زيادة التعرفة على مكالمات الـ"واتسأب"، وحواراتها البصريّة، واحتساب مستحقّات خطّ الهاتف الخليويّ بالدولار على سعر "صيرفة"، ابتداءً من الأوّل من تموز، لن تغيّر شيئًا كثيرًا في نسبة استخدام هذه الخدمة، وحجم التكلفة.
بلى. في اليوم الأوّل، ربّما أيضًا في اليوم الثاني، وفي الثالث على أبعد تقدير، سيلجم بعض المستخدمين أنفسهم، ثمّ يعودون لإطلاق العنان للوتيرة نفسها التي كانت سائدةً قبل رفع السعر.
لو أردتُ أنْ أنزلق مشاركًا في "حروب" اللؤم والنكد والنكاية، لقلتُ لعلّ "مرضى" الـ"واتسأب" و"ثوريّي" وسائل التواصل الاجتماعيّ يرتدعون قليلًا، ويحلّون عن ظهورنا، ويعفوننا من تعليقاتهم وتنظيراتهم وبهوراتهم السخيفة والمدّعية والمتفلسفة، وينصرفون – مثلًا – إلى ملء وقتهم المهدور بعملٍ يفيدهم ويفيد عائلاتهم وأصدقاءهم، وربّما يفيد الجمهور العريض. لكن هيهات! على كلّ حال، ما لي ولهؤلاء، لأنّ المشكلة الفعليّة هي في مكانٍ آخر.
هذا المكان الآخر، هو السلطة، الحكم، ومفهوم السياسة. "المرض" الجوهريّ يكمن ها هنا. وهنا يعشّش. ويبيض. ويفقّس. وينتشر. وهو مرضٌ فتّاكٌ ماحقٌ قاتلٌ، لا شفاء منه، ولا يُرتجى الأمل (الافتراضيّ) في الشفاء منه، وإنْ بأعجوبة.
... وهو أيضًا مرضٌ مُعدٍ. وأنا أعرف ماذا أقول، وماذا أعني، ومَن أعني.
وعندما يصبح المرض مُعديًا، يصبح وباءً يصيب كلّ مَن تشمله لوثة الكراسي، السلطة، الحكم، والسياسة. وأكاد أجزم – لولا الحرج والاستثناء والبرهان – إنّه لا استثناء فيه. علمًا أنّ ثمّة استثناءات ترفع الرأس.
هذا عن المرض. أمّا "المرضى" فحدِّث ولا حرج. أتريدون عينةً. نموذجًا. مثلًا "بالمفرّق"، أم نأخذهم "بالجملة"؟
هاتوا لي واحدًا – واحدًا فقط – من الذين يمارسون الآن الحكم والسلطة في لبنان، ويجلسون على الكراسي، خاليًا من المرض، من هذا المرض المشين الذي يبدأ بفقدان الأخلاق والكرامة والشرف والصدق والأمانة والنزاهة، ولا ينتهي بالدعارة القبية، والبيع والشراء والمقايضة والنهب والاستيلاء والسرقة والإرهاب والتهريب والاستبداد و... القتل؟
هاتوا لي مسؤولًا واحدًا خاليًا من هذا المرض، من بين أهل الحكم والسلطة والكراسي أجمعين، باستثناء الاستثناء الذي تعرفونه جميعًا ولا لزوم لذكره، أكان هذا الاستثناء واحدًا أم اثنين أم ثلاثة على أبعد تقدير.
أهؤلاء "المرضى" يُراد منهم (وبواسطتهم) أنْ يعالجوا مرض لبنان، وأنْ ينتشلوا أهله واقتصاده واجتماعه من قعر الفقر والجوع والمرض والمهانة والذل واليأس والتفكّك والزوال؟
تصوّروا، تخيّلوا، أنّ الحلّ، أنّ الدواء هو عند هؤلاء. علمًا أنّهم هم المرض جسمًا وروحًا.
ما أحيلى زيادة التعرفة على الـ"واتسأب"، واحتساب مستحقّاتها وفق سعر "صيرفة". ما أحيلى "مرضى" الـ"واتسأب" أمام "مرضى" أهل الكراسي.
هؤلاء "المرضى"، مرضى الكراسي والحكم والسلطة، يُستأصَلون فقط لا غير. لا علاج سوى هذا العلاج (الاستئصال)، وإنْ بعد عام، أو ألف عام.