"كيف يمكن وطنًا بهذا الجمال أنْ ينجب سياسيين بهذه البشاعة؟ كيف ترضى أرضٌ زرعت في شتّى أصقاع الأرض أذكى أولادها وأنقاهم أنْ ينبت فيها ويحكمها أغباهم وأقذرهم؟" (مروان نجار)
أنتَ قلتَ، يا مروان، وأنتَ سألتَ: كيف؟ كيف يمكن لذلك أنْ يكون؟
أنا مثلكَ، لا أعرف كيف، وإذا عرفتُ حقدتُ وطلبتُ الثأر من هؤلاء. لأن لا شيء ينفع مع هؤلاء إلّا الثأر.
لقد جرّبتَ بنفسكَ كلّ شيءٍ (أخلاقيّ وديموقراطيّ) معهم، باعتباركَ رجل قيمٍ وفهمٍ وثقافةٍ وعرفانٍ ورحابةٍ عقليّة: جرّبتَ المنطق، جرّبتَ المسرح، جرّبتَ التلفزيون، جرّبتَ الكلام واللغة، جرّبتَ الشعر، جرّبتَ النقدَ، والهزل، والهجاء، والسخرية. لكنّكَ عدتَ خائبًا. كما عاد قبلكَ مثقّفون وأدباء وفنّانون ومناضلون وأحرار أنقياء كثر من أهل هذه الأرض.
هؤلاء السياسيّون هم من البشاعة بحيث لا ينفع معهم "الإرهاب السلميّ المعنويّ الخلّاق"، ولا العقل، ولا التأدّب، ولا الإحراج، ولا الضغط، ولا التوبيخ، ولا التبكيت، ولا الإصلاح، ولا الشتم، ولا الاحتقار، ولا الازدراء، ولا أيّ ردّ فعلٍ عقلانيٍّ محتمل أو افتراضيّ. هم يستحقّون فقط الفعل: فعل الثأر. أنْ نثأر منهم، بما ملكت أيمان الأحرار الأنقياء وأهل الجمال والحبّ والموهبة والكرامة والأنفة والكِبر وبعد النظر والحكمة والأنسنة.
يجب يا مروان. يجب ثمّ يجب ثمّ يجب.
يجب أنْ نتمكّن من الثأر: الثأر من هذه البشاعة القذرة والغبيّة التي تحكمنا، وتتسلّط على هذه الأرض.
وأنا – يا للأسى - أقول هذا أمام تابوتكَ. أمام روحكَ المرفرفة.
أعرف أنّكَ غادرتَ، لأنّك لم تعد قادرًا على التحمّل، مثل شرفاء وكثيرين. لكنّ بلادنا، والأحرار، والأنقياء، لا يزالون في حاجةٍ إليكَ، وإلى أمثالكَ، أيّها الفنّان، أيّها الكاتب، أيّها الشاعر.
كان هذا الوطن الجميل، وكانت هذه الأرض، لا يزالان في حاجةٍ إليكَ.
فتبًّا للموت. وسحقًا لهؤلاء الذين تصفهم بأنّهم سياسيّون لم تنجب الأرض حكّامًا في مثل بشاعتهم وقذارتهم وغبائهم.
أيجب أنْ نسلّم بالأمر الواقع، يا مروان؟
ووصيّتكَ، في هذا الشأن، ما هي الوصيّة التي يجب أنْ تُذاع على الملأ؟
وصيّتكَ هي جملتُكَ البهيّة والرائية أعلاه.
وها أنا أمام تابوتكَ، أدعو كلّ المنكوبين بهؤلاء السياسيّين، والحكّام، وبهذه البشاعات والقذارات والغباوات، أدعوهم إلى الأخذ بمضمون صرختكَ هذه، وإلى استلهامها، والعمل بموجبها.
يجب يا مروان. يجب الثأر من هؤلاء.
سلامٌ إلى روحكَ.