النهار

سقط المتاع
النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا.
A+   A-
عقل العويط
 
اعتصام النائبين نجاة صليبا وملحم خلف في القاعة العامّة لمجلس النوّاب الذي بدأ مفتوحاً ولا يزال مستمرّاً منذ 19 كانون الثاني من هذه السنة (غير الميمونة، شأن سابقاتها الأخيرة)، إنّما هو مسألة مبدأ ومسألة رمز أكثر منها مسألة إجرائيّة، أو مسألة جدوى.
 
المبدأ والرمز يتجسّدان في التذكير بالمعايير والمفاهيم والقيم الدستوريّة والأخلاقيّة التي تقوم عليها السلطة التشريعيّة نظريّاً (بل السلطات مطلقًا)، لكن التي باتت، عمليًّا وواقعيّاً، منتهَكةً، مغتصَبة، ومعفّرة بالتراب، بأيدي قسم كبير جداً من ممثّلي الشعب أنفسهم، مَلوكة بألسنتهم، مدعوسة بأرجلهم، والأحرى بأحذيتهم.
 
في الغالب الأعمّ، قد لا يتوصّل اعتصام النائبين إلى حمل المجلس على الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهوريّة بعد شغور منصب الرئاسة في ليل 31 تشرين الأول 2022.
بل أعتقد جازماً أنّ من رابع المستحيلات أنْ يفضي هذا الضغط إلى نتيجة ملموسة.
لكنّ الموضوع ليس هنا. أي ليس هو في التوصّل إلى تحقيق هذه النتيجة المرتجاة، على أهمّيّة انتخاب رئيس.
 
أهمّيّة الموضوع (متمثًّلًا في خطوة النائبين) تكمن في مبدئيّته ورمزيّته. فهو يعرّي، في مبدئيّته ورمزيّته هاتين، "سيّد نفسه"، أي مجلس الشعب، من ورقة التين التي يختبئ وراءها. ذلك أنّ موقف النائبين هذا، يفضح، لا عجز السلطة التشريعيّة فحسب عن أداء واجبها، بل يفضح هباء "سيادتها على نفسها"، كما الانحطاط الذي آلت إليه هذه السلطة خصوصًا، وهي المؤتمنة على ثقة الناس.
 
من سخرية الأمور، مثلاً، أنّ القوّة الأمنيّة المولجة حماية "مجلس الشعب"، أي شرطة المجلس النيابيّ الكريم (وهي مَن هي، وهي بمَن وراءها، وبمَن أمامها)، تحظى – من جملة ما تحظى به - بالإنارة الكهربائية على مدار الساعة، في حين أنّ هذه الشرطة لا تمنّ (أو لا يُسمَح لها بأنْ تمنّ) على النائبين المعتصمين بشريط موصلٍ للكهرباء إلى القاعة العامّة.
 
تصوّروا مثلاً، أنْ يتفضّل رئيس "سيّد نفسه" بزيارة النائبين المعتصمين للوقوف على خاطرهما، وشدّ أزرهما، وتربيت ظهرهما... لأنّهما يدافعان عن سيادة المجلس على ذاته.
 
إنّما هذا هو محض احتمالٍ افتراضيّ، بل الأحرى محض تخييلٍ افتراضيّ، لا أكثر. وهذا أيضًا من رابع المستحيلات.
 
في وقتٍ سابق، منذ أيّام، "مَنَّ" نوّاب كرام (؟!) من أصحاب الحلّ والربط في دولة المافيات والعصابات، بسيولٍ من العبارات الميليشيويّة الشارعيّة الزقاقيّة المقذعة في حقّ زملاء لهم. وهذا، إنْ دلّ على شيءٍ (إضافيّ) فإنّما يدلّ على هول ما آلت إليه المعايير والمفاهيم والقيم الأخلاقيّة – قبل الدستوريّة – لدى "أهل التشريع" و"حرّاس الديموقراطيّة".
 
أكرّر: اعتصام النائبين مسألة مبدئيّة رمزيّة، معياريّة، مفاهيميّة، وقيميّة، وهي لا تتوقّف عند انتخاب رئيس.
 
ويجب، على الرغم من استحالة تحقيق الجدوى في خطوة النائبين، يجب أنْ نكفّ عن ترداد عبارات من مثل "على مَن تلقي مزاميرك يا (ابن) داود".
 
... وإلّا كان علينا أنْ نسلّم بمبدأ وصول رئيس (أي رئيس) من سقط المتاع. وما أكثر سقط المتاع هذا!

اقرأ في النهار Premium