الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

كي لا يسقط لبنان من المكان

المصدر: "النهار"
رشيد درباس
رشيد درباس
Bookmark
أرشيفية (نبيل إسماعيل).
أرشيفية (نبيل إسماعيل).
A+ A-
أنا لا أفتقر الى البراهين لإثبات براءتيبل إلى السفاهة والوقاحة والسلاطة.سقراط في محاكمتهعثرت في مكتبتي على كتاب قديم للمفكر والمؤرخ قدري قلعجي، عنوانه "أشهر المحاكمات في التاريخ"؛ حكى فيه، من جملة ما حكى، عن محاكمة كل من "سقراط" و"بودلير" و"غاليلييه"، التي تعبِّر نتائجها الكارثية عن سوء التقاضي في ظروف العشوائية والعشوائيين. وفي اللغة أن "الأعشى" هو المصاب بسوء البصر في الليل والنهار.كان بمقدور سقراط أن ينجو من تجرع السم، لو أظهر في الحديث بعض طلاوة، وفي الموقف جانبًا من مرونة. لكنه آثر أن يدفع ما تبقّى له من حياة، في سبيل حيوات القرون القادمة، حين أكد أنه استجوب جميع الأشخاص الذين يسمّونهم علماء، فوجدهم لا يعلمون شيئًا، لأنهم يزعمون علمهم أشياء بعينها، أما هو فأعلم الناس، برأيه من يعلم أنه لا يعلم شيئًا. وقبل اختلاجته الأخيرة همس في أذن صديقه "كرتيون": "أنا مدين بديك لإله الطب "إسكولاب" كذبيحة تعني أن الموت هو الشفاء من داء الحياة".وحين حوكم شاعر "أزهار الشر"، ترافع محاميه مدليًا بأن نصوص الديوان لها شبيهاتها لدى (دوميسيه وغوته ورابليه)، وبأن صاحبها لا يدعو إطلاقًا إلى إفساد الأخلاق، بل هو ذو نية حسنة، فعلّق بودلير: "لست راضيًا عن المرافعة، لأن الفنان لا يؤدي حسابًا أمام الأخلاق، ولا يطلب منه حسن النية ، بل أن يكون ذا موهبة". وهو، بعدما أدانته الغرفة التأديبية السادسة في باريس، برأته محكمة التمييز الفرنسية في 31-5-1949، أي بعد ثمانين سنة من وفاته.أما "غاليليو ابن المرحوم فنسانزيو غاليلي من فلورنسا"، فقد تلا أمام محكمة التفتيش فعل الندامة والتوبة والتنصل من نظرية الشمس الثابتة والأرض التي تدور؛ لكنه، بعد صدور الحكم عليه بالإقامة الجبرية خرج من قاعة المحكمة وقال لأصدقائه الذين كان يتكىء عليهم: "ومع ذلك فإنها تدور".الشاهد من نتائج هذه المحاكمات الثلاث أن أبشع أنواع الظلم يتمثل في استسلام العدالة "للجمهرة" ذات الحناجرِ والشاشاتِ والتظاهرات، لأن القاضي إذا فعل ذلك، أصبح جلادًا ينفذ ما يمليه عليه الغاضبون والعشوائيون والغرائزيون، في الوقت الذي من حقِّ مرتبته عليه أن تملي به على الآخرين، بمن فيهم أصحاب المقامات الرفيعة، أن يطأطئوا رؤوسهم أمامه احترامًا. فإذا أحنى الرأس مرة واحدة، أو خفق قلبه من وَجَلٍ أو هوى، فهو ساعتئذٍ لا يهوي لوحده من مكانته، بل يبلبل الوجدان العام في مبدأ حيادية القضاة والتزامهم بالحق، وَيُعَرِّضُ نفسه للإدانة من قِبل محكمة التاريخ التي لها النطق بالحكم الفصل، ولو بعد حين، فقد أعدم سقراط وظلَّ أعلم العلماء،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم