جورج عدوان.
كانت أمّي تجلس صباحاً ترتشف قهوتها مع جارتها أميرة الأقرب إليها قلباً وقالباً، عندما سمعتا خبراً عن تغريدة رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان عبر "تويتر" يسأل فيها: "كان من المفترض أن تقدّم شركة "ألفاريز أند مارسال" تقريرها الأولي بتاريخ 27 أيلول 2022 حول التدقيق الجنائي في مصرف لبنان: أين أصبح التقرير؟ لماذا التأخير؟".
وسألت أمّي جارتها "أليس من المضحك أن يخرج وزراء ونوّاب يسألون متابعيهم والمشاهدين والمستمعين أمثالنا عن ملفّات عالقة، أو أن يبرّروا فشلهم في تحقيق الإنجازات بقولهم "ما خلّونا"، ويردّد آخرون منهم أنهم تعرّضوا لحصار من الفاسدين فوجئوا بهم؟ هل صحيح هذا الكلام؟ ألم يكونوا يعلمون عندما ترشّحوا الى النيابة أو تسلّموا الوزارات، بأن الفساد ينخر في المؤسّسات منذ ما قبل الحرب عام 1975، لكنّه تجذر عندما تسلّم الميليشيويون السلطة؟ ألا يعرف بعضهم بعضاً ماضياً وحاضراً، وهم يغطّون سياسياً كلّ المخالفين إن لم نقل الفاسدين؟ أليسوا من يتدخّل لإطلاق قاتل ومطلق نار، أليسوا أنفسهم طالبي تراخيص السلاح وتسهيل المرور و"الفوميه"؟ أليست سيّاراتهم تلك التي تعبر الطرق والأوتوسترادات بعكس السير وغالباً من دون نمرة، أو بنمرة مستنسخة على سيارات الموكب كلّه؟".
لا يقتصر السؤال على النائب جورج عدوان، بل على كلّ من في السلطة. ليس هو أكثر من مثال، لكنّه كغيره مقصّر في الملفّات التي تعبر عبر اللجنة النيابية التي يرأسها وهي لجنة الإدارة والعدل. بالأمس خرج يسأل في تغريدة، كأنه غير مسؤول، وعليه أن يحصل على جواب رسمي ويعلنه للذين وضعوا ثقتهم به، ويتعهّد أمامهم بأنّه سيلاحق الملفّ، لا أن يكتفي بالسؤال الذي غالباً ما يبقى من دون جواب واضح.
كل الوزراء يطالبون بموازنات كافية وكادر بشري مؤهل وظروف سياسية وأمنية مناسبة للقيام بالواجبات المفترضة عليه، والحقيقة أن ظروف قبولهم المهمّة الموكلة إليهم لم تكن مختلفة عندما ارتضوا تسلم حقائبهم، ولم يتحقق الانهيار أمس مفاجئاً إيّاهم. والحقيقة الثانية أنه عندما تتوافر الظروف المناسبة والأموال الكافية والكادر البشري المؤهّل وعندما يتم القضاء على مكامن الفساد وتتعاون الوزارات في ما بينها، وتنشط الهيئات الرقابية، يمكن لأمّي وجارتها أن تتسلّما الوزارة، لأن الإدارة المناسبة قادرة على تسيير الأعمال من دون تعب كبير، أما التحدّي فيكمن في تحقيق إنجازات في الظروف المعقدة، أو يكون اللجوء الى القضاء والمحاسبة، قبل الاستقالة، هو العمل البطولي.