في مذكراته كتب الشيخ محمد بن راشد انه كان يتمنى ان تصير دبي مثل بيروت. وها بيروت تحلم بان تصير مثل الامارات العربية المتحدة، ويجهد متخرجو الجامعات الى توافر فرصة لهم في الامارات، بعدما تحولت الدولة الحديثة النشأة، ليس فقط مقراً للاعمال، وانما ايضا مساحة تلاق ما بين ابناء الديانات والثقافات والحضارات، وهو ما كانت ترمز اليه بيروت في عصر مضى، قبل ان تسلبها هويتها النزاعات والانقسامات والحسابات الطائفية البغيضة، والتي انتجتها سياسات انتجتها فئة سياسية رهنت نفسها لمصالح الدول، على حساب مصلحة لبنان.
بالامس افتتحت امارة ابوظبي "بيت العائلة الابراهيمية" تنفيذا لوثيقة الأخوة الإنسانية التي تحولت دستورا جديدا للتعايش السلمي يجمع الشرق بالغرب، يتضمن عدداً من الثوابت والقيم، منها قيم السلام وثقافة التسامح وحماية دور العبادة وحرية الاعتقاد ونشر الأخلاق ومفهوم المواطنة.
ويأتي مشروع "بيت العائلة الابراهيمية" ترجمة للاتفاق التاريخي الذي وقعه في العام 2019 البابا فرنسيس وشيخ الازهر الشيخ احمد الطيب، جامعا قيم المسيحية والاسلام، ليدفع قدماً التفاهم المتبادَل والتعايش المتناغم والسلام بين مختلف أبناء الديانات وأصحاب النيات الحسنة. ويضم المشروع مسجداً وكنيسةً وكنيساً يهودياً ومركزا تعليمياً، ويُقام على جزيرة السعديات التي تمثل "مركز الثقافة وقلبها النابض في إمارة أبوظبي".
يجسِّد تصميم بيت العائلة الإبراهيمية القيَم المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ويعد مساحة لبدء تفهم الاخر وقبوله.
وفي حين تفاخر الدولة الاماراتية بالانجاز الذي تتوجه اليه انظار العالم، تتحرك فئات من هنا وهناك، تهاجم المشروع. فئة اسلامية ترى اليه تنازلا امام اديان اخرى تختلف في تفاصيل كثيرة مع الاسلام. وفئة مسيحية ترى الى الخطوة تنازلات تقدمها الكنيسة الكاثوليكية، ومجموعات تتهم المشروع بانه يعمل الى خلق ديانة جديدة تخلط ما بين الاديان السماوية وغير السماوية، ويرى البعض الاخر ان المشروع تطبيعي بامتياز.
بين هذا وذاك، من اراء وانتقادات ترافق كل مشروع، يبرز الخوف من مجموعات متضررة من كل تلاق وتقارب ما بين ابناء الديانات، لانها تعيش على الحروب والنزاعات وتستمد منها مبرر وجودها واستمرار عملها.
الانتقاد حق. ولكن دفع المشروع قدما، وتقديره، وتشجيعه، حق ايضا، لان النزاعات عبر التاريخ لم تنتج الا القتل واليتم والترمل والاعاقة وهي كلها لا تلتقي مع اي ديانة سماوية او غير سماوية، اذ ان هدف الديانات هو السلام او هكذا يجب ان يكون. والسلام لا يتحقق الا بالتقارب والحوار والتفاعل وقبول الاخر والاختلاف معه بالفكر لا بادوات القتل والحرق.