لا تحتاج سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام ورئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، إلى تعريف، فإنجازاتها الكبيرة، رسخت مكانتها بصفتها شخصية نسائية بارزة ونموذجاً يحتذى في العطاء والمسؤولية، من خلال ما أدت من أدوار ثقافية وتنموية ريادية، في تعزيز مكانة المرأة ومساندة حضورها في المجتمع.
"أمّ الإمارات"، شخصية تتسم بالتواضع ورحابة الصدر وقبول الآخر، وتتمتع بعزيمة ثابتة وقوية وحبّ لا محدود للعمل الخيري والتطوعي داخل الإمارات وخارجها.
رفيقة درب الشيخ زايد بن سلطان في فترات حكمه لإمارة أبوظبي ورئاسته لدولة الإمارات العربية المتحدة. ارتبطت به ارتباطاً وثيقاً، كان ملهمها، وعايشت انشغاله الكبير خلال سنوات الحراك السياسي. وكان لكل تلك العوامل أثر بالغ على مسيرتها اذ ساهمت في بلورة تكوينها الفكري وإعدادها لتحمل المسؤوليات الجسام التي أخذتها على عاتقها في مراحل لاحقة.
في حوار شامل نادر وحصري لـ"النهار العربي"، استعادت الشيخة فاطمة قيام الاتحاد وكشفت تفاصيل اللحظات التاريخية في تلك "الفترة الحافلة بالجهد والتحدي والطموح والإرادة الصلبة" و التحديات التي واجهها مؤسس الدولة الاتحادية وأحلامه التي تحولت على مدار سنوات إلى انجازات.
وتحدثت بقلب مفتوح عن خصال رفيق الدرب "حكيم العرب"، "رجل الاتحاد"، "ضمير الأمة". حكت عن زايد الأب وعلاقته بأبنائه وأحفاده، "يسرد لهم القصص ذات العبرة ليصقلهم بخبرته الواسعة".
ويكتسب الحديث مع "أمّ الإمارات" طابعاً خاصاً عندما نتطرق الى تجربة البلاد الرائدة في مجالات تعزيز أدوار المرأة وأثرها في محيطها، والتحديات التي واجهتها مع تأسيسها أول جمعية نسائية في عام 1973.
وهنا نص الحديث:
* عندما تُذكَر الإمارات نتذكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، واللحظات الأولى لقيام الاتحاد، كيف تصفين سموّك تلك اللحظة التاريخية؟
- كانت فترة حافلة بالجهد والتحدي والطموح والإرادة الصلبة والخير... فمنذ أن تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في أبو ظبي، في السادس من آب (أغسطس) 1966، بدأت سنوات حافلة بالعطاء والعمل الدؤوب لتنمية إمارة أبوظبي في مختلف المجالات.
وشهدت الإمارة بعد أعوام قليلة من تولي الشيخ زايد مقاليد الحكم فيها تحولات جذرية في زمن قياسي، بعدما تم تنفيذ مئات المشاريع في البناء والتشييد والتحديث والتطوير والخدمات، والتي شملت إقامة المساكن والتجمعات السكنية الحديثة، وبناء المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات والهياكل الأساسية للبنية التحتية، من طرق وجسور وكهرباء ومياه وخدمات اتصال ومواصلات، وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية من أجل بناء دولة عصرية وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.
وفي خضم هذا التطور الكبير، كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، يتطلع إلى جمع شمل الإمارات معاً، حيث بادر بعد أقل من عامين من توليه حكم أبوظبي الى الدعوة لجمع الشمل، إلى أن شهد التاريخ في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) عام 1971 قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتقديراً لجهوده ودوره القيادي وحنكته، اختار حكام الإمارات، المغفور له الشيخ زايد لرئاسة الدولة.
وانطلقت منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة الاتحادية عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة، وأعلن الشيخ زايد منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم تسخير الثروات من أجل تقدم الوطن ورفع مستوى المواطنين وسعادتهم قائلاً: "سخّرنا كل ما نملك من ثروة وبترول من أجل رفع مستوى كل فرد من أبناء شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، إيماناً منا بأن هذا الشعب صاحب الحق في ثروته، وأنه يجب أن يعوّض ما فاته ليلحق بركب الحضارة والتقدم".
* ماذا تروين لنا عن خصال الشيخ زايد وعاداته التي يمكن أن تستفيد منها الأجيال الإماراتية والعربية الجديدة؟
- إن كنت أريد أن أصف الشيخ زايد رفيق الدرب فإنني أعلم أن الكلمات ستقف عاجزة عن وصفه، فهو حكيم العرب، رجل الاتحاد، الحاكم الإنسان، ضمير الأمة، الرجل الوحدوي، الوالد والمؤسس، الصبور، زايد العطاء، جميعها من صفات الشيخ زايد، رحمه الله، التي جعلت منه قائداً فريداً على مستوى العالم.
كان الشيخ زايد يتسم بسعة الصدر والتسامح وطول البال والحكمة التي اكتسبها من حبه وحرصه الدائم على التفاعل الشخصي مع كل المواطنين.
لقد أدرك، طيب الله ثراه، مبكراً أنه من أجل تعزيز الانسجام الداخلي والتماسك والتلاحم الوطني بين أبناء شعبه، يحتاج في البداية إلى نسج خيوط الثقة وبنائها من خلال قربه من شعبه وتمتعه باللقاءات والاجتماعات مع المجتمع المحلي... وبرز، كمستمع ومصلح ووسيط في حل النزاعات، وهي الصفة التي لازمته طوال فترة حكمه، ولذلك لقب بـ"حكيم العرب". إنه مثال للتواضع والتحلي بالحزم والكرم... كانت لديه القدرة على الثبات عند المحن، ولم يكن قائداً يطمح إلى شعبية أو جماهيرية، وإنما كان قائداً يعمل من أجل شعبه... وكان يجمع بين الأخلاق والسياسة. كان قائداً صريحاً صبوراً وصاحب بصيرة.
* حدثينا عن الأجواء العائلية وعن الشيخ زايد كأب؟ كيف كان ينظر إلى الأبوة؟ وكيف كانت علاقته بأبنائه؟
- كان الشيخ زايد أباً عطوفاً حنوناً رحيماً معطاءً، ليس مع أبنائه وأحفاده فحسب، بل مع كل مواطني الدولة والمقيمين على أرضها على حدٍّ سواء، وكان ملتزماً التزاماً تاماً بتحقيق رفاهيتهم وجلب السعادة لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.
حرص الشيخ زايد على توفير كل مقومات الحياة الأسرية المليئة بالدفء والحب والمودة، وكان محباً لجمع كل أبنائه وأحفاده، يسرد لهم القصص ذات العبرة ليصقلهم بخبرته الواسعة... كما أنه كان شديد الحرص على أن يرتادوا معه مجلسه، وأن يصطحبهم في سفراته الخارجية لإثراء مهاراتهم القيادية وإعدادهم لحمل أمانة الوطن الغالي.
* ماذا عن أحلام الشيخ زايد التي كان يردّدها أمام سموّك؟
- لطالما آمن الشيخ زايد بأن لا مستحيل أمام إرادة الشعوب، في أن تصنع حضارة إنسانية، مشدداً على ضرورة البحث في المستقبل والمحافظة على الماضي الذي يمثل التراث والأصل والجذور، وأن نرى العالم بأعيننا، لا بأعين الآخرين، لذلك كانت أحلامه كبيرة كبر قدرته الفائقة على استشراف المستقبل والإيمان بقدارت أبناء الوطن وبناته.
* رافقتِ المغفور له الشيخ زايد منذ فترة حكمه إمارة أبو ظبي إلى رئاسته الدولة، ما أبرز التحديات التي عايشتمانها معاً على طريق التطور والإنماء؟
- لا شك في أن المتابع لمسيرة الاتحاد المباركة، يدرك على الفور أن ما تحقق ولا يزال على أرض الإمارات يعد معجزة حقيقية، انطلاقاً من رحلة عبور دولة الإمارات من قلب الصحراء إلى مدارج التقدم على جسر التنمية الشاملة. لم يأت هذا النجاح مصادفة بل نتاج أمرين: الأول عمل وجهد ومشقة وصبر لقائد عظيم، قدم كل ما بوسعه ليفي بالعهد الذي قطعه على نفسه أمام الله بالحفاظ على كيان الاتحاد. والثاني إخلاص الشعب المحب لوطنه وقيادته والذي أثبت أن لا مستحيل مع العمل والجد والاجتهاد وروح الإبداع والأمل في مستقبل مزدهر وأكثر إشراقاً.
* كيف نجح الشيخ زايد في جعل أصالة الماضي جسراً لبناء رؤيته للمستقبل؟
- الشيخ زايد علمته الصحراء النظرة الصافية والثاقبة لمواجهة المحن والشدائد. علمته أن الإنسان هو المفتاح السحري لبناء الوطن وأن الأصالة هي بوابة التقدم والنهضة... هذه كانت ببساطه رؤيته الحكيمة في بناء وطن وحضارة وإنجازات مستدامة يخلدها التاريخ.
وركز الشيخ زايد في لقاءاته مع أبنائه الشباب والمواطنين على ضرورة التعرف إلى تراثهم الحضاري حتى لا ينسوه، وعلى التمسك والاقتداء به قائلاً: "يجب على الشباب أن يتتبعوا ويسألوا عن التاريخ ويراجعوه، سواء أكان التاريخ القريب أم المتوسط أم البعيد، حتى يعلموا ماذا مر بهذا الوطن وكيف عاصرته الأجيال التي مضت... لأنني أؤمن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره، أما إذا عرف المرء ماضيه فلا بد من أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب المستقبل"، فضلاً عن تأكيده المستمر "إن أي أمة ليس لها تراث ليس لها أول أو آخر".
* ما هي العبارة التي كان يرددها أمامك، وتحضرك دائماً؟
- لعل من أبرز العبارات التي كان يرددها "ان تعطي الأولوية في الاهتمام لبناء الإنسان ورعاية المواطن في كل مكان من الدولة، وإن المواطن هو الثروة الحقيقية على هذه الأرض، وهو أغلى إمكانات هذا البلد"، والتي سار على نهجها المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله الذي كان خير خلف لخير سلف، ويحرص على ترجمتها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله الذي أشرقت بحكمه شمس أخرى على الإمارات، تستمد من ضوئها مسيرةُ الخير والنماء والازدهار.
* هل كان يتوقع أو يطمح الشيخ زايد لأن تصل الإمارات يوماً إلى المريخ كما حدث؟
- بالطبع لقد حرص على لقاء رواد فضاء "أبولو" الذين هبطوا على سطح القمر، وفريق وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) المسؤول عن الرحلة 1969 في أبو ظبي، وكان يقول إن "رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كعرب بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع".
لذا غمرتني السعادة والفرحة العميقة بعدما رأيت بعيني حلم المغفور له الشيخ زايد يتحقق ويصبح واقعاً ملموساً، بعدما تمكنت دولة الإمارات من الوصول إلى الكوكب الأحمر، وتأسيس قطاع الصناعات الفضائية، واستثمارها في بناء كوادر إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء والابتكار والأبحاث العلمية والفضائية، وخلق جيل من الباحثين، وإتاحة الآفاق للتعاون العملي العالمي، لتعانق دولة الإمارات الفضاء ويتحقق هذا الإنجاز المشرّف الذي أعاد البريق للكفاءات العربية والإسلامية لتتبوأ مكانتها المعهودة بسواعد إماراتية.
* كيف كانت نظرة الشيخ زايد إلى المرأة وأدوارها في المجتمع؟
- كان الشيخ زايد يؤمن بقدارت المرأة التي لا حدود لها، ويراها شريكة ورفيقة جنباً إلى جنب مع الرجل، لذلك حرص على إدراج دعمها وتمكينها في شتى المجالات ضمن الثوابت الوطنية منذ تأسيس الدولة، وجعل من حماية حقوقها ومصالحها هدفاً استراتيجياً، سنّت الدولة من أجله القوانين، ووضعت الأطر التشريعية والتنظيمية اللازمة لجعل مبدأ المشاركة بين الرجل والمرأة ممارسة حياتية فعلية.
لقد حرص المغفور له الشيخ زايد على توفير الإمكانات اللازمة لتقديم أفضل الفرص لتعليم المرأة وتأهيلها وتعزيز قدارتها، وإدخالها إلى سوق العمل، وتوفير المناخ الموائم لتطورها، وتلك كانت من أوائل المهام التي وجه الشيخ زايد بتنفيذها، وسار قادة البلاد على خطاه في هذا النهج.
كما اعتمد، طيب الله ثراه، مخرجات أساسية عدة لدعم المرأة الإماراتية، أهمها إلزامية التعليم، وفتح أبواب العمل، والتمكين، ودعم المؤسسات والجمعيات النسائية، موفراً بذلك بيئات نوعية تتيح للمرأة الخوض في تجربة المشاركة الفعلية، في المجالات التنموية كافة، من دون تمييز بينها وبين الرجل، والانتقال نحو المواطنة الحقيقية المبنية على الإحساس الكلي بالمسؤولية، وكان يقول رحمه الله: "يهمني أن تتعلم الفتاة إلى آخر مرحلة تستطيع الوصول إليها، ويسعدني أن أرى من بين فتياتنا المُدرسات والطبيبات. ومن حق المرأة في المستقبل الإدلاء بصوتها في الانتخابات، وحقها في ترشيح نفسها لعضوية المجالس الاستشارية أو النيابية، كما أشجع عمل المرأة في المواقع التي تتناسب مع طبيعتها، وبما يحفظ لها احترامها وكرامتها وكونها صانعة أجيال". وكذلك كان يعبر عن سعادته بما حققته المرأة من إنجازات في كل مجال في العديد من الأقوال، ومنها قوله إن "ما حققته المرأة في دولة الإمارت، خلال فترة وجيزة، يجعلني سعيداً ومطمئناً إلى أن كل ما غرسناه بالأمس بدأ يُؤتي ثماره...
* "أمّ الإمارات"... ماذا يعني هذا اللقب لسموّك؟ وكيف تنظرين إلى الإمارات اليوم وقصة النجاح التي سطرتها؟
- في الحقيقة لقب "أمّ الإمارات" هو الأقرب إلى قلبي لما أشعر به من مشاعر تفيض بالحب والأمومة تجاه جميع أبنائي وبناتي من أهل هذه الأرض الطيبة، فجميع أبناء الوطن في بؤرة اهتمامي وشغلي الشاغل ليلاً ونهاراً، وكلّ أملي أن أرى شعبنا الحبيب في سعادة وهناء وتطور وازدهار.
يملأني الفخر والاعتزاز بما حققته دولة الإمارات العربية المتحدة من إنجازات مشرفة وتجارب فريدة ومبادرات سباقة، وضَعَتْها ضمن أفضل دول العالم تحضراً وتقدماً وتطوراً وانفتاحاً.
* أسستِ أول جمعية نسائية في عام 1973، فلنتذكر التحديات الأولى وكيف تم اجتيازها؟
- في بداية عملنا على دعم المرأة وتمكينها في دولة الإمارات منذ تأسيسها، واجهنا العديد من التحديات التي تم العمل عليها ومنها ملف التعليم، إذ قمنا بتأسيس "جمعية نهضة المرأة الظبيانية" عام 1973، التي كان لها الدور البارز في محاربة الأمية، وتقديم فرصة التعليم للمرأة في كل ظروفها وفي أي مرحلة من عمرها كانت الجمعية تحدياً، ونجاحاً مبهراًٍ وتجارب ريادية لنساء أكملن مسيرتهن التعليمية والتحقن بالجامعة وتخرجن ومارسن أدواراً عملية في خدمة وطنهن.
* بعد عامين من ذلك، في 1975، تأسس الاتحاد النسائي العام، هل عبّر القرار حينها عن قناعة بضرورة دور المرأة في كل الإمارات؟
- منذ تأسيس دولة الإمارات كانت هناك جهود مستمرة ومبادرات أثمرت إنشاء جمعيات نسائية في جميع إمارات الدولة، إلى أن تم توحيد جهود جميع الجمعيات تحت نطاق الاتحاد النسائي العام عام 1975، لدعم مسيرة تمكين المرأة في كل المجالات، ومنذ ذلك الحين أخذ على عاتقه عملية النهوض والارتقاء بالمرأة، بصفته الآلية الوطنية المعنية بتمكين المرأة في دولة الإمارات. وحرص الاتحاد النسائي العام أيضاً على استشراف مستقبل المرأة الإماراتية والسعي إلى التطوير المستمر عبر تطويع أفضل الممارسات بما يتوافق مع خصوصيتها، لضمان تحقيق كل ما يجعل من المرأة شريكة رئيسية مستدامة.
* في عام 2003، أسستِ المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، لماذا كان الحرص على الجمع بين المرأة والطفل؟
- ذلك الحرص ينبع من قناعاتي بأن الاهتمام بالمرأة والطفل يعدّ من أهم ركائز تطور المجتمعات وتنميتها، ويعكس مدى تحضرها وإنسانيتها.
وحرص "المجلس الأعلى للأمومة والطفولة" على تحقيق رسالته السامية في الارتقاء بمستويات رعاية الأمومة والطفولة داخل الدولة، ومتابعة خطط التنمية والتطوير الرامية إلى تحقيق الرفاهية المنشودة للطفل والأم، وذلك في إطار خطة التنمية العامة للدولة...
* كيف نجحت الإمارات وفق رؤيتكم في إتاحة فرص متكافئة للمرأة إلى جانب الرجل؟
- لم نجد صعوبة في هذا الأمر، وذلك لحرص المجتمع عامة والرجل خاصة، على اتباع خطى الشيخ زايد الذي آمن بدور المرأة ومنحها كل الثقة والدعم، لتصبح تلك المقولة السائدة التي لطالما تهافتت على أسماعنا: "وراء كل رجل عظيم امرأة"، لا تقتصر على الرجال فحسب، بل يمكننا أن نراها عكسية وصائبة في الآن نفسه أي "أن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم"... إذ إن الكثير من السيدات تميزن في مجال عملهن، وصرن علامة يشار إليها بالبنان، بفضل الرجل في حياتهن.
* ما الذي ميّز الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في عام 2002، وما الإضافة التي قدمتها على مسارات العمل السابقة من أجل المرأة؟
- تعد الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة الإماراتية في الفترة من عام 2002 - 2014 والتي تم تحديثها في 2015- 2021 من أهم المبادرات والمشاريع التي أطلقها الاتحاد النسائي العام، بالتعاون مع مؤسسات الدولة الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، والتي لها الفضل في التحول الجذري في ملف تمكين المرأة في الدولة.
لقد حققت الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة الإماراتية 2021-2015، التي أطلقها الاتحاد النسائي العام، جملة من الأهداف الكبرى في مسيرة المرأة الإماراتية، التي عززت من قوة تنافسية دولة الإمارات العربية المتحدة في ملف دعم المرأة وتمكينها، بعدما تم إعدادها وفق أحدث المناهج في التخطيط الاستراتيجي التنموي بإجمالي 518 محصلة موزعة على 153 مشروعاً و174 مبادرة و191 دراسة، بمشاركة 155 جهة وطنية، تضمنت 33 جهة اتحادية، 72 جهة محلية، 12 مؤسسة مجتمع مدني، 6 جهات شبه حكومية، 21 جهة من القطاع الخاص و11 جهة من التعليم العالي، إذ حققت الجهات المحلية أعلى نسبة من الأهداف والتي بلغت 38.8% بواقع 127 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً، فيما أحرزت مؤسسات المجتمع المدني نسبة بلغت 28.4% بواقع 93 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً، وحققت الجهات الاتحادية نسبة بلغت 24.5% بواقع 80 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً، والقطاع الخاص نسبة بلغت 8.3% بواقع 27 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً.
وساهمت حزمة المشاريع والمبادرات والأهداف التشغيلية التي قدمتها الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في تحقيق تسعة من أهداف التنمية المستدامة التي اشتملت على 83 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً داعماً لتحقيق الهدف التنموي للصحة الجيدة والرفاه، و79 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً لتحقيق الهدف التنموي "التعليم الجيد"، و167 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً في تحقيق الهدف التنموي "المساواة بين الجنسين"، و42 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً في تحقيق الهدف التنموي "العمل اللائق ونمو الاقتصاد"، و81 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً لـ"الحد من أوجه عدم المساواة"، و10 مشاريع ومبادرات وأهداف تشغيلية لتحقيق الهدف التنموي "مدن ومجتمعات محلية مستدامة"، و5 مشاريع ومبادرات وأهداف تشغيلية لتحقيق الهدف التشغيلي "الاستهلاك والإنتاج المسؤولين"، و75 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً لتحقيق الهدف التنموي "السلام والعدل والمؤسسات القوية"، و23 مشروعاً ومبادرة وهدفاً تشغيلياً لتحقيق الهدف التنموي في عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
* من وجهة نظر سموّك... كيف يمكن الحد من الأثر السلبي على المجتمعات لما تعانيه النساء اللاجئات واللواتي هاجرن من بلادهن؟
- إن قضية النساء اللاجئات تعد قضية بالغة الأهمية، تتطلب تعاوناً وتنسيقاً على المستوى العالمي، وذلك في إطار من الانفتاح والتواصل الحضاري الإيجابي الذي يقوم على مبدأ المسؤولية المقترنة بالإنسانية.
علينا أن نؤكد أن المرأة العربية وجميع نساء العالم لم يغبن يوماً عن رؤيتنا التنموية لبناء قدراتهن وتطوير مهاراتهن في جميع المجالات والقطاعات، فضلاً عن مد يد العون في كل منعطف تمر به المرأة بمأساة أو محنة، ومن هذا المنطلق تحرص دولة الإمارات كل الحرص على تعزيز المشاركات الدولية، والأطر المؤسسية العالمية الهادفة لترسيخ المساواة بين الجنسين والتعاون والمشاركة المرتكزة على النهوض بالمرأة، إلى جانب دعمها المتواصل لمنظمات العمل الإنساني والخيري على المستويين الإقليمي والعالمي، للدفع بالعمل الإنساني والنسائي إلى الأمام والمساهمة النوعية في تحسين حياة المرأة كجزء من بناء مجتمعات آمنة ومستقرة.
لذا عمدنا إلى تأسيس "صندوق الشيخة فاطمة لرعاية المرأة اللاجئة والطفل" بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، للتخفيف من معاناة اللجوء على الطفل والمرأة عبر مشاريع وبرامج إنسانية مستدامة.
* هل أنتم راضون عما حققته المرأة الإماراتية اليوم ومستوى حضورها في المؤسسات الرسمية للدولة؟
- بالطبع فهو الأعلى على مستوى العالم، إذ سجلت عملية تقدم المرأة الإماراتية، انعكاساً واضحاً في نسب مشاركتها في القطاعات المختلفة، لترتفع أعداد النساء اللاتي تقلدن مناصب وزارية إلى 9 وزيرات حالياً يدرن ملفات مهمة كالتكنولوجيا المتقدمة، التطوير الحكومي والمستقبل، والأمن الغذائي والمائي، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50%، والتي تعتبر من أعلى النسب لمشاركة المرأة في العمل البرلماني على مستوى العالم، إلى جانب بلوغ نسبة المرأة في العمل الدبلوماسي نحو 30% بواقع 10 سفيرات وعضوتين في المنظمات الدولية، هما المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة والمندوبة الدائمة لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، فيما سجلت المرأة الإماراتية نسباً عالية في مختلف القطاعات مثل قطاع الإعلام والثقافة والفنون، وقطاع التعليم، وقطاع الصحة، كما وصلت نسبة مشاركة المرأة في الفريق العلمي لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ إلى 34% وهي الأعلى عالمياً.
* أكثر من 500 جائزة وشهادة تقدير وأوسمة نلتها من جهات محلية وعربية ودولية، ما الجائزة الأغلى إلى قلبك؟
- في الحقيقة جميعها لها محبة كبيرة في قلبي، لكن إذا أردت ذكر واحدة منها، فيمكنني اختيار تقلد الشعار الذهبي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كأول شخصية نسائية على مستوى العالم، وذلك لما تمثله قضية اللاجئين من حيز كبير في اهتماماتي بالميدان الإنساني.
* قول ترددينه دائماً؟
- إن تحقيق الإنجازات هو ما عهدناه من أبنائنا وبناتنا الأوفياء... كلنا ثقة بقدرتهم على مضاعفة الإنجاز والحفاظ على مكتسبات الوطن ومقدراته، والتي تدفعنا إلى بذل مزيد العطاء سعياً لرفعة وطننا الحبيب.
* نصيحة لكل امرأة عربية؟
- أتمنى أن تسعى كل امرأة وراء حلمها، وأن تبحث عن تميزها وفقاً لمهاراتها وقدراتها وخبراتها التي أنعم الله عليها بها، لتتمكن من خدمة أسرتها ومجتمعها ووطنها.