عام 2003. وقال له البطريرك يومذاك: "نحن نريد أفضل العلاقة مع سوريا. لكننا نريد أن نتدبر شؤون بيتنا بذاتنا. نريد التنسيق معها، لكننا حرصاء على سيادتنا واستقلالنا وقرارنا الحر".

[email protected]


اقرأ في النهار Premium