النهار

الستّ شاديا
السيدة شادية تويني.
A+   A-
الستّ شاديا، الشيخة ابنة الحسب والنسب، صاحبة الأصل والفصل، سيّدة مواهب الإرهاف والثقافة والذكاء والكياسة واللياقة والذوق والرفعة والأنفة والتواضع والترحاب والعرفان وحسن الأدب والتصرّف، أسلمت الروح عشيّة الميلاد.

الصديقة الصادقة الصدوقة، التي ابتسامتها العرفانيّة الخلوقة تنوب عن كلّ صفةٍ ووصف، لم تستطع أنْ تواظب أكثر فأكثر على حربها المفتوحة مع الشرّير الغادر الخبيث، فآثرت أنْ تغمض وتغفو، لتغادر بصمتٍ جليل، بكِبَر، وأيضًا بعذابٍ وأوجاع، لكنْ من دون أنْ يفوز المرض بانتزاع الإيمان من قلبها، والأمل من استشرافاتها الحياتيّة، والإشراق الدائم عن جبينها المشرق الوضّاح العالي.

السيّدة الوفيّة الكريمة كانت سيّدةً ووفيّةً وكريمة، وكانت اللايدي الدمثة والمكافحة بامتياز. فكانت في العلن وفي الظلّ تحضر وتقدّم اليد وتعمل باجتهاد، بصبر، بخفر، بحنكة، ببعد نظر، بطول أناة، وبدربةٍ لا تتقنها إلّا اللواتي يعرفن كيف يكنّ العضد العضود، ومن الندّ للندّ، في الواجهة متى يجب، وفي الكواليس متى تُستَحسن الكواليس، على طريقة العارفات بمشقّات العمل في الشأن العامّ، وبكيفيّات مواجهة الاستحقاقات والتحديات والأخطار والاختبارات والمحن والآلام، ومقاربة شجون الديبلوماسيّة وشؤونها، وهذا كلّه من دون أنْ يبدر منها ما يدلّ على غلطٍ أو تعاظمٍ أو تشاوفٍ أو تعالٍ أو ادّعاء.

هذه التي لم تكن يسراها تعرف ماذا تفعل يمناها، كم كانت يسراها لا تعرف ماذا تفعل يمناها. هي التي اختبرت المحبّة والبذل والعطاء بلا حساب، وانخرطت في الحياة الصعبة والشائكة والدقيقة، وفي موجباتها ومسؤوليّاتها الجسام، في البيت، في العائلة، في المجتمع، وبقيت حتّى الخلجة الأخيرة من روحها تعد نفسها وعارفيها بالعودة إلى الحياة، إلى العمل، إلى رائحة المطابع والكتب والنشر، دون جدوى.

الستّ شاديا نمر الخازن النيني تويني، هذه الشيخة الأصيلة ابنة الحسب والنسب، كانت صديقتي، فيا لخسارتي فيها، هذه الخسارة التي لا تُعوَّض.
سلامٌ لروحكِ يا ستّ شاديا.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium