ببلوغها مستويات غير مسبوقة تستدعي الازمة المالية، الاقتصادية، و السياسية طرح سؤال راود العديد من المراقبين خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة: هل بات من الأفضل ترك لبنان ينهار كلياً تمهيداً لإقامة صيغة ونظام جديدين في البلد على أنقاض واقع ما عاد من الممكن إعادة تأهليه؟
هذا سؤال مهم للغاية لأنه نُقل سابقاً عن مسؤولين دوليين كبار معنيين بالملف اللبنانيين كلام عبّروا فيه عن يأسهم مما آلت إليه أوضاع لبنان، وعبّروا خصوصاً عن يأسهم من الطاقم الحاكم في لبنان الذي ينظر إليه المجتمع الدولي بشقيه العربي والأجنبي على أنه فاسد حتى النخاع، ولا يملك الحد الأدنى من الحس الوطني والإنساني والأخلاقي تجاه شعبه، والأهم أنه طاقم فاشل أوصله الجشع المادي والوصولية السياسية المتدنية المستوى الى تدمير بلد كان يمكن أن يحقق الكثير من خلال مسارين، الأول ترسيخ مبدأ الاستقلال والسيادة و مشروع الدولة ضمن إطار توافقي وسلمي، والثاني امتلاك الحد الأدنى من النزاهة والكفاءة في إدارة شؤون خمسة ملايين لبناني. و مع ذلك فشل الطاقم السياسي اللبناني في صون لبنان، وتفرّغت معظم قواه للنهب تحت مظلة تحالف غير معلن بين مكوّني السلطة الحالية أو ما اصطلح على تسميته تحالف المافيا والميليشيا. وهنا يذهب من تناولوا مسألة ترك لبنان ينهار كلياً لأنه غير قابل للإنقاذ في ظل وجود هذا الطاقم الحاكم المستتبع بشكل كبير لقرار الجهة المهيمنة على البلاد بقوة السلاح والإرهاب والترهيب. بنظر هؤلاء فإن لبنان غير قابل للإنقاذ على يد طاقم حاكم هو سبب رئيسي للانهيار الذي يعيشه لبنان، وكذلك للتحلل الذي أصاب مؤسسات الدولة بشكل يكاد يكون غير قابل للإنقاذ. ويذهب المسؤولون الدوليون المشار إليهم آنفاً الى الجزم بأن من العبث تماماً إيلاء الطاقم الحاكم من دون استثناء (يشمل "حزب الله") مهمة تنفيذ إصلاحات الحد الأدنى المطلوبة من لبنان الدولة و المؤسسات. فهؤلاء لا يمتلكون صفات تمكنهم من الاضطلاع بما يحكى ويشاع عن خطط إنقاذ أو تعافٍ بقيت حتى الآن مجرّد حبر على ورق. ومن هنا وعلى مدى الأعوام الماضية تعاظم يأس المجتمع الدولي من مجمل هذا الطاقم الحاكم الذي يوصف في عواصم القرار العربية و الدولية بأنه مافيوي لا يستحق أن يبقى في السلطة، حتى إن كانت صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة عام ٢٠٢٢ قد أعادت تأهيله من دون أن تدخل ما يكفي من دماء جديدة على تركيبة البرلمان اللبناني، فبقي معظم الطاقم الحاكم ممسكاً بخيوط السلطة ما عدا طرفاً واحداً آثر الانكفاء لأسبابه الخاصة. لكن ما يؤسف له هو أن يكون الطاقم الحاكم المشكوّ منه داخلياً وخارجياً متربّعاً على حكم أشلاء بلد وذلك برضى أهل البلد نفسه، ومثلهم في ذلك مثل السجين الذي يمضي عمراً في الأسر وعندما يطلق سراحه يرفض أن يخرج من سجنه لأنه لم يعرف في حياته سوى حياة الأسر.
في مطلق الأحوال من الواضح أن لبنان يسير بخطى حيثية صوب الانفجار الكبير الذي سيطيح بما هو أهم من مؤسسات الدولة ومرتكزات الحكم عبرها. سيطيح بأسس وحدة البلد، أي إنه بعد تحلل مؤسسات الدولة وانهيار مشروعها سيتفتت لبنان بسرعة كبيرة لتحل مكان الدولة الواحدة لكن الفاشلة كيانات صغيرة متناحرة بما يعيد خلط أوراق لبنان من الأساس.